منذ أيام بدأت إجازة قصيرة إلي مدينتي الأقصر واسوان بعد غياب 5 سنوات تقريبا.. هذه المرة شعرت بوحشة غريبة بعد أن تبدل الحال في الأقصر وأسوان بسبب تدهور الحالة الأمنية وتراجع حركة السياحة إلي معدلات غير مسبوقة.. الفنادق والمقاهي التي كانت تعج بالسائحين أصبحت شبه خاوية.. والكورنيش الذي كان السير عليه متعة في حد ذاتها تحول إلي طريق موحش يلفه الصمت. في جولة سريعة علي فنادق الأقصر وجدت أحد أشهر الفنادق به نزيليان فقط مصريان وآخر به سبعة وثالث لا يتجاوز عدد نزلائه 12 نزيلا وبعدها أغلق أبوابه تماما.. مشهد أنوار الغرف والمداخل المطفأة يبعث علي الأسي لما وصل إليه حال السياحة في الأقصر.. ربما تعطي إجازة نصف العام الدراسي قبلة الحياة -ولو لأيام - لبعض الفنادق ولأهالي هذه المدينة الحزينة الذين شاءت الأقدار أن تجعل من السياحة مصدر رزقهم الوحيد. اعتصر قلبي مشهد أهالي البر الغربي في الأقصر وهم يستجدوني ومن معي في الرحلة - لشراء منتجاتهم من التماثيل الالباستر والشيلان والكوفيات وبعض البوسترات لآثار المدينة.. كانوا يرددون عبارات حزينة مثل »والنبي مش لاقيين جنيه نصرفه« »وحرام عليكم احنا بنموت كل يوم« وعندما شعر أحدهم بتردد بعضنا في الشراء قال »يعني لا المصريين عايزين يشتروا ولا الأجانب عايزين يشتروا.. نعيش ازاي؟«! فعلا »حاجة تقطع القلب«.. ربما يعلق بعض القراء علي هذه المقدمة بالقول »إيه النكد ده؟«.. لكنني وجدتها ضرورية لأحذر كل مواطن أننا جميعا معرضون أن يصل حالنا إلي ما وصل إليه حال أهالي الأقصر إذا لم نقبل بكثافة علي المشاركة في الاستفتاء علي الدستور ونصوت ب »نعم« حتي نضمن اقرار الدستور بأعلي نسبة مشاركة وأعلي نسبة تصويت ب »نعم« لنمضي في استكمال استحقاقات خارطة المستقبل واجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون الاشهر الستة القادمة.. استكمال خارطة المستقبل هو السبيل الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار بما يفتح الطريق لدوران عجلة الانتاج واعادة تشغيل المصانع التي أغلقت ابوابها وعودة السياحة إلي ما كانت عليه من ازدهار يحسدنا عليه العالم. الإخوان يحاولون ترويع الناس بإشاعة أن الدستور الجديد مخالف للشريعة الإسلامية ويوزعون نسخا مزورة للدستور للتدليل علي صدق مزاعمهم الكاذبة ويشيعون أن من سيقول »نعم« للدستور سيدخل النار! وهذا كلام فارغ لابد أن نواجهه بكل قوة وعلي كل المستويات خلال الأيام القليلة المتبقية علي موعد الاستفتاء علي الدستور والذي سيحل قبل موعد نشر مقالي القادم.. لهذا أقول وأكرر أن هذا النداء الأخير لكل وطني مخلص لهذا البلد ألا ترهبه محاولات الإخوان ترويع الناخبين من السيارات المفخخة والقنابل التي قد يزرعونها هنا أو هناك أو تخويفهم من دخول النار إذا ما قالوا »نعم« للدستور. لتكن نتيجة الاستفتاء هي الكلمة الأخيرة والفيصل في الحرب بين الإخوان والشعب.. وأقول الشعب وليس الجيش والشرطة لأن الشعب هو المنتصر أو الخاسر في هذه المعركة.. اقرار الدستور يجب ألا يكون هو الهدف لأنه قد يتحقق بموافقة 3 أو 4 ملايين ناخب فقط.. لكن هذه نتيجة لا تليق بالقطع بالشعب المصري الذي قام بثورتي 25 يناير و30 يونيو خلال عامين ونصف العام ليعيد بناء الدولة المصرية علي أسس مدنية وديموقراطية بما يحقق أهداف الثورتين في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. لكن اقرار الدستور بأعلي نسبة مشاركة وأعلي نسبة موافقة هو الهدف الذي اتحدث عنه.. ولهذا وكما أكدت من قبل »كل صوت يفرق«. وهذا ما يجب أن يعيه كل ناخب حتي لا يتردد ولا يخاف من النزول للادلاء بصوته. الرخاء والمستقبل الذي نتمناه لأبنائنا وأحفادنا لن يتحقق إلا بإعادة بناء الدولة والطريق الوحيد للوصول إلي هذا الهدف هو استعادة الأمن والاستقرار لأنه بدون الأمن والاستقرار لن تتحقق التنمية بمجالاتها المختلفة الصناعية والزراعية والسياحية والأمن والاستقرار لن يتحقق إلا بوجود رئيس وبرلمان منتخب انتخابا حرا مباشرا وحكومة قوية تفرض قبضتها لتقضي علي العنف والإرهاب في أسرع وقت.. وانتخاب الرئيس والبرلمان لن يتحقق إلا بإقرار الدستور الجديد الذي يشهد كل من قرأه بعناية أنه دستور جيد يحمل الخير لمصر وينتقل بها إلي مصاف الدول الديموقراطية المستقرة ويضمن مكاسب وحقوقا غير مسبوقة لكل فئات الشعب. لتكن نتيجة الاستفتاء أيضا رسالة للعالم أن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية غير مسبوقة في التاريخ وليس انقلابا عسكريا . عود أحمد أهلا بياسر رزق الذي عاد لبيته »أخبار اليوم« معززا مكرما.. خرج رئيسا لتحرير »الأخبار« علي يد الإخوان ليعود رئيسا لمجلس الإدارة بعد ثورة 30 يونيو. ياسر رزق شاب يشع الذكاء من عينيه.. كاتب متميز دمث الخلق.. التفت حوله أسرة تحرير »الأخبار« فانطلق بها إلي آفاق جديدة في أصعب الظروف.. وكان دائما يفكر في الجديد الذي يقدمه للقارئ.. والآن ومن خلال رئاسته لمجلس الإدارة بدأ يضع الخطط للخروج بأخبار اليوم من عنق الزجاجة.. كان الله في عونه ووفقه دائما إلي ما فيه الخير.