كنت أتمني أن يكون يوم السبت الماضي في الجولة الأولي من الاستفتاء علي مشروع الدستور يوم عرس لمصر كلها خاصة وأنه أول استفتاء علي مشروع دستور دائم يشارك فيه المواطنون بشكل حقيقي ولا يتم تزييف بيانات المصوتين فيه كما كان يحدث بل ذلك كنت أتمني أن يكون هذا يوم عرس يشارك فيه كل المواطنين وهم سعداء بعد أن أنجزت مصر لها دستورا يعبر عن كل طوائف المجتمع ويصون حقوق الأقلية قبل الأكثرية, وأن تكون نسبة التصويت فيه بنعم لا تقل عن70% لأن هذا ليس تصويتا علي ترشيحات لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب أو الشوري أو غيرها, والتي تستلزم ضرورة حصول الفائز علي أكثر من50% من إجمالي الأصوات الصحيحة حتي ولو بصوت واحد, أما الدستور فلابد أن يكون المجتمع متوافقا عليه بنسبة كبيرة لأن وجود هذا التوافق هو الذي سيفعل تنفيذ الدستور بشكل حقيقي والالتزام بتنفيذ مواده وسيزيد من احترام أفراد المجتمع لنصوصه, وسيكون معبرا عن بداية مرحلة استقرار حقيقية في هذا المجتمع الذي يستعد لاستكمال بناء مؤسساته الدستورية وفي مقدمتها مجلس الشعب. لكن ما حدث حتي الآن ينذر بالقلق علي مستقبل مصر التي قد لا تهنأ بالاستقرار حتي ولو تمت الموافقة علي مشروع الدستور بهذه النسبة الضعيفة لأنها ليست معبرة عن إرادة الشعب الحقيقية فمعظم من يقرأون ويكتبون كانوا يرفضون عددا ليس بالقليل من مواد مشروع هذا الدستور يصل عددها إلي15 مادة قد يقول قائل ان هذه النسبة قليلة مقارنة بإجمالي عدد مواد مشروع الدستور لكنني أؤكد أن هذا القول حق يراد به باطل لتبرير استمرار هذا العوار المقصود في مشروع هذا الدستور وهذا خطأ فادح لأن عوار مادة واحدة فقط في أي دستور يمكنه أن يهدم بلدا بكاملها وليس عدة مواد, وأعتقد أن مواد دستور1971 لم يكن به عوار كبير سوي في المادة الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية والمادتين اللتين تكرسان مبدأ التوريث لنجل الرئيس المخلوع, وكانت هاتان المادتان أحد الأسباب الرئيسية لثورة25 يناير2011. كنت أتمني ألا يتسبب مشروع الدستور في تقسيم المجتمع ليس بين مؤيد ومعارض, كما هو موجود في مباديء الديمقراطية, بل تقسيمه إلي فريقين متناحرين ومتصارعين ومتقاتلين كما شاهدنا في الأيام الماضية وأصبحت القضية ليس قضية الدستور في مصر بل قضية مقاومة فصيل يريد أن يستولي علي كل مفاصل السلطة وهو تيار الاسلام السياسي وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين وهي المرجعية الدينية لحزب الحرية والعدالة والذي يمثلهما في رئاسة الدولة الآن د. محمد مرسي, وفصيل يعارض هذا التوجه لأنه يري أن الثورة يتم اختطافها لصالح فصيل واحد وهو جماعة الإخوان المسلمين, وأصبحت مظاهر هذه المعركة في مصر الآن بين هذين التيارين هي عدم تقبل أي فريق للآخر, فالفريق الأول الذي يمثل التيار الحاكم يري أن فريق المعارضة يقوم بتنفيذ مؤامرة قد تصل إلي حد التفكير في قلب نظام الحكم, وأن هذه المعارضة لا تريد تطبيق شرع الله حتي وصل هذا الشقاق إلي حد قيام بعض من