وقد يكون لدي البعض منا مجداف يستعين به, وقد يفقد هذا المعين فيتيه في البحر وتظل تتقاذفه أمواجه حتي يشاء الله له الهداية أو تكون نهايته!! والسؤال لا يزال قائما: كيف يشعر الانسان بسعادته وهو يتأرجح بين مجموعة من العوامل التي تصارعه في زمان له ما له من ضغوط مادية ومطالب حسية؟ وهل يستطيع الانسان أن يتجاوز هذه الأمور المادية وتلك الضغوط الحسية ليرتقي بنفسه من خلال السمو والترفع عن هذه المعطيات المادية؟!! وإذا حاولنا الاجابة عن السؤال المطروح فإننا سوف نجد في هذا الزمان الذي نعيش فيه والدنيا التي تضغط علينا بمطالبها المادية, سوف نري أن ألم العذاب الذي يبتلي به من يعطي لهذه الدنيا الأمان كله, ويسلم نفسه لضغوطها المادية, ويصعر خده خاشعا للثراء الفاحش وما يتعلق به من طموحات لا تواكبها قدرات واقعية وموضوعية. ونحن نلاحظ في هذا الزمان أن التنافس البغيض والمعايرة الكاذبة والصلف المزيف.... فليس هو تنافسا علميا, بل هو تنافس قاتل يقصم ظهر كل من يشتغل بالعلم والحجة الواعية والمنطق السليم, حيث بدأت تظهر علاقات طفيلية لا تعرف من أمور الحياة سوي الحصول علي أكبر المكاسب وأصبح كل واحد يمثل ذئبا مفترسا يقف فاغرا فاه حاد الأسنان... يريد افتراس الآخر!! والغريب في الأمر أن هذا التنافس وما يحمله من عذاب موجود في جميع الشرائح الثرية والقوية, وكذلك أيضا في الشرائح الفقيرة والضعيفة..!! والعاقل من ينتبه الي أن منشأ السعادة لا يتم بما نسمعه من مدح وثناء فهذا يرجع إلي حب النفس البغيض, والذي هو أخطر شراك( ابليس) اللعين, فنحن نميل الي مدح الآخرين لنا حتي اذا صوروا حياتنا العادية وأفعالنا البسيطة علي أنها إنجازات ضخمة وجسدوا حسناتنا المتخيلة بأكبر من حجمها بمئات المرات. ونحن نحب أيضا كمصدر من مصادر سعادتنا أن تكون كل انتقاداتنا عبارة عن مديح لأننا ننزعج من الحديث عن معايبنا لا لأنها ليست حقا, ولكنها تغذي فينا شعورا غريبا من الغبطة والسرور!! ولكن كيف يتصرف الانسان ليحمي نفسه من نفسه أو ليحمي نفسه من غيي هذا الاطراء المفسد للشخصية؟ ولعل الاجابة عن كل هذه الأسئلة تكون!! عندما يلقن الانسان نفسه( عيوبها) ويعلم أن مدح المداحين وإطراء المطربين كثيرا ما يهلك الانسان ويجعله بعيدا عن التهذيب, فالتأثير السييء للثناء الجميل في نفوسنا الملوثة أساس تعاستنا وسر ابتعادنا نحن ضعفاء النفوس عن القبس النوراني الذي يتمثل في الحق جل وعلا. والدليل القاطع الذي يؤكد أن الثناء المسرف في إظهار الآخر بصورة لم يخلق مثلها في البلاد من الممكن أن يؤدي إلي إفساده عندما نري كثيرا من الناس يمدحون من لهم عنده مصلحة, فنراهم في سبيل انجاز مصالحهم يطلقون البخور من حوله ومن خلفه, ويخلعون عليه أوصافا ترتفع الي صفات وأوصاف هو نفسه لايدري من أين جاءت!! وهذا الشخص الممدوح بغير حق والموصوف بأوصاف ترتفع الي أوصاف الأنبياء... تراه إذا وقف انتفضوا واقفين, وإذا ابتسم هزت ضحكاتهم الأرجاء, وإذا عبس علا صراخهم وانهمرت دموعهم, وإذا ترك الكرسي أو انقضت