جلست أشاهد الحوار التالي بين رجل أعمال عربي ضيف احدي القنوات العربية والمذيعة المصرية: رجل الأعمال: مصر بعد الثورة هي أحد أفضل الوجهات العقارية في العالم. المذيعة: في استنكار كيف تقول هذا والبلد واقفة ومحاكمة رجال الأعمال تدفع المستثمرين للفرار من مصر. الضيف: المستثمر الجاد وليس النصاب أو الانتهازي الذي يعيش علي الفساد لن يخاف بل علي العكس سيتشجع. المذيعة: إن كبار المستثمرين أمثال(....) سوف يسحبون استثماراتهم. الضيف: ربما تصرفت الحكومة تحت ضغط الشارع في قضية هذا المستثمر أو غيره وهو وضع يمكن تفهمه لكن من يبحثون عن الربح لن يمنعهم موقف كهذا من اقتناص فرص الربح. هذا الحوار يوضح ما نراه في مصر, وجهة نظر ايجابية بناءة تعتمد علي المنطق والتحليل, وواحدة عاطفية متسرعة تعتمد علي ترديد ونقل ما يقال رجل الأعمال يمثل العالم الخارجي يري أن الثورة وفرت لمصر فرصا تنافسية جديدة والمذيعة تتنبأ برحيل رجال الأعمال وانهيار الاقتصاد وتعكس وجهه نظر أشاعها فلول النظام. قبل البدء في البحث في الايجابيات وفرص الاقتصاد المصري بعد الثورة نراجع مكونات اقتصاد الدول في عصر العولمة في عالم يعيش كقرية صغيرة بمواصفات اقتصادية يطلق عليها بيئة الأعمال تختلف من بلد لآخر, وتحكمها مئات الاتفاقيات والقواعد, للقرية مقومات مادية وبشرية, وسياسات اقتصادية واجتماعية, تسمح بأفضل فرص لرقي المجتمع في إطار المتغيرات المحلية والدولية, هذه الخلطة من القواعد والسياسات هي التي تقوم الدولة بوضعها وتقوم المجالس التشريعية والرقابية بسن التشريعات ومتابعة تنفيذها فإذا تصورنا أن مصر قبل الثورة كانت تعاني من تعطل جميع هذه الآليات وخراب بيئة الأعمال بدءا من: 1 غياب الرؤية الاقتصادية التي تحدد نوعية وطبيعة الأهداف الاقتصادية التي تستحقها دولة تمتلك ما تمتلكه مصر من موارد بشرية ومادية 2 تلاشي الوزن السياسي لمصر أدي لانسحابها من الأسواق التي سيطرت عليها في العقود السابقة وأضعف فرصها في فتح أسواق جديدة. 3 تهميش أجهزة التخطيط الاقتصادي والاجتماعي أضاع فرصا تنموية كبيرة واهدر الموارد في مشروعات غير مجدية. 4 شلل الأجهزة التشريعية والرقابية لسيطرة الحزب الوطني المنحل وتغيبها عن دورها في الرقابة وتطوير القوانين الحاكمة لبيئة الأعمال. 5 تفشي الفساد بكل أشكاله من اقتصادي وإداري وسياسي وبروز مراكز قوي للاحتكار وفساد الأعمال مما شوه سمعة مصر كبيئة جاذبة للاستثمارات. 6 ضعف تنافسية الاقتصاد المصري الذي لم يستكمل عملية التحول من اقتصاد موجه إلي اقتصاد حر, ووقف في منتصف الطريق, واستبدل السيطرة السياسية بسيطرة الاحتكار الحكومي 7 استبعاد وتهميش المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودورها الاقتصادي والتركيز علي طبقة كبار رجال الأعمال الذين أفسدوا القطاعات التي شاركوا فيها. علي الرغم مما سبق فقد استطاع الاقتصاد المصري تحقيق معدلات نمو كبيرة في الخمس سنوات الماضية نتيجة لنمو قطاعات مثل الاتصالات وعوائد قناة السويس والسياحة لكن هذه الزيادة كانت في الغالب دفترية تمت إعادة ضخها في بنود لم يلحظها المواطن محدود الدخل, الذي اكتوي بنار وارتفاع تكاليف الحياة وندرة فرص العمل, وزيادة الفقر والفساد, وتفجرت الثورة بشعار عدالة اجتماعية كدلالة علي شعور عام بان النمو الاقتصادي الدفتري في نهاية عصر المخلوع غيب العدالة الاجتماعية وزاد من الطبقية في المجتمع المصري. كل ما نريد هو أن يتوقف البعض عن التهديد, عن جهل أو عمد بالافلاس وانهيار الاقتصاد فالتمويل الأساسي الذي تعتمد عليه موازنة الدولة يعتمد بالترتيب علي: البترول والغاز, دخل القناة, عوائد المصريين بالخارج, السياحة, الضرائب والجمارك, بالتأكيد الثلاثة مداخيل الأولي ليس لها أي علاقة بالثورة, فتصدير البترول لم يتوقف( فيما عدا الغاز الذي وهبه نظام مبارك لدعم المواطن الإسرائيلي) ولا قناة السويس أغلقت, ولا تحويلات المصريين توقفت, نحن نتكلم عن عوائد السياحة, وهذه بالتأكيد تعرضت لهزة منذ تفجيرات كنيستي الإسكندرية قبل الثورة, ولا ننسي الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام2008 وتأثرت بها الدول الكبري في أوروبا الغربية وأيضا تسونامي الياباني, وهي مصادر السياحة الأكبر لمصر. الاقتصاد المصري يعد للأسف من اقتصاديات الدول الريعية وبالتالي فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية تتحرك في هذا الطابع الريعي وليس الإنتاجي وتوقف عجلة الإنتاج في الكثير من المرافق نتيجة الاعتصامات سوف يؤثر بالطبع لكنه لن يؤدي إلي انهيار الدولة, وعلي الأكثر سوف تقلص من أرباح هذه الشركات. مصر لا تحتاج لوقفة حازمة مع المطالب الفئوية المعطلة للإنتاج في كل موقع كما يدعي البعض, فهذه المطالب هي جزء لا يتجزأ من مطالب الثورة الرئيسية وهو العدالة الاجتماعية والتحذيرات التي أطلقها الخبراء من خطورة استمرار التراجع في موارد النقد الأجنبي ونحن دولة تستورد نحو نصف غذائها من الخارج حق يراد به باطل فتحويلات العملة من الخارج مستمرة وان ضعفت, ولكن نموذج الإنتاج الأصلي لماكينة الاقتصاد المصري هي التي لا تنتج بشكل مزمن ما يكفي من سلع ومنتجات ولا تدر علي الدولة والمواطن ما يكفي مما يستوجب فك واحلال تروس الماكينة وليس مطالبة العامل بان يعمل وهو صامد, وان يتوقف أصحاب المطالب الفئوية وينتظروا الفرج, فجميع هؤلاء من قام بالثورة وأهدافهم هي أهدافها والضغط علي الحكومة لتلبيتها أو حتي الحوار معهم يجب أن يكون هو المستهدف من صراخ وعويل من يخاف علي البلد.