يشهد الاقتصاد المصري نزنفا مستمرا لمواده الخام من خلال التصدير العشوائي لها بأسعار بخسة لا تضاهي قيمتها الحقيقية, وإعادة استيرادها مرة أخري علي هيئة سلع ومنتجات نصف مصنعة ونهائية, لتحرم بذلك الاقتصاد الوطني من القيمة المضافة لهذه السلع والتي يمكن ان تسهم بشكل كبير في تنامي الاقتصاد وتوفير العديد من فرص العمل وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية, وفي الآونة الاخيرة تزايدت المطالبات والاستغاثات من قبل المصدرين والقائمين علي الصناعة بإيقاف تصدير المواد الاولية ومحاولة تصنيعها وتصديرها بقيم مضافة أعلي. ويصف خالد أبو المكارم, رئيس شعبة البلاستيك باتحاد الصناعات, تصدير مصر للمواد الخام دون تصنيع وإعادة استيرادها مرة أخري علي هيئة منتجات نهائية مصنعة بأنه أشبه بالقنبلة الموقوتة, مؤكدا انه حان الوقت لفتح هذا الملف المهم أمام وزارة الصناعة والمطالبة بوقف تصدير جميع أنواع الخامات الاولية التي تدخل في الصناعة, خاصة ان اغلب دول العالم وعلي رأسها الصين تمنع تصدير هذه الخامات الاولية إلا في هيئة منتجات نهائية لزيادة القيمة المضافة علي المنتج ورفع قيمة للميزان التجاري للدولة. وأكد ان خسائر مصر من صادرات المواد الخام لا تقل عن30 مليار جنيه سنويا, يمكن ان تضاف علي هيئة صادرات إضافية في حالة تصدير هذه المواد الاولية علي هيئة منتجات نهائية متكاملة. وأشار أبو المكارم الي مجموعة من الايجابيات الناتجة عن تصنيع المواد الاولية داخل مصر مثل المساهمة في تشغيل اكبر قدر من العمالة في تصنيع هذه المواد الاولية وتصديرها علي هيئة منتجات نهائية, فضلا عن خفض عجز الموازنة من خلال سداد الضرائب والتأمينات الاجتماعية للدولة, بالاضافة الي زيادة قيمة الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الخارجية. وأضاف أن مصر تتمتع بمجموعة من المميزات التفاضلية الاضافية مثل انخفاض تكلفة الطاقة عن مثيلاتها من الدول الاخري, مع وجود اتفاقيات دولية وتجارية مع دول العالم أجمع, فضلا عن توافر العمالة اللازمة للبدء في المشروعات الصناعية أو التجارية. من جانبه, أوضح وليد جمال الدين, رئيس المجلس التصديري لمواد البناء, ان هناك العديد من المواد الخام الاولية التي تصدر للخارج ويتم استعادتها مرة أخري كمنتجات نهائية علي الرغم من وجود الآليات اللازمة للتصنيع وتوافر العمالة اللازمة, مثل الرخام الذي يصدر في صورة بلوكات دون أيه قيمة مضافة ويتم تصديره للصين واستيراده مرة أخري علي هيئة بلاط رخام جاهز للاستخدام المباشر يقيمة تصل الي15 ضعف الخامة الاولية, بالاضافة الي صادرات الرمل الزجاجي الخام الي تركيا بحوالي20 دولارا للطن واستيراده كمنتجات زجاجية تترواح قيمتها ما بين500 الي600 دولار للطن الواحد. وأضاف انه علي الرغم من توافر الآليات والمعدات اللازمة للتصنيع وتحويل هذه الخامات لمنتجات نهائية إلا ان هناك بعض التجار يتجهون نحو تحقيق الارباح السريعة من خلال استخراج الخامات كالفوسفات الخام وتصديره مباشرة أو علي هيئة أسمدة فوسفاتية مما يكبد الدولة خسائر رهيبة. وأشار محمد أبو شادي, استاذ ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية الشرطة ورئيس قطاع التجارة الداخلية سابقا, الي ان مصر مصابة ب المرض الهولندي طبقا للمصطلحات الاقتصادية, والذي يطلق علي الدولة التي تمثل الخامات الاولية النسبة الاكبر من صادراتها لأنه يفقدها القيمة المضافة علي المنتج في مراحل الانتاج المتعددة. وأكد ان مصر تفتقد ما يوزاي75% من قيمة صادراتها علي هيئة قيمة مضافة عن طريق تصديرها لخاماتها الاولية, وتتضاعف هذه الخسارة في حالة استيراد هذه المواد مرة أخري علي هيئة سلع بقيمة تفوق كثيرا قيمتها الاصلية, مشيرا الي ان السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الادوية في مصر هو استيراد الخامات اللازمة للدواء من الخارج علي الرغم من ان المواد الاولية الداخلة في تصنيع هذه الخامات يتم تصديرها للخارج. وأوضح أبو شادي ان أغلب المعادن المصرية المستخرجة من الاراضي المصرية مثل الرمال البيضاء من سيناء والرمال السوداء من أراضي الدلتا والرخام تصدر خاما عقب استخراجها مباشرة علي الرغم من إمكانية تجميعها الكترونيا في صورة لوائح سيليكونية تكون قيمتها أعلي كثيرا من مثيلتها الأولية. من ناحيته, أرجع الدكتور هاني قسيس, رئيس مجلس الاعمال المصري الامريكي وعضو بالمجلس التصديري للصناعات الكيماوية, الاتجاه الي تصدير المواد الاولية دون تصنيعها الي وجود بعض المعوقات الصناعية من قبل الدولة في التمويل وغياب الجمعيات الاهلية المحفزة علي الصناعة والاستثمار, لافتا الي طول الإجراءات في استخراج التراخيص اللازمة من مؤسسات الامن الصناعي والبيئة, مع غياب ثقافة الانتاج والمنافسة أصبحت تتلاشي تدريجيا. رابط دائم :