المصلحة المنتظرة لعنوه ونهشوه بألسنتهم وقطعوه إربا إربا.... فهل يعقل هذا؟!! وهل هذا تصرف كريم من الانسان الذي كرمه الله بالعقل والوعي والفكر!! السعادة إذن أن تحرص علي العمل الجاد المخلص وأن تسعي جاهدا في تهذيب القلب وكسر الأقفال التي توصد طرق الرحمة, ورفع الحجب, ولابد وأن نتنبه الي خطورة كبري إذا لم نمحص نداءاتها, وعلينا أن نوظف شبابنا وقوتنا وعزيمتنا في المجاهدة لأن الشيطان والنفس يعدان الانسان بالاصلاح في آخر( أمره) وزمان الشيخوخة وتؤخران التهذيب والتوبة الي الله إلي الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد شجرة قوية في مقابل إرادة ضعيفة لا تقوي علي التهذيب والمقاومة. * والسعادة أيضا تتمثل في التواضع والبعد عن الرياء, ذلك المرض اللعين الذي بدأ يستشري ويدل علي انهيار الشخصية وجبن في الأخلاق, وبعد عن الوضوح وفقر في الشجاعة الأدبية, وهو طريق ملتو يسلكه كل متلون مخادع ليصل بواسطته إلي منفعة ذاتية أو كسب شخصي حتي ولو أهدر إنسانيته وأودي بكرامته وعزته وأنفته. * والسعادة لا تعرف الغرور والصلف فهو قتل للشخصية حيث يجعل الغرور صاحبه بمعزل عن الوسط الاجتماعي فهو يري نفسه كبيرا ويراه الناس صغيرا, وكثيرا ما نسمع عن أولئك الذين يتمتعون( بالكاريزما) ونعني بها حضور الشخصية أو الحضور الطاغي للشخصية وسط الأفراد فهي شخصية جذابة تجذب الآخرين وتؤثر فيهم, وطبيعي أن يحلم أكثر الناس بهذه الكاريزما فهي تنقلهم من صفوف العادي الي صفوف غير العادي. * والسعادة تتمثل في الفكر الناضج الذي يعتمد علي التوصيل الجيد ذلك التوصيل الذي يوجد الوعي الثقافي وهو يتحدد بدوره في قلة قليلة مما لا يجعل للفكر ثمراته المرجوة أو لا يتمكن من تقديم خدماته لأولئك الذين تتقاذفهم أنواء الحياة المادية وأزماتها المتلاحقة في عصر يقترب فيه البشر بتماحيك سلوكية يعفروا بها جباههم أمام عتبة الزخم( التكنولوجي) الرهيب. * والسعادة تتمثل في الصديق الوفي فهو مفتاح السعادة حيث تساعد الصداقة علي اجتياز العقبات التي تواجه الانسان الفرد في حياته, ولن يستطيع الانسان الفرد أن يحقق ذاته بمعزل عن شبكة العلاقات الاجتماعية التي نسيجها يتكون من الأصدقاء, فهم أولئك الذين يقدمون له العون ويساعدونه في حل مشكلاته والصداقة لا تتولد عفوية ولكنها تحتاج إلي جهاد وكفاح وانتقاء! علي اعتبار أن الوصال الحميم بين الانسان والآخر لا يمكن أن يهبط عليه في لحظة مفاجئة, بل لابد وأن يسعي الانسان الفرد الي كسب الصداقة شأنه شأن المحب الذي يحرص علي أن يشتغل وجدانه وخبراته دائما بسيرة المحبوب فيتجه إليه حبا وشوقا وأملا!! والواقع أن الصداقة عنصر مهم من عناصر السعادة ففيها يؤلف الصديق لصديقه ذوقه الرفيع وفكره المتوقد, وقلبه الصافي, وضميره الحي, فالصديق يمثل لصديقه كنزا ثمينا, ومن هنا كان الانتقاء من الأمور الضرورية في تدعيم الصداقة حتي لا يختلط علينا الأمر بحيث لا نستطيع أن نميز بين الياقوت والحصي. وهكذا تكون السعادة... فيا عزيزي متي تفهم سعادتك؟!!