ليس هناك حديث سوي الاقتصاد والذي بات علي لسان كل إنسان أيا يكن مستواه العلمي ووضعه الاجتماعي بداية من الخبراء ورجال الاقتصاد والوزراء ورجال الدولة مرورا بكافة فئات وشرائح المجتمع وصولا إلي رجل الشارع العادي والبسيط.. ولا يوجد سوي سؤال واحد قد أصابهم بحالة من الهلع والفزع وهو الذي يدور حول إفلاس مصر فهل يمكن ان تفلس مصر وتعلن افلاسها ولايجد الشعب المصري لقمة العيش او ما يقوت به يومه؟ ام ان الدول لا تفلس كما يري العديد من الاقتصاديين وبالقطع نحن امام موقف او وضع اقتصادي حرج يعلم به البعيد والقريب وازمة تقترب بنا من حافة الهاوية ليس السبب فيها الحكومة الحالية او الحكومات التي سبقتها بعد الثورة ولكنها ازمة تراكمية اي تمتد من فترة ما قبل الثورة في ظل ذلك النظام الاقتصادي الذي تم تكريسه بكل أنشطته ليعمل لصالح رجال الاعمال والذي كان يحقق عائدا اقتصاديا ومعدل نمو معقولا, ولكن للأسف لم يكن يشعر ويحس به المواطن العادي او مما اعتدنا ان نطلق عليهم محدودي الدخل من الذين لا يحصلون إلا علي الفتات الذين تتم المتاجرة بهم ويحتلون العناوين الرئيسية في الصحف والخطب والتصريحات للحكومات السابقة قبل الثورة وكيف ان المواطن المصري محدود الدخل كان يعاني اشد المعاناة في الحصول علي احتياجاته اليومية من السلع والخدمات المدعومة وكيف ان الدعم كان يذهب لمن لايستحقونه أي إلي جيوب الأغنياء ومع ذلك لم تكف التصريحات علي ان الميزانيات والموازنات التي تضعها الدولة إنما هي تنحاز للفقراء ومحدودي الدخل وأنه لا مساس بالدعم ولكن الواقع قد كان له قول آخر إذ تراه يعاني من النقص الحاد في هذه السلع والخدمات وارتفاع اسعارها علي نحو كبير يجعله يحترق ويتلظي بنيرانها وهو يحاول المواءمة ما بين ما يحتاجه من سلع وخدمات ضرورية وبين ما يملكه من قوة شرائية تضرب فيها عوامل النحر ومن ثم فهو يقوم بالاستغناء عن جزء كبير من احتياجاته من السلع والخدمات ويحاول التضحية بتلك السلع التي يمكن ان تتسم بالمرونة اي يمكن الاستغناء عنها ولكن لا يستطيع الاستغناء عن السلع غير المرنة كالأدوية مثلا أو رغيف الخبز لم يكن هناك توزيع عادل لعوائد التنمية في ظل النظام السابق ما بين قطاعات الشعب وقد تركزت في يد فئة محدودة تقع علي قمة الهرم الاجتماعي والاقتصادي اي ان الثروة كانت قبل ثورة يوليو مركزة في يد الاقطاع ولكنها بعد الثورة وقبل ثورة يناير تركزت في يد رجال الاعمال المهم انه كان هناك تركيز للثروة وعدم عدالة في توزيعها وهو الذي أدي إلي قيام الثورة ولكن ماذا عن الوضع الآن في مصر وذلك الحديث حول الأزمة الاقتصادية والإفلاس وايضا ما يطلق عليه بثورة الجياع وهل هي قادمة ام انه مجرد كلام المرجعية هنا لابد وان تكون للتاريخ بمعني هل الشعوب تمر بمجاعات وازمات اقتصادية جادة مثل تلك التي تهدد مصر الان كما انها تتحدد أيضا بالمرجعية الاقتصادية بمعني التحليل الاقتصادي للوضع وتجارب الدول في السابق التي مرت بمثل هذه الظروف اولها ظروف مشابهة لما مرت به مصر وتمر الان وكيف ان الاطلاق في الاحكام الاقتصادية شيء غير مرغوب فيه ويجافي الحقيقة ولا يتسم بالموضوعية لأن العلاقة ما بين المتغيرات في علم الاقتصاد هي في معظمها افتراضية وانها لا تستطيع ان تدرك سوي العلاقة ما بين متغيرين فقط وتفترض ان بقية العوامل الاخري سوف تبقي علي ما هي عليه وهو ما لم يحدث في ارض الواقع لذلك فإن الذين يقولون او يحكمون علي نحو مطلق بأن مصر سوف تتعرض للافلاس فذلك امر غير موضوعي رغم بقاء هذه الحقيقة واضحة من الناحية العلمية والمنطقية وبناء علي قراءة الواقع الاقتصادي او المؤشرات الاقتصادية والتي تصبح احتمالا قائما يتأكد يوما تلو الآخر في حالة استمرار العوامل والظروف