خلف القضبان ملامح أخري للحياة يعيشها من اختاروا لأنفسهم الوقوع في هوة الجريمة ولوثوا أيديهم بدماء مستحلة أو مال حرام فقادهم طريق الشيطان إلي السجن كل منهم يقضي سنوات من عمره يخرج بعدها إما مؤهلا للحياة بشكل سوي أو العودة للجريمة بشكل محترف..!! في الأهرام المسائي نسلط الضوء علي هذا العالم ونكشف عن ملامح الحياة اليومية لنزلاء السجون وكيف يمكن تأهيلهم لمستقبل حياتهم بعد انقضاء مدة العقوبة. لم تكن عبير تدرك أن الحياة التي حلمت بها صغيرة وعاشت زهوتها في شوارع أوروبا و ثملت سكرا ببريقها سوف تزول بهذه السرعة المخيفة وتنهار كل الأحلام علي أعتاب سجن النساء بالقناطر. بين إخوتها كانت عبير مدللة إلي حد المرض.. والدها يغرقها بالمال ووالدتها تحتضنها بحنان أعمي ورعاية عاجزة عن فهم ابنتها فخرجت الابنة المدللة للدنيا لا رقيب عليها سوي جموحها وأحلام مستحيلة.. متمردة علي عالمها المدلل.. تريد عالما آخر خارج الدنيا في مصر كلها.. تري نفسها هناك مع من أحبتهم.. تعيش حياتهم كأي فتاة أوروبية وتنسي تماما حياتها في مصر..!! وكما كانت مميزة في البيت كانت مميزة بين صديقاتها ومحور اهتمامهن فهي التي تقودهم دائما وتتولي نفقات خروجاتهن ومع الوقت تملكت منها أحاسيس الزهو والنرجسية حتي أنها كانت تري في نفسها مواصفات لا تتوفر لغيرها وأنها سوف تكون نجمة شهيرة في مجال المال و الأعمال وتحقق ثراء كبيرا.. ولكنها كانت علي موعد مع القدر و مثلها مثل كل البنات لابد أن تتزوج ولكي تتزوج كان لابد من مواصفات خاصة لزوج المستفبل هذه المواصفات لم تتوافر إلا في شخص واحد ثري جدا بطبيعة الحال يستطيع أن يحقق لها كل الأحلام.. عندما تقدم لها لم تتردد لحظة في الموافقة عليه ومع حياتها الجديدة بدأت عبير سيناريو نجاحها الشخصي.. لم تكن عبير ترضي بحالها مع زوجها وتقنع بالمستوي المعيشي الذي وفره لها فعملت علي اقناعه بالسفر إلي أوروبا والحياة هناك.. حلمها القديم الذي تعيش من أجله. طريق الأحلام عامان من زواجها انقضيا أنجبت خلالها طفلها الأول واستطاعت خلالها أن تقنع زوجها بالسفر إلي الخارج ونقل كل أعماله إلي إحدي الدول الأوروبية.. وسرعان ما تحقق لها ما أرادت لتبدأ طريق الأحلام. في البداية عملت هناك في تدريس اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية وشيئا فشيئا أصبحت شخصية معروفة بين العرب والمصريين هناك وفي تلك الفترة أنجبت طفلها الثاني وألحقت طفليها بالدراسة هناك. وأحست عبير أنها حققت ذاتها جزئيا خاصة بعد أن حققت جانبا معقولا من ثرائها الخاص وأصبحت لها ذمتها المالية المنفصلة عن زوجها ولكن ماراثون أحلامها توقف فجأة مع أحداث11 سبتمبر الدامية بأمريكا فقد تغيرت نظرة الغرب للعرب وباتوا يرونهم مصدرا للإرهاب وأحس زوج عبير أن الحياة لن تستقيم له في أوروبا فقرر العودة لمصر. في البداية لم تقتنع عبير بذلك ولكنها عبثا حاولت إثناء زوجها عن العودة وفي النهاية وافقته علي أن يكون السفر مجرد إجازة علي أن تعود مرة أخري هي وزوجها والطفلان. وفي مصر استقر الحال لزوجها وقرر الاستقرار بعمله في بلده وبدأت الخلافات تنخر كالسوس في جدار الحياة الزوجية بينهما فهي تريد أن تسافر وهو حذرها من السفر ومن أنها لن تري الولدين مرة أخري.. حاولت التفاهم معه ولكنها فشلت.. حاولت الانفصال عنه ولكنه