بعد34 عاما من القطيعة بين مصر وإيران وبالتحديد عقب الثورة الإيرانية وتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل حيث تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوطهران وتحولت العلاقات الي مستوي مكتب رعاية مصالح في البلدين يرأسه دبلوماسي بدرجة سفير وخلال تلك السنوات لم يشهد البلدان أي زيارات ثنائية او وفود رسمية علي أي مستوي بل كان التوتر هو السمة الغالبة علي العلاقات في ظل تدخل جهات خارجية لاستمرار هذا التوتر الذي يصب في مصالحها دون شك. وعقب ثورة25 يناير المجيدة تحركت المياه الراكدة بين مصروإيران من خلال عدد من الوفود الشعبية والاعلامية التي سافرت الي ايران للتعرف علي المجتمع الايراني عن قرب وبالفعل نجحت هذه الوفود في ازالة الكثير من الغموض في العلاقات بين الجانبين وكشفت جوانب كثيرة في المجتمع الايراني. وجاءت زيارة الدكتور محمد مرسي الي طهران للمشاركة في فاعليات قمة عدم الانحياز لتلقي بظلالها الايجابية علي العلاقات بين البلدين رغم انها زيارة متعددة الاطراف وليست ثنائية ثم جاءت زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الاسبوع الماضي للمشاركة في اجتماعات قمة منظمة التعاون الاسلامي في القاهرة لتذيب الكثير من الثلوج المتراكمة منذ سنوات طويلة علي العلاقات بين البلدين. وعلي الرغم من وجود الرئيس نجاد للمشاركة في القمة الاسلامية الا انه استطاع ان يخطف الاضواء حيث قام باجراء مشاورات مكثفة مع الدكتور محمد مرسي والامام الاكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر الشريف بالاضافة الي زيارته لمسجد الامام الحسين وضريحي السيدة زينب والسيدة نفسية ثم لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية وحواره المعمق معهم حول القضايا المصرية الايرانية وكيفية دفعها للامام بعد سنوات من القطيعة. وكذلك لقاء نجاد مع النخبة السياسية المصرية وحواره معهم حيث أكد معظم الحضور من النخبة السياسية ضرورة دعم العلاقات المصرية الإيرانية في جميع المجالات دون المساس بعلاقات مصر مع أي دولة اخري خاصة وان التحالف مع ايران او غيرها ليس بالضرورة ان يكون ضد احد وكان من بين الحضور محمود عزت نائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين ومجدي أحمد حسين رئيس حزب العمل الجديد وابو العلا ماضي رئيس حزب الوسط وعصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط والبدري فرغلي والمستشار محمود الخضيري وعمرو موسي وأيمن نور والسفير احمد الغمراوي رئيس جمعية الصداقة المصرية الايرانية ورامي لكح, بالاضافة الي ممثل الكنيسة المصرية الذي وجه الشكر باسم البابا تواضروس للرئيس نجاد علي رعايته للمسيحيين في ايران. زعزعة الاستقرار وخلال لقاءاته المتنوعة شن الرئيس الايراني احمدي نجاد هجوما عنيفا علي القوي الدولية والغربية واسرائيل واتهمهم بزعزعة الاستقرار في المنطقة وتأليب الدول علي بعضها وتشجيع بعضها علي شن الحروب ومهاجمة الجيران, تنفيذا لسياسة نهب مقدرات المنطقة والسيطرة عليها والعمل علي زيادة مبيعاتها من الاسلحة لدولها بعد بث الفتن والاكاذيب وتصوير ايران علي انها فزاعة المنطقة. وقال الرئيس الايراني: مصر هي صانعة للحضارة والتاريخ وصاحبة دور مهم وبارز في صناعة مستقبل المنطقة, وان الشعب والقيادة الايرانية يحملان كل الود والتقدير للشعب المصري, خاصة في ظل اشتراك الرؤي وتشابه الاحاسيس. واشار الي ان الشعب الايراني محب للسلام ويطالب بارساء العدالة ويتطلع الي