صرخت الأم بشدة في ابنتها محذرة ألا تأكل رغيفها بالكامل وتترك جزءا لباقي اخوتها التسعة, كما أوصتها من قبل مر الصراخ في اذن الصغيرة كالصاروخ المدوي وشعرت بوخزة في صدرها واحساس كبير بالظلم يكتفها لان نصيبها منذ البداية لم يكن رغيفا كاملا وانما من بواقي طعام امس ولم نفكر الصغيرة كثيرا انصاعت للامر تركت الخبز سريعا واندفعت تنهض مسرعة لتحجز ركنا لمأواها أسفل السرير الكبير قبل ان يقتنصه اي من باقي الأخوة. ولكن الصاروخ انطلق من جديد هادرا في صوت الأم بالامر المباشر ان تنتظر وتقف ولاتتحرك حتي تفرغ اختاها من اكل الفول ليقمن بغسل الطبق الأثير والمعلقة ويرفعا الطبلية ويكنسن الأرض قبل ذهابهن للنوم. وانتظرت الفتيات حتي يفرغ الصبيان أخوتهم من مسح الطبق باللقيمات ونفذت ما أمرن به واتجه كل منهن إلي أسفل السرير ذي الأرجل العالية تبحث عن ركن تستتر به نائمة محشورة بين باقي الأخوة حتي الصباح, وكانت الصغيرة كل ليلة تتذكر والدها الذي كرر مرارا قبيل سفره إلي الخارج اضطراره للذهاب خلف لقمة العيش والذي لم تره منذ سنوات, وتفتقد حنانه هكذا كانت تهاني تعيش منذ الصغر تشرب المر والعوز لاتملك حق الاعتراض تتمني أن تقطع الفقر لتخرج من شرنقته الضيقة..وباتخاذ الصبر رداء كبرت تهاني حتي ساقته الأقدار إلي التعليم الثانوي. وفي ليلة لن تنسي دوت الزغاريد في افاق شارعها بمدينتها بقرية شارونه بمغاغة في محافظة المنيا, تعلن خطبتها إلي ابن الخالة محمود الذي استقبلت خبر تقدمه إليها بيديها وكأنه طوق نجاة ينتشلها مما تعيش فيه واقنعت نفسها ان قريبها سيصونها مهما جارت بهما الأيام, وأقنعها محمود بترك تعليمها لتقف بجواره في سفره إلي السعودية ليباشر عمله في ورشة تصنيع الأدوات الرياضية. وهبطت تهاني أرضا غير أرضها وشعرت بانقباض سرعان ما ازاله سريعا محمود والذي وعدها بأن كل أحلامها قد حققت بالفعل وستشهد أياما من السعادة لن تجد وقتا لترويها..ومر شهر العسل سريعا وعرفت العروس معني السهر في انتظار الزوج وعرفت تهاني كيف تعد الدقائق والساعات حتي الصباح كل ليلة في انتظار ابن الخالة وانتابها احساس بالوحدة وقفز فوق رأسها السؤال المؤلم إلي من تذهب إذا حدث لها مكروه وفمن تسأل عن زوجها ليالي فوق ليال لم تعرف تهاني كيف تحملها وتغيرت كلمات محمود وعادت إلي ذاكرة اذنيتها دوي صواريخ صوت أمها أيام سكنها في الحجرة مع قبيلتها أخوتها التسعة, وشعرت بناقوس الخطر يدق بشدة ولم يكن فوق رأسها هذه المرة ولكن أحشائها تحركت معلنة استئذان قدوم المولود الأول علي يتطلب ذلك السهر من أجلكم رد محمود الدائم غرقت تهاني من بحر الدموع تسقي عينيها حتي تفيض كل ليلة دون جدوي, وحاصرتها الذكريات ذات ليلة طال انتظار محمود حتي الساعات الاولي من الصباح, لم تتغير حياة تهاني سوي بانجاب اربع بنات وازدادت معاملة محمود سوادا وعرفت تهاني معني الهجر لشهور, وكانت تعض شفتيها كلما تذكرت حثها لزوجها وتشجيعها له علي العمل حتي يتمكنوا من العودة. وفي احدي الليالي مزق قلبها بكاء بنتيها الصغيرتين يشكين الجوع فتشت الأم في مطبخها عما يسد الرمق حتي يعود الزوج الغائب. ولكن يبدو أن الليلة لايكفي برودتها القارصة ولكن الأبواب أغلقت في وجهها لم تجد تهاني أي من التموين