علي الرغم مما شهده القطاع السياحي من هبوط حاد في مختلف المؤشرات السياحية عقب أحداث الثورة إلا أن الجهود الأخيرة للوزارات المعنية ساعدت علي البدء مرة أخري في ظهور مؤشرات تفاؤلية علي صعيد الإيرادات السياحية وحركة الطلب السياحي الدولي, حيث شهد الربع الأول من سنة2013 تحقق معدلات نمو مرة أخري ولكنها لم تصل بعد إلي ما كانت عليه قبل الثورة.. وفي الوقت الذي تفقد الدولة فيه سيطرتها علي الاضطرابات السياسية والنواحي الأمنية بسبب تصاعد الحالة الثورية لغالبية فئات المجتمع بعد الثورة والذي يعد الهدف الأساسي لإنعاش السياحة.. نتطرق في السطور التالية إلي أحد العوامل التي تؤثر سلبا علي قطاع السياحة ولكنه يندرج تحت مسميصناعة حكومية أي أنه يخضع لسيطرة الدولة بشكل كلي وهو افتقاد التنسيق بين الوزارات والقطاعات المغذية لقطاع السياحة مما يسفر عن إصدار قرارات عشوائية تزيد من تدهور القطاع وتبطئ من عملية نموه من جديد.. في البداية تري الدكتورة دلال محمد عبد الهادي أستاذة الاقتصاد السياحي بكلية سياحة وفنادق جامعة الإسكندرية وعضوة في لجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلي للثقافة- أنه يتعين علي الوزارات المختلفة التنسيق فيما بينها سواء بأخذ أو إلغاء أو تعديل أو تأجيل بعض القرارات طالما كان لا يؤثر سلبا علي أي منها من ناحية المكاسب والخسائر, لافتة إلي وجود ممارسات من قبل بعض الوزارات تؤثر سلبا علي قطاع السياحة وفي مقدمتها إهمال وزارة البيئة التخلص من المخلفات سواء الصناعية أو الزراعية, مما يؤثر سلبا علي البيئة الصحية للسائحين, فضلا علي استخدام وزارة الزراعة أسمدة ومبيدات مسرطنة تؤثر علي الركيزة الغذائية للسائحين طوال فترة إقامتهم في مصر. وتضيف أن سياسات قطاع النقل والمواصلات تؤثر سلبا علي حركة السياحة, نظرا لعدم الاهتمام بتحديث وتطوير وسائل النقل حتي تصلح للاستخدام الآدمي بالنسبة للمواطن المصري أو السائح, فضلا علي عدم اتباع تبني إدارات المرور القواعد الخاصة بالسائحين والممثلة في وجود إشارات ضوئية وإشارات سير وتحديد اتجاهات لإرشاد السائح وتسهيل تنقلاته بين المزارات السياحية المختلفة, ما يمثل عقبة كبري أمام السائحين. وتشير عبد الهادي إلي تقصير هيئة الطرق والكباري والوزارات المعنية بالبنية التحتية مثل الصرف الصحي والغاز والكهرباء والإنارة والمياه, من حيث عشوائية تنفيذ المشروعات وإدخال البنية التحتية في بعض الأماكن السياحية والتي تؤدي إلي تشويه مظهر الشوارع والطرق بسبب تهديمها أكثر من مرة في فترة زمنية قصيرة, وخير مثال علي ذلك منطقة كينج مريوط السياحية التي باتت شوارعها مهدمة دون أن يلتفت إليها أحدا من المسئولين, إلي جانب وجود قصور واضح في توصيل المياه النظيفة لبعض المناطق السياحية. وعن علاقة وزارة السياحة بوزارة الاستثمار, توضح غياب الرؤية الاستثمارية في مختلف القطاعات بشكل عام وداخل قطاع السياحة بشكل خاص, من حيث عدم وجود خطط متكاملة لتحفيز المستثمرين الأجانب وتقديم الدعم لهم والمساندة الضرورية للإقبال علي الاستثمار في مجال السياحة, فضلا علي وجود رؤي متضاربة بين الحكومة والمستثمرين, إلي جانب عدم التفريق بين المستثمر الأجنبي والمحلي من حيث مدي الوعي بقوانين إجراءات الاستثمار وبالتالي التعنت في حساب المخطئين وكل هذا من شأنه شل حركة الاستثمار السياحي. في السياق ذاته يؤكد المفكر السياسي محمد ماهر قبيل أننا نعاني من غياب عنصر التنسيق بين مؤسسات الدولة, فتبدو كل مؤسسة وكأنها