هز اغتيال الإعلامي التونسي شكري بلعيد أرجاء الوطن العربي كله وليس تونس وحدها, ولئن شيعه في تونس1.4 مليون شخص, فأتصور أن عشرات الملايين في دول الربيع العربي علي وجه الخصوص بكته من قلبها, ليس لأنه كان رحمه الله ناشطا يساريا بارزا, ولكن لأنه كان أحد الأصوات المعارضة الشريفة الذي راح وقودا للثورة بلا ثمن ومن دون ذنب إلا حرصه علي المصلحة القومية لبلاده. ولأن اغتياله بهذه الصورة أيقظ الفتنة من جديد في تونس وفتح بابا لن يغلق بسهولة للجدل السوفسطائي الدائري الذي لا يوصل إلي أي نتيجة. فقد عادت الاشتباكات من جديد بين المتظاهرين والشرطة, وعادت عمليات التخريب والتدمير والسرقة من جانب مجهولين, وعادت الفوضي, وعاد معها جو الريبة والشك بين الشعب التونسي وحكومة النهضة وانهالت الاتهامات عليها بالضلوع في اغتياله. ورغم إعلان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الحداد العام في البلاد إلا أن المتظاهرين الغاضبين وصفوه بالمجرم والقاتل, نظرا لأن أحدا حتي الآن لم يعلن مسئوليته عن الاغتيال الغادر. المشهد العام يوحي بأن أصابع خفية وراء الحادث, فليس من مصلحة الحكومة قتل بلعيد وتأجيج حالة السخط في الشارع التونسي لا سيما وأن الشهيد وفقا لمحللين سياسيين لم يكن يحظي بتأييد واسع علي الصعيد السياسي, والاغتيال بهذه الصورة لأحد رموز العمل الوطني يفتح الباب علي مصراعيه لحوادث أخري أكثر إيلاما ولن تكون في صالح كل التوانسة. ملايين الشعب التونسي التي خرجت وراء الشهيد بلعيد تؤكد أن الشعب يريد الأمن والأمان لكل أفراده سواء كانوا مسئولين في الحكومة أو معارضين أو مواطنين عاديين, ويعلمون أن هذا الحادث الجبان قد يؤدي إلي إراقة أنهار من الدماء والأشلاء في صراع دموي الكل في غني عنه ولن يستفيد من ورائه غير أعدائهم. وأتصور شخصيا أن الحكومة التونسية أحرص علي سلامة مواطنيها أكثر من أي طرف آخر بحكم توليها مسئولية الحكم, وهي في غني عن التورط في حادث بمثل هذه البشاعة لأن مردوده لن يأتي إلا بالوبال عليها قبل أي طرف آخر في اللعبة السياسية الدائرة في هذا البلد الذي قاد مسيرة الثورة في الوطن العربي والتحول إلي الديمقراطية. فلتبحث الحكومة عن القاتل الحقيقي بكل السبل والوسائل وليساعدها الشعب التونسي الشقيق المتحضر في بحثها بشيء من الثقة قبل أن تغرق البلاد في فتنة قد تكلف الشعب كله دماء غزيرة. [email protected]