ظهيرة يوم 4 مايو 1949.. ضباب كثيف يُغطي إقليم بيمونت، الذي أنهكته العاصفة وأحكمت الغيوم قبضتها عليه. في مطار القوات الجوية يستقبل عامل برج المُراقبة رسالة مع قُمرة قيادة الطائرة «فيات جي 212» القادمة من برشلونة، "نحن بخير، شكرًا لك. نطير الآن على ارتفاع منخفض. نُحلق تحت الغيوم. من المتوقع وصولنا إلى تورينو في غضون 20 دقيقة". اخترنالك الرسالة الأخيرة.. سوبيرغا تُغيب تورينو العظيم للأبد حقائق وأرقام مُلفتة بعد فوز يوفنتوس على موناكو داني ألفيش: ريال مدريد؟ علينا تجاوز موناكو أولًا على خطى رونالدو.. "بوفون" رجل أرقام قياسية أيضًا كانت هذه هي الرسالة الأخيرة لبييرلويدجي ميروني، قائد الطائرة، الذي فشل في تحديد المسار بدقة كافية فاصطدم ذيل طائرته بكنيسة «سوبيرغا» على مشارف مدينة تورينو. لحظات مصيرية اختلطت فيها قطرات المطر بقذائف من اللهب المُتطاير. إنه اليوم الذي سيبقى خالدًا في ذاكرة كرة القدم للأبد. فالفريق النبيذي الذي صال وجال في الملاعب الإيطالية مُحققًا الانجاز تلو الآخر، والذي وقف جميع المُنافسين عاجزين عن إيقافه، وضعت الطائرة حدًا لهيمنته آخذة معها 18 لاعبًا من خيرة نجوم كرة القدم آنذاك في إيطاليا والعالم. كارثة سوبيرغا الجوية - 1949 عام 1906 من قلب يوفنتوس، نشأ تورينو نتيجة لخلاف بين مسؤولي الفريق الأبيض والأسود العريق الذي تم تأسيسه قبل ذلك بتسع سنوات 1897. في تلك اللحظة أصبح للمدينة الواقعة عند سفوح جبال الآلب في أقصى الشمال فريقان. التاريخ يقول الآن إن هذان الأخوان المُختلفان جعلا من عاصمة إقليم بيمونت أعظم مدينة لكرة القدم في إيطاليا؛ فالفريقان حققا لقب الدوري في 41 مناسبة، 34 ليوفنتوس و 7 لتورينو. و تكمن المُفارقة في أن خمسة من ألقاب الدوري السبعة التي حققها تورينو كُتب باسم فريق الأربعينيات الأسطوري، والذي أُطلق عليه آنذاك "إل غراندي تورينو" أي "تورينو العظيم". سيطر هذا الفريق على بطولة الدوري في الفترة من 1943 حتى 1949. حقق الخماسية الذهبية مع الأخذ في الاعتبار توقف البطولة بسبب الحرب العالمية الثانية. غيبت كارثة سوبيرجا معها كوكبة من نجوم كرة القدم في إيطاليا والعالم، يأتي على رأسهم النجم الكبير فالنتينو ماتزولا، الذي عوضه القدر بأن أصبح ابنه ساندرو أحد أبرز أساطير نادي إنتر ميلانو لاحقًا! فالنتينو ماتسولا مع ابنه ساندرو أسطورة الإنتر لاحق و لم تقتصر عظمة هذا الجيل على الفوز بالألقاب، فالتاريخ سيبقى شاهدًا على أن هذا الجيل الذهبي حافظ على سجله خاليًا من الهزائم على ملعبه لمدة أربعة أعوام. أكثر من هذا خاض منتخب إيطاليا مباراة ودية ضد المجر عام 1947 بفريق كامل من نجوم التورو! في عام 1976 عاد تورينو مُجددًا إلى منصة التتويج بطلًا لإيطاليا لآخر مرة بفضل موهبة اللاعب الرائع فرانشيسكو غرازياني، والهداف الكبير باولو بوليتشي. هذا الثنائي مكن التورو من التفوق على الغريم يوفنتوس بفارق نقطتين خطف اللقب. أقامت مدينة تورينو نصبًا تذكاريًا هناك بالقرب من تل سوبيرغا، حيث قضى نجوم الفريق الذهبي الذي لا يُقهر. أيضًا تم تغيير اسم الملعب الأولمبي بالمدينة إلى «ستاد إل غراندي تورينو». كما يُضيء متحف «مولي آنتونيلانا» الأثري سنويًا في الرابع من مايو سماء تورينو باللون النبيذي تكريمًا لذلك الجيل العظيم. تورينو العظيم.. في القلب والذاكرة للأبد