تعتبر الوظيفة التوزيعية إحدي وظائف الموازنة العامة للدولة بجانب وظيفة تخصيص الموارد لإنتاج السلع والخدمات ووظيفة الاستقرار الاقتصادي. ويقصد بالوظيفة التوزيعية إعادة توزيع الدخل الكلي بما يحقق العدالة الاجتماعية, أي إعادة توزيع الدخل لصالح أصحاب الدخول المنخفضة والفئات الأكثر فقرا والمناطق المحرومة من الخدمات العامة. وتستخدم الضرائب التصاعدية كأداة لتحقيق أهداف الوظيفة التوزيعية للموازنة العامة في مجال العدالة الاجتماعية, ولكي تحقق الضرائب التصاعدية أغراضها في مجال العدالة الاجتماعية يجب أن تتسم بخصائص معينة من حيث هيكل الضريبة وأوجه استخدامها. فمن حيث الهيكل يجب أن يمنح الحد الأدني للأجور الاعفاء الكامل من ضريبة الدخل, ثم تبدأ الضريبة بنسب صغيرة وتزداد تدريجيا مع زيادة الدخل حتي تستوعب كل مستويات الدخل داخل المجتمع. ويقصد بذلك أن تقسم الدخول الي شرائح وتفرض ضريبة متزايدة في معدلها مع زيادة الدخل. وهنا يجب أن تتسع الشرائح الدنيا من الدخل حتي تضم عددا كبيرا من أصحاب الدخول المنخفضة, وأن تضيق الشرائح العليا من الدخل حتي تحقق الضريبة أكبر قدر من العدالة الاجتماعية. أما من حيث أوجه الاستخدام فيجب أن توجه حصيلة الضرائب التصاعدية لتمويل المشروعات العامة التي تخلق فرص عمل جديدة للشباب وتوفر البنية التحتية الأساسية للمشروعات الاستثمارية التي تخلق بدورها فرص عمل جديدة. كذلك يجب أن توجه حصيلة الضرائب التصاعدية لتقدم خدمة تعليمية وصحية مجانية ومساكن منخفضة التكاليف ومواصلات عامة رخيصة لأصحاب الدخول المنخفضة والفئات الفقيرة وأصحاب المعاشات. ومن قبيل تحقيق العدالة الاجتماعية أيضا أن تستخدم حصيلة الضرائب التصاعدية في إعانة بطالة للعاطلين وزيادة المعاشات وتسهيلات ائتمانية مدعمة التكلفة لأصحاب الدخول المنخفضة بالإضافة الي الدعم الموجه الي السلع الضرورية ذات الأهمية للفئات الفقيرة. لذلك فإنه كلما نجحت السياسة الاقتصادية في توجيه حصيلة الضرائب التصاعدية نحو هذه الاستخدامات كلما زادت كفاءة هذه السياسة في تحقيق العدالة الاجتماعية وزاد بالتالي نصيب السلام الاجتماعي داخل المجتمع. وبمناسبة اتجاه الإدارة الحكومية ممثلة في وزارة المالية في هذه الأيام نحو إعداد مشروع لإدخال تعديلات ضريبية علي هيكل الضريبة الحالي فقد لاحظت أن حد الإعفاء وهو تسعة آلاف جنيه للموظف العام وخمسة آلاف جنيه لباقي الأفراد وهو حد يفرق بين أفراد المجتمع ويقل في الوقت نفسه عن الحد الأدني للأجر. كما تأتي الشرائح المطبق عليها الضريبة ضيقة في المستويات الدنيا من الدخل وواسعة في المستويات العليا من الدخل حيث من9000 جنيه حتي20 ألفا تفرض10% ومن20 الي40 الفا تفرض15% ضريبة وأكثر بعد40 ألفا حتي مليون تفرض20% ومن مليون الي10 ملايين تفرض22% ثم أكثر من10 ملايين تفرض25% كما أن الحد الأقصي للضريبة وهو25% يعتبر متدنيا قياسا الي الحدود المعمول بها في دول كثيرة من العالم حيث يصل هذا الحد الأقصي الي40% في اليابان والولايات المتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة ويبلغ53% في ألمانيا و54% في فرنسا. ويلاحظ أن التعديلات الواردة في مشروع الحكومة لم تتم بناء علي دراسات لجهات بحوث متخصصة تتولي بحث هذه التعديلات في ضوء مستويات الدخول وتوزيعها ومستويات القوة الشرائية ومستويات الفقر والحد الأدني للدخل لذلك وفي ضوء ماتقدم أقترح أن تقوم الحكومة ممثلة في وزارة المالية بتكليف بعض الجهات البحثية لدراسة هذه التعديلات واقتراح الهيكل المناسب لضريبة الدخل حتي تأتي موافقة للواقع ومتسقة مع الأهداف الأساسية للسياسة الاقتصادية والوظيفة الرئيسية للضرائب التصاعدية. وهنا أري أن يكون من بين المقترحات التي يمكن دراستها إعفاء الحد الأدني للأجر وتوسيع الشرائح الدنيا من الدخل الخاضعة للضريبة وتضييق الشرائح العليا للدخل وزيادة الحد الأقصي للضريبة تمشيا مع دول كثيرة في العالم. إن مايجب أن نسعي اليه هو حصول الفئات الفقيرة وأصحاب الدخول المنخفضة وأصحاب المعاشات علي نصيب عادل من ناتج التنمية. ليس بالنمو الاقتصادي المرتفع وحده يتحقق العدل الاجتماعي, فقد اثبت التاريخ أن الظلم الاجتماعي هو ألد أعداء الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي وأنه لاسبيل الي بلوغ الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي إلا يإقامة العدل الاجتماعي. رابط دائم :