علاقات صداقة مع كل الشعوب, منوها بأن الشعب الايراني لم يسبق واعتدي علي أحد ولكنه فقط يطالب بحقه في العيش بسلام وعدل. وأعرب عن تقديره بانه إذا التقت مصر وإيران, فسوف تميل دفة القوة الي صالح المنطقة وستتحقق مطالبها وطموحاتها. وأوضح ان التعاون المصري الإيراني من شأنه انهاء القضية الفلسطينية وفقا للمصالح الفلسطينية, ولهذا يجب فتح الابواب المغلقة من اجل تنمية العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية. كما أوضح أن إيران بحاجة الي طاقات وامكانيات مصر, كما ان مصر بحاجة ايضا الي امكانات وقدرات ايران, وان طهران علي استعداد لتوجيه امكانياتها نحو تكامل العلاقات مع مصر بدون سقف في جميع المجالات, وان طهران علي استعداد ايضا لرفع مستوي العلاقات الدبلوماسية. واكد اهمية تلاقي مصر وايران لان التكامل بينهما منفعة كبيرة للبلدين, بغض النظر عن بعض المشكلات التي توجد في العلاقات الدولية كما توجد وسط العائلة الواحدة اعتقد ان التوافق والاخوة بين البلدين في صالح الشعبين مع ضرورة عدم الالتفات الي من يريدون بدفع القضايا الهامشية الي الصدارة. علاقات الخليج وعن العلاقات مع مجموعة دول الخليج, اشار نجاد في اكثر من موضع إلي ان العلاقات الايرانية الخليجية تتسم بانها علاقات ممتازة وطيبة مع دول المنطقة, وانه سبق وشارك في قمة مجلس التعاون الخليجي بالدوحة قبل اربع سنوات واقترح انذاك12 مقترحا لدعم وتعزيز العلاقات بين الجانبين. ولم يوضح نجاد في مجمل حديثه مضمون تلك المقترحات وما اذا كانت الدول الخليجية اقتنعت بها ام لا, غير انه شدد علي ان بلاده لم تتسبب في أي اذي لدول المنطقة منذ اندلاع الثورة الاسلامية, وان كل مبتغاها هو تعزيز امن المنطقة, وان ايران ستتدخل بجميع قدراتها للدفاع عن بقية بلدان المنطقة. واشار إلي انه سافر إلي كل دول مجلس التعاون الخليجي بقلب مفتوح, وركز علي السعودية التي توجه اليها خمس مرات بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واتهم التواجد العسكري الامريكي البريطاني في منطقة الخليج بانه سبب ما تعاني منه المنطقة من عدم استقرار. واختص نجاد البحرين بقوله: يجب ان يتعامل حكامها مع شعبهم بصورة اكثر رقيا وهذا هو حق الشعوب, واننا لا نتدخل في شئون البحرين ولكننا ندافع عن حقوق الشعوب ونوصي حكومتها بان تعترف بهذه الحقوق. وقال نجاد انه يتم اهدار50 مليار دولار علي شراء الاسلحة الامريكية والاوروبية في منطقة الخليج, وان الدول الغربية تقوم ببث الشائعات والاكاذيب بهدف ارهاب الدول الخليجية وارغامها علي شراء تلك الاسلحة, التي لو ذهبت قيمتها إلي سبل التنمية لتغيرت حال المنطقة بالكامل وتساءل:هل نتصور وضع دول مثل سوريا ومصر والسودان والاردن واليمن اذا توجهت اليها تلك الاموال الباهظة؟.. نجاد وضع الاجابة بنفسه عن سؤاله, حيث حدد بضع كلمات هي لن نري فقيرا في تلك الدول اذا تم استغلال اموال تلك الاسلحة في اقامة مشروعات تنموية ودعا نجاد الدول الخليجية والعربية إلي التعاون والمشاركة وعدم ترك مساحة للغرب للتدخل في ادارة شئون المنطقة لماذا نشجع الغرب علي ادارة علاقاتنا.. فهم الذين شجعوا صدام حسين علي مهاجمة ايران.. ثم شجعوه علي مهاجمة الكويت وجعلوا من هذا الهجوم الحجة للقدوم بجيوشهم لاحتلال العراق وافغانستان. هجوم نجاد علي الغرب لم ينقطع: الغرب يركز علي السيطرة علي منطقة الشرق الاوسط لانها ثرية بالطاقة ومنبع الثقافة ومن يسيطر عليها يستطيع تسيير شئون العالم وضرب مثلا علي استغلال