تعمل في معزل عن الأخري, كما تبدو المنافسة ضارة وتتصاعد روح التربص الموروثة منذ عهد النظام السابق لتعدو علي روح التعاون, وهو ما يؤثر سلبا علي كل القطاعات ويحد من العوائد والإيرادات المرجوة. ولفت إلي أن التنسيق بين القطاعات المرتبطة ارتباطا وثيقا بقطاع السياحة أمر في غاية الأهمية, لأنه يؤثر بشكل مباشر علي تعظيم العائد من هذا القطاع الذي يعد أساس التنمية في مصر لأنها تملك من الموارد والخصائص الطبيعية والجغرافية والتاريخية ما يؤهلها لكي تصبح البلد السياحي الأول في العالم, حيث تتميز بموقع أفرو- آسيوي فريد, فضلا علي مناخها المعتدل طوال العام, علاوة علي ما تزخر به من مزارات سياحية وعلاجية ودينية وما أضيف إليها أخيرا من السياحة الثورية الممثلة في ميدان التحرير رمز ثورة25 يناير, إلي جانب وجود أغلبية آثار العالم علي أراضيها. ويشير إلي اتخاذ بعض الوزارات قرارات بغرض تحقيق مكاسب آنية خاصة دون استشراف مدي تأثيرها علي قطاع السياحة في الأمد البعيد, وهو ما يعني عدم التنسيق بين الجهات المعنية بالسياحة, كأن تصدر وزارة الآثار قرارا مفاجئا برفع أسعار المزارات السياحية أو تقوم شركة مصر للطيران برفع سعر الرحلات من أحد البلدان, لافتا إلي أن هذا من شأنه إحجام السائحين عن زيارة مصر. ويطالب قبيل بضرورة إنشاء سلطة رسمية علي أن تكون ثمة إدارة أو وزارة تختص بعملية التنسيق بين قطاعات الدولة المختلفة بما يعود بالنفع علي الاقتصاد القومي. ويري الدكتور عز الدين عبد ربه المستشار القانوني ورئيس جمعية أم الدنيا وباحث ومحلل سياسي- أن التنسيق بين الوزارات المختلفة داخل الحكومة أمر بديهي لا يحتاج إلي تشريعات بل تحكمه اللوائح والأعراف, وهو أحد جوانب علم التنظيم والإدارة, كما أنه شرط من شروط اتخاذ القرار والذي تسبقه خطوة تقدير الموقف ودراسة تبعات القرار من مختلف الزوايا, لافتا إلي وجود نحو11 ألف تشريع في قطاع السياحة فقط ينتظر التعديل بعد تشكيل مجلس النواب. من جانبها تقول الدكتورة عادلة رجب المستشارة الاقتصادية لوزير السياحة- إن الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء أصدر قرارا في شهر نوفمبر الماضي بتفعيل نظام المجموعة الوزارية وبمقتضاه يجتمع مختلف الوزراء مرة أسبوعيا لتفعيل الحوار حول القرارات المشتركة, وعلي الوزارات المرتبطة ببعضها البعض أن تجتمع بصورة دورية خلال الأسبوع لمناقشة القرارات المشتركة مثل وزارات السياحة والطيران والآثار والبيئة والنقل والثقافة. وتؤكد أن هذا القرار بدأ يؤتي أكله, إذ أسفرت الاجتماعات عن العدول عن بعض القرارات التي كانت تعتزمها بعض الوزارات وتأجيل البعض الآخر مثل تأجيل قرار وزارة الطيران برفع رسوم المغادرة في مطاري شرم الشيخ والغردقة من15 دولارا إلي20 دولارا لحين شهر نوفمبر المقبل أي بداية الموسم السياحي الجديد, وذلك بعد استعراض أثر هذا القرار علي شركات السياحة المصرية والتي قد انتهت من إعداد برامجها بالتنسيق مع الشركات الأجنبية بناء علي تكاليف محددة منذ بداية الموسم وبالتالي يمثل زيادة التكاليف أثناء الموسم خسارة كبري بالنسبة لها, كما تم التوصل بموجب المناقشات إلي إرجاء قرار وزارة الآثار برفع رسوم المزارات السياحية في منتصف عام.2013 وتوضح وجود بعض القرارات التي قد تضر بقطاع السياحة إلا أنه يصعب التحكم فيها بحكم الظروف التي تمر بها البلاد ولأنها قرارات عامة ذات تأثير علي مختلف القطاعات وليست السياحة فحسب, مثل رفع أسعار البنزين والسولار ورفع سعر الكهرباء,