عبدالهادى عباس الحزن من أنبل وأرقي المشاعر الإنسانية علي الإطلاق وأقربها إلي الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، وبيني وبين الحزن صداقة دائمة وودٌّ قديم، فلا يكاد ينفصم أحدنا عن صاحبه، ولست أدري أتدخل هذه العلاقة المتينة في باب سمو المشاعر ورهافتها، أم تنحو بها تجاه سوء الطالع والحظ السيئ؛ ولكنّ الأكيد أنني أرجو انتزاعها عن إهابي بطلاق كاثوليكي بائن لا رجعة فيه.. فما كدت أفرح بعد أن قضيت تسعة أشهر في رحم القلق والرهبة أتقلب علي السفّود انتظاراً لقدوم ابني الثاني إلي حياتنا الدنيا، وخشية من تكرار مأساة أخيه الأكبر الذي دهمته المنية باكراً، حتي كبَّلني الحزن بأغلاله الثقال وأسرني في ظلمات بعضها فوق بعض، وإني لأشعر به وكأنه عفريت ضخم من أولئك الذين كانوا يسترقون السمع من ذات الرجع قد أوحي إليّ بما سيحدث؛ إذ بالفعل بدأت أوجاع ابني "الإمام عليّ" بارتفاع غير طبيعي في نسبة الصفراء، أعقبته كمية مناسبة من الأدوية، لكنّ المرض لا يعرف غير العناد، حيث ارتفعت النسبة أربع درجات دفعة واحدة في يومين..وهكذا مارس الألم ألاعيبه غير الشرعية لاحتلالنا وإيلامنا في فلذات أكبادنا؛ فكل صرخة وكل توجع وكل دمعة تصدر عن الابن هي شواظ من نار في قلب الأب..ولقد كنت أحسب نفسي قويًّا جلِداً ذا عزيمة ومضاء حتي اكتشفت رقة حالي وهزالي المكين، إذ تنهشني أنياب الألم الحداد، تأكل كبدي وتعصر قلبي وتمزق أحشائي فلا تترك مني سوي بقايا إنسان.. فمع كل توجع يشكوه هذا الملاك الصغير تضربني أعاصير الألم وينفد مني إكسير القوة فلا أري سوي عالم من السدود والقيود، ولا أنفك أتخيل غرباناً شوهاء تحلق فوق سمائي منذرة بالخراب، غير أن أريج الأمل في قلبي لا يملّ من فتح عوالم أخري مزهرة، تحمل البهجة المرجوة والفرج القريب..فالآن فقط بدأت أشعر بجلال الجناب النبويّ حين كان يتأذي لبكاء حفيده الحسين رضي الله عنه. حضَّانات سياسية ! بين اليقظة والمنام إذ كنت أرقب ابني في حضّانته راودتني عن حزني أضغاث أفكار أمسكتُ بتلابيبها بيديّ وأسناني رغبة في رفع السأم عن قلبي العليل، وهي ضرورة إنشاء حضّانات عملاقة للسياسيين المصريين تدعمهم بالغذاء السياسي الصحي، وترفع عن جسومهم ما علق بها من أوشاب العصر البائد، وتُسلط عليهم أشعات الديمقراطية ومبادئ التفكير السياسي السليم، ويتنفسون فيها هواءً ثوريًّا نقيًّا..حتي يخرجوا إلي الحياة السياسية كاملي النمو، حاملين مضادات وموانع قوية لمواجهة فيروسات أكل العيش وبيع الضمائر؛ فلا يهرفون بما لا يعرفون، ولا يمارسون القمار السياسي الذي أشعل بلادنا وخرّب ديارنا، وتركنا علي المحجّة السوداء نهارها كليلها لا يزيغ عنها إلاّ فائز..ولا أشك أبداً أن الويات المتحدةالأمريكية ستفعل كل ما يلزم للإشراف المباشر علي هذه الحضّانات السياسية..لأنه لو مات القرد فماذا سيفعل القرداتي... عنه أو كما قال!! بيب بيب لبيب من أهم أسباب الثورات المصرية المتوالية أن الناس لا يشعرون بتغير حقيقي في واقعهم المعاش، لذلك اعتقد أن الحكومة أحسنت باختيار اللواء عادل لبيب وزيرا للتنمية المحلية، لأنها الوزارة الوحيدة المسئولة مباشرة عن حال المواطن.