بريطانيا للبترول الايراني اثناء الحرب العالمية الاولي بينما تركت الشعب الايراني فقيرا بعدما استغلت بتروله في ادارة حربها انذاك. اما عن الموقف من العراق, فكان الحديث ذا احزان واتهامات طالت كثيرا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, خاصة عندما تطرق إلي اسباب حرب الخليج الاولي, متهما صدام حسين بانه كان البادئ بشن الحرب علي بلاده, وان اطرافا غربية وصفها بالشياطين هي التي ورطته في تلك الحرب واغرته بشنها, وان صدام تسبب في تخريب وتدمير العراق التي ادخلها في اتون حروب طويلة وكثيرة وانه عمل علي التفرقة بين مكونات الشعب العراقي الواحد, تنفيذا لمخططات الغرب الذي يريد شرا بدول المنطقة والعمل علي تقسيمها خاصة وان الغرب لا يريد أي قوة كبيرة تنافسه.. وقال نجاد: كلما جاء الاجانب للمنطقة جاءوا معهم بالقلق والتوتر بهدف زعزعة استقرارها.. واشار إلي قدوم البرتغاليين والبريطانيين للمنطقة قبل400 عام تقريبا لنهب مقدرات بلدانها. زوال الصهيونية وعن الإدعاءات الإسرائيلية المتكررة بتوجيه ضربة عسكرية لايران.. قلل احمدي نجاد من اهمية ما تعلنه اسرائيل لا نعير لاسرائيل التي خلقت من أجل العدوان اهمية في حساباتنا ولا نراهم ذا قيمة جادة وقال يتمني الاسرائيليون الاعتداء علينا وضرب ايران ولكنهم يخشون من ردة الفعل الايرانية, فقوتنا الدفاعية تستطيع ردع أي معتد وجعله يندم علي ما فعل. واشار نجاد إلي ان القوي التي خلقت الكيان الصهيوني فشلت في تحقيق مبتغاها وهو تغيير بعض الايقونات في المنطقة بهدف تبديل الظروف والواقع, وان هذا يعني ان الفكرة الصهيونية بدأت تزول, وهذا يدفع الاسرائيليين لشن بعض الهجمات والقيام بمغامرات بهدف تغيير الواقع وان الضربة الاسرائيلية الاخيرة لمواقع سورية تدخل في هذا الاطار. وعن الموقف في سوريا.. اوضح الرئيس الايراني ان السبيل الوحيد للخروج من المأزق السوري هو العمل عبر الوفاق الوطني ثم التوجه نحو انتخابات حرة مع نبذ فكرة الحرب خاصة وان الحرب قد تأتي بحل قريب ولكنه لن يكون نهائيا أو انسانيا أو مستقرا. وقال: القضايا الانسانية ليست لها حلول عسكرية, وانه من حسن الحظ في سوريا حاليا أن الأمور بين الطرفين المعارضة والحكومة إلي تكريس فكرة الحوار والحديث سويا. تحالف ثلاثي ومن جانبه قال الكاتب الصحفي فهمي هويدي بأن التحالف بين مصر وايران ضرورة استراتيجية وان منطقة الشرق الاوسط بدون التعاون بين مصر وايران وتركيا لن تتقدم, ولهذا تعمل القوي الدولية وتصر علي اضعاف العلاقات بين الدول الثلاث التي توصف بأنها مثلث القوي في المنطقة. واشار قائلا: هناك حرص شديد من جانب اطراف دولية علي الا تكون هناك علاقات ايجابية بين مصر وايران, لانها ترفض قيام مثل تلك العلاقات واستطرد:ينبغي توسيع نطاق التعاون الثقافي والاقتصادي بين البلدين وتطهير الذاكرة لان هناك من يحاول تعبئة تلك الذاكرة في اوساط النخبة والاعلام ضد ايران. واستدرك فهمي هويدي قائلا: اعتقد ان في مصر قطاعات عريضة تحمل مشاعر ود وتقدير لايران وشعبها والثورة الايرانية, وان الموقف بعد الثورة اصبح اكثر دفئا مقارنة بالسابق, وان المشاعر اختلفت لنتمني معها ان تترجم تلك المشاعر إلي تبادل المصالح في وقت قريب لم تكن تلك الامنية لفهمي هويدي امرا مسلما به, لانه عاد وقال إن امامنا رحلة طويلة ليست قريبة واختتم هويدي تعقيبه بنبوءة ارتأي فيها زعما ازعم ان عودة العلاقات الدبلوماسية المصرية الايرانية ستكون البداية الحقيقية لاستقلال القرار السياسي المصري.