المخزن أو البقوليات كما تعودت وفتشت للمرة العشرين عن نقود فلم تجد, ووجدت تهاني قدميها تحملانها إلي المتجر الكبير تستعطف الموظف الجالس علي الخزينة ان يجود علي من تبكي طفلتيها بمسكنها في انتظار عودة الأم بالزاد نظرات التشكيك والفحص من أعلي رأسها حتي حذائها قطعتها ورمتها للكلاب عشر مرات ابتلعتها تهاني وبلعت اتهام التسول والسباب والامتناع عن الكذب, ولكن قدميها لم تتحركا من يحملها خارج المكان لايعرفها ولكنه ينفذ امرا صدر إليه واجب النفاذ ولكن فرج الله قريب في مسئول الفرع الذي رمق عيني تهاني بدقة, المختفية خلف الدموع انتهي الموقف وتدفأت يد تهاني بدفنها في يد حقيبة مليئة بغذاء الأطفال المحبوب, وبعض العصائر والمربات, نامت البنات ولم تنم تهاني أكلن ولم تذق طعاما كان ملح دموعها يملأ فمها بالرغم من استضحاكها في وجهة فلذات الأكباد. في الصباح أوصت كبيرة اخواتها من بناتها ألا تفتح الباب لغيرها أيا ما كان الأمر, وشدت انفاسها ونقلت قدميها وكأنها مليئة بأجولة رمال, واستودعت البنات عند الله وبعد فترة كان موظف استقبال مكتب الخادمات يتفحصها طالبا أوراق هويتها, وهي ترتعد محاولة إفهامه ان اوراقها مع زوجها الغائب ولكن الصخر سكن في عقل الموظف الصغير وبعد فترة من التوسل ظهر كبير الموظفين المسن وهو يدس في يدها نقودا ويوصي الموظف ان يرأف بها وهو يخفي دموعا ابت إلا أن تفوا شية بحنانه الكبير. وبدأت الخادمة تهاني عملها حتي نسد رمق البنات وبدأت عيوب المهنة وامراض الرجال تطفو علي سطح تعاملاتها وعرفت تهاني معني نظرات تحمل رسائل واضحة واستباحة كيان خادمة في بيت تعرق فيه ووجهها إلي الارض ترفع ماعفت عنه أيدي الاغنياء, وبعد فترة شعرت انها تموت ببطء فاستغاثت بمحمود الزوج النائم خارج الزمان لايستيقظ. ألحت تهاني في اتصالها الهاتفي انها لم تعد تهاني ام بناتها المحبوسة في انتظاره وانها خادمة تتعرض للطامعين من قبل أصحاب المنازل وتضطر للمبيت وترك بناتها خاصة الكبيرة التي وصلت إلي مرحلة النضج وتخشي عليها ان تتعرض لما اصابها من مضايقات الطامعين وهي أحوج ما تكون إليه. وفي اليوم التالي عاد محمود تسبقه رائحة خمر تفوح منه تسكر الناظر إليه فعاتبته تهاني فكان الضرب واللكمات اللغة والرسالة من محمود لزوجته وأقسم أنه لن ينفق مليما عليها ثانية أو بناتها وبلعت الزوجة دمائها في فمها ودعت الله ألا تسقط أسنانها كما سقطت كرامتها, ولم ينته عذابها عاد محمود في اليوم التالي بصحبته ندمائه للسهر في منزله وارتجت زجاجات الخمور في الكراتين ووضعت ارضا وبدأت صفحة سوداء جديدة في حياة تهاني وتوالت السهرات وانضمت الشيشة إليهم يتبادلون دخانها في مودة وشوق, وفي احدي السهرات طلب محمود ان تخدم ابنته الكبري ندماءه وتفتح زجاجات الخمور لهم ولكن الفتاة رفضت فكان نصيبها تحطيم باب غرفتها وسحلها امام الجميع, وبالطبع نال تهاني نصيبها من النكبة, فكان قرارها بالعودة إلي شارونه بمغاغة بعد عطف سيدة أعمال عليها تكفلها لزوم سفرها مع بناتها ولم تدم فرحتها عندما رأت والدها حنينها القديم المفقود الذي القي بالقنبلة في وجهها بإلحاحه عليها بالعودة لزوجها ورفض مساعدتها فلجأت إلي محكمة الأسرة تلتمس الخلع, ومازالت أوراقها تتقلب بين أيد الموظفين.