رفض.. قررت أن تسافر وحدها.. لم يشغلها تهديده لها بولديها قررت أن تبيع كل شيء أهلها وولديها وزوجها ووطنها من أجل أحلامها الأوربية. واصطدمت عبير بموافقة الزوج التي عرقلت سفرها فقد مارس حقه القانوني ورفض اعطاءها الموافقة علي السفر.. واشتعل العناد في عقل وقلب عبير حتي أعماها تماما وأخذت تتخبط وتجري في كل الاتجاهات لكي تسافر.. واجهت أهلها بالعناد الأعمي الذين رفضوا طلاقها وسفرها.. لجأت لاستئجار بعض البلطجية تستعين بهم في اقتحام شقة الزوجية التي غادرتها بعد عودتها من أوروبا ببضعة شهور عند انفصالها عن زوجها.. لم تكن انفصلت رسميا ولكنها كانت علي النقيض من زوجها في أفكاره ورغباته.. استعانت بالبلطجية لاقتحام شقتها والحصول علي جواز سفرها والأوراق التي يمكنها السفر بها والتي أخفاها الزوج عنها أملا أن تعقل في يوم من الأيام. علي باب شقتها حاول البلطجية دخول الشقة بالقوة فقد غير الزوج كالون الشقة ولكن تصدت لهم إحدي الجيران التي حاولت تهدئة عبير وإثنائها عما تفعل.. ذكرتها بالأيام الأولي لزواجها وكيف شاركتها سعادتها بمولودها الأول.. قالت لها أنها تهدم حياتها كلها بهدمها البيت وإصرارها علي السفر.. ولم تكن عبير تسمع شيئا مما تقوله جارتها العجوز.. وبنفس العناد الأعمي أشارت لبلطجيتها بالتصرف معها واسكاتها حني يكتمل لها ما أرادت وتحصل علي أوراقها وجواز سفرها. حاولت المرأة أن تصرخ وتستغيث بالجيران ولكن يدا غليظة قاسية أطبقت علي فمها في حجرية صماء وشيئا فشيئا احتبست الأنفاس في حلق المرأة وتحشرجت روحها وسرعان ما وهنت مقاومتها وجحظت عيناها لتصعد روحها إلي بارئها في لحظات خاطفة. تحريض علي القتل ومنذ تلك اللحظة التي لفظت فيها الجارة العجوز أنفاسها الأخيرة انحرفت حياة عبير انحرافا شديدا فقد قادتها أفعالها إلي الاتهام بالتحريض علي جريمة قتل.. وما إن انكشف أمرها وألقت الشرطة القبض عليها ومثلت أمام النيابة للتحقيق حتي فوجئت بالجميع ينكرونها ويلفظونها وكأنها لم تكن يوما بينهم.. أبوها قال لها أنها نبت سييء وأنها لن تري وجهه بعد اليوم.. أما أمها فقد قالت لها مثل البطران خسران.. وانتهت التحقيقات ووقفت في ساحة العدالة وحيدة تنظر حولها تائهة.. حائرة.. ونزل الحكم عليها كالعاصفة التي أطاحت في طريقها كل شيء.. الأحلام وحياة الثراء والزهو والنرجسية كل هذا تلاشي وشيئا فشيئا أظلمت الدنيا في عينيها ولم تعد تري شيئا غير ذلك الواقع المر الذي تحتم عليها أن تعيش فيه وتقضي ما بقي لها من حياة في السجن تقضي عقوبة مؤبدة خمسة وعشرين عاما. وما أن خطت عبير خطواتها الأولي في السجن حتي أفاقت من تلك البارانوية واستطاعت أن تنظر إلي نفسها مجردة من كل الأمراض التي وصمت شخصيتها وقادتها إلي السجن.....!! سنوات مرت بعبير وأهلها يتنكرون لها.. تبعث لهم بالرسائل فتعود إليها كما هي دون أن يقرأها أحد.. تأتنس بصورة لولديها تفتح عينيها عليهما كل صباح وقبل أن تنام تكحل عينيها برؤيتهما. ألتقينا بعيد في مكتب العميد أسامة عبد التواب مدير منطقة سجون القناطر بحضور العميد محمد عليوة وياسر الكردي وفي نهلية اللقاء قررت عبير أن تقضي الفترة المؤبدة التي حكم عليها بها في تغيير نفسها ومستقبلها بان تستكمل دراستها العليا في التجارة لكي تنسي وتمهد لنفسها عندما تخرج أن تكون شخصا آخر ولد من جديد.