المحيطة التي ادت اليه كما هي ونقصد بها هنا استمرار ذلك الصراع السياسي ولا نقول الحراك واستمرار تلك المطالب الفئوية التي شملت العديد من القطاعات وكذلك الاضرابات والاعتصامات وتوقف عملية الانتاج طوال عامين وهي التي جعلت الحكومة الان تقع في ذلك المأزق الذي يهدد مصر بالإفلاس وذلك بناء علي تلك القرارات للواقع الاقتصادي المصري والذي تعبر عنه هذه المؤشرات الاقتصادية نحن لا ندعو للتشاؤم وأيضا لا ندعو للتفاؤل المفرط أو الذي يتسم بالسذاجة ولكن ندعو للتفاؤل الحذر والتشاؤم الذي به مسحة من التفاؤل وذلك مرده كما قلنا طبيعة علم الاقتصاد او الحقائق الاقتصادية التي لا يمكن الامساك بها دفعة واحدة بل ان هناك العديد من العوامل او المتغيرات التي تظل خارج دائرة التحليل او خارج المشهد الاقتصادي وقت القيام بالتحليل وهي قد تكون في منطقة الغيبيات كأن يحدث ظرف معين غير متوقع او حتي ازمة في دولة اخري او علي مستوي العالم قد تؤدي الي تعديل مسار ذلك الاقتصاد ويخرج من ازمته هناك العديد من الحقائق في علم الاقتصاد التي تقع وتحدث ولكن قد لا نمتلك تفسيرا لها مثل الدورة الرأسمالية أي الركود والانتكاس وكيف ان كل ركود لابد وان يتبعه انتعاش اقتصادي ولكن تفسير هذه الظاهرة لايزال غامضا لدي علماء الاقتصاد ولم يستطع ان يفسر هذه الظاهرة وكيف ان اقتصاد الدولة يمكن ان يتحسن وان ينتقل من حالة الركود الي الانتعاش لذلك خرج علينا كينز بما يعرف بنظرية اليد الخفيقةhandinvisible وان هذه اليد هي التي تجعل الاقتصاد يصل إلي نقطة التوازن هناك أيضا تلك النظرية التي تري ان هناك عوامل الدفع للامام والخلف وهي التي تقود الي توازن النشاط الاقتصادي.. ولكن مع ذلك فإننا علينا ان نؤكد حقيقة مهمة وهي ان تدخل البشر يعد ضروريا فهو الذي يسرع بسريان مفعول هذه العوامل التي قد لا ندركها أو نعرفها وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الاجراءات وتبني السياسات الاصلاحية مثل محاولة التقليل من عوامل الهدر للموارد الاقتصادية ومحاولة ضرب الاستثمارات الخارجية وايضا ترشيد الاستهلاك وزيادة التركيز علي الانشطة الاقتصادية الانتاجية وتنمية الوعاء الادخازي الداخلي وزيادة القدرة التصديرية التي من شأنها تحقيق التوازن في نظام المدفوعات وايضا توفير العملات الصعبة اللازمة للاستثمارات وزيادة الاحتياطي النقدي الذي يمثل الضمان لأية نظام اقتصادي وهذه الاستثمارات تؤدي الي زيادة الانتاج وتؤدي الي خلق المزيد من فرص العمل وهو ذلك التحدي الذي يواجه حكومة الرئيس مرسي الآن وهو زيادة خلق فرص عمل وأيضا ضخ المزيد من الاستثمارات الداخلية وجذب الاستثمارات الخارجية بمعني خلق وتهيئه ذلك المناخ الذي يمكن أن يدعم القوة التمويلية لمصرFinancialserest والتي تعد التدفقات النقدية الخارجية هي حجر الزاوية فيها أن غياب الأمن وكثرة التطلعات والمطالب الفئوية والصراع السياسي هذه كلها تعد عوامل الطرد للاستثمارات الخارجية والداخلية ايضا وتدفع الي ان يصبح تصنيف مصر الائتماني في اقل الدرجات وهو ما يعني ارتفاع حجم ومخاطر الائتمان فيها وعزوف المستثمرين عنها لقد نفذ الاحتياطي النقدي ووصل الي9 مليارات في صورة سبائك ذهبية ارتفع معدل البطالة لما يزيد علي12% ومعدل التضخم اصبح اكثر من11% وتراجعت السياحة( المصدر الرئيسي للدخل الي33%) او ما يزيد علي ذلك كما ان الاقتراض من صندوق النقد الدولي يتطلب اصلاحات اقتصادية نطاقها السلع المدعومة وهو ما يضع الحكومة إذا ما تم ذلك في مواجهة ريح عاصفة فالاعتماد لابد ان يكون علي الاستثمارات الداخلية والعربية والخليجية مع ترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستقرار وعودة الامن حتي لا نواجه شبح الافلاس والمجاعة.