إذا كان الإنسان بوصفه الكائن الحي البشري الذي يحرص علي نفسه ويسعي الي كل مايحقق لها الاستمرار السعيد والتوجه السليم فهو أشد حرصا علي كينونته مهما عصفت به رياح الحاجة ودفعته المطالب بإلحاحها وضغوطها, فهو في أشد أنواع الظروف الضاغطة آذا كان يقيم في أكواخ, ويتدثر بثوب مهلهل إلا أنه أكثر حرصا علي كينونته وهو دائما أشد غيرة علي روحه أيضا. والأنسان بوصفه الموجود البشري أعطيت له حرية الاختيار والقدرة العليا علي التنظيم والتنفيذ, ومن هنا أعطيت له( اللغة) والتي تعتبر أشد المقتنيات خطرا, فهو يستطيع من خلالها أن يحقق الوصال, وأن يبني وأن يهدم, وأن يظهر وأن يختفي... ومن خلال نسيج اللغة تتكون علاقاته فينسج أيضا علي منوال المودة حبا عظيما, أو قد يحول النظر الي المنوال الآخر فنراه يغزل بدافع الكره كل مايؤدي الي الفرقة وينشر الأحقاد المحطمة للنسيج البشري وتعد اللغة كمسار وجداني من أهم مقتنيات الانسان, ولعل هذا يحدد أيضا بعضا من قيمة الانسان, فهو قد ميزه الله سبحانه وتعالي بالنطق والوعي والادراك والتمييز والفهم المبني علي فطرته الطيبة فاذا تكلم فهو يعبر بمعني ما من المعاني وبشكل مامن الأشكال عن خبرته وثقافته وفرحه وألمه, وقيمه وتطلعاته....ويتضح من كل هذه المواقف التعبيرية ذلك( الأسلوب) فيفصح من خلاله عن الحضن الاجتماعي الذي قام علي تربيته في مرحلة التنشئة الاجتماعية أوما يعبر عنها بلغة علم النفس الاجتماعي( عملية التطبيع الاجتماعي) والكلام عن اللغة لايعدو أن يكون إلا ذلك الحوار الذي يتم بين الانسان وأخيه الانسان وهو ذلك الحوار الذي يقتضي أن يكون الوصال بين الانسان وزميله في الانسانية علي درجة عالية من الفهم الواعي والادراك وان تكون الحساسية الخلقية بمثابة الدرع الواقي الذي يجعل الانسان في صورته المحترمة أمام الآخر, ويدفع بالآخر الي أن يتبادل معه أطراف الحديث من خلال حواره الذي يسوده الود والاحترام المتبادل والتقدير الواعي بمقدرات الانسان واذا سألنا أنفسنا عن كيف يتم ذلك الاحترام وهذا التقدير بين الانسان والآخر؟ فقد تكون الاجابة: أن الكلام وماقد يؤدي اليه من تشكيلات حوارية إذا صح هذا التعبير لايعطي دائما ضمانا علي أنه كلام أصيل أو كلام زائف, ولكن كثيرا ما يبدو الكلام الأصيل في بساطته شبيها بالكلام غير الأصيل. وكثيرا مانري ذلك الكلام الذي يتكرر في مواقف أو يكون محفوظا عن ظهر قلب بحيث يجعل منه التكرار مضغة تلوكها بعض الألسنة فيبدو للمتأمل العابر وكأنه كلام أصيل عميق فيعجب به أصحاب الزخارف اللفظية, ويطرب به أولئك الذين لايعترفون بقيمة المعني الأصيل الذي يعبر عن الوجدان ويحقق الوصال الخلقي بين الانسان والآخر. واذا كانت اللغة في مسارها القيمي الخلقي تجعل الانسان منكشفا فهو يعبر من خلال ألفاظه عن مكامن نفسه ودواخلها, ففي كلمات اللغة ومن خلالها يمكن التعبير عن الغامض أو الشائع أو المتداول. ومن هنا لاتكون اللغة أصيلة الا من حيث هي حوار, فاذا كان مايعنيه المتكلم من اللغة لايعدو ان يكون نسق الكلمات وقواعد تركيب الكلام, فإن الأمر هذا يمثل الجانب الخارجي للغة....ولكن الحوار الذي نعنيه هو الكلام مع الآخرين, فيصبح الكلام هو الوسيط بيننا وبينهم فيجمعنا علي الخير اذا كان لائقا ومتمشيا مع القيم والأصول الخلقية وقد لايحدث هذا الأثر الخلقي فتنسلخ لغة الحوار, ويصبح الكلام بمثابة مبارزة( لفظية) الغلبة فيها لمن يخرج علي قواعد الأدب وماتتطلبه الأخلاق الحميدة من ذوق وحرص وانتقاء للألفاظ, فيهدم من يفعل ذلك قواعد الأدب وماتتطلبه الأخلاق الحميدة من ذوق وحرص وانتقاء للألفاظ اللغة في مسارها الحواري تحتاج الي أن يكون لدينا الصبر والقدرة علي تحمل الاستماع بموضوعية, وأن نجرد أنفسنا ونحن نستمع الي الآخر من الإحساس الذاتي الذي قد يسيطر علينا فنوظف كل الألفاظ والمعاني لمصلحتنا أو تخضعها لعوامل التأويل المسرفة في الذاتية لان القدرة علي الاستماع تحتاج الي أن نتبادل الحديث بمحبة ومودة وعقلانية, فاذا كنت أطلب وأطالب الآخر بأن يسمعني بموضوعية فان من الواجب علي أيضا أن أعطيه نفس الفرصة بحيث نتحاور معا ونتفاهم معا, ونتحد علي كلمة سواء ملؤها عبارات تعبر عن الحق من خلال حوار تستند وحداته علي الوصال السليم,وترتكز أبعاده علي التفاهم المثمر الواعي بين الانسان وزميله في شبكة العلاقات الانسانية وعلينا ونحن نتحاور مع بعضنا البعض أن نراعي الأمور الآتية: 1 لاتحاول اساءة استخدام اللغة واحرص علي البعد الأخلاقي الذي يدعم المحبة والمودة التي تؤلف بين القلوب بعيدا عن الألفاظ الجارحة 2 الحوار الذي يعتمد علي التسلط يجعل الأفراد لايتفاهمون ولايبتكرون أفكارهم المرشدة والموجهة وهنا يظهر الخلاف والاستبداد برأي كل من يتسلط وهو يتحدث لأنه يريد أن يفرض رأيه ويستبد بوجهة نظره ويتوهم سلامتها 3 لاتتصور عندما تتحاور مع الآخر أنك صاحب الرأي السليم وأنه لايجوز أن يقاطعك أحد أو يختلف معك من يحاورك فأنت تري في نفسك أنك صاحب القول الفصل ولا رأي بعدك. 4 لابد وأن يكون كلامك علي مستوي اللياقة ويعبر عن فهم ووعي والأفضل لك أن تسكت...فالسكوت والصمت أفضل من الكلام البذيء 5 كن محبا وأنت تتكلم واستند علي الحجة المنطقية ولاتكتم أمرا ولا تواري وتراوغ فالكلام الصادق هو الذي يفرز الحوار المخلص ويدعمه, فاذا كنت محبا لاتلبث التعبيرات التي تفصح عنها ملامح الوجه أن تعبر عنك ويكون الدمع مدادها عندما تخرج الألفاظ وتداعب همسا أحاسيس المستمع 6 أجعل الحوار مؤديا الي وجهة نظر,واطرحها لكي تخضع للنقد وعليك أن تتقبل هذا النقد اذا كان واعيا وصادقا, ولك الحق ان ترفضه إذا لم يكن الرأي الناقد موضوعيا بعيدا عن الاسراف في الذاتية أو خرج عن القيم السليمة 7 اجعل حوارك مشبعا بالقيم الأخلاقية التي تتمثل في الأمانة والشفافية والصدق وتجنب كل مايخدش أحاسيس الآخر...فالحوار وصال وأخلاق وإنسانية وهكذا يكون ا لحوار....رؤية من الآخر, وتبادل للرأي يدعم أواصر التفاهم والمحبة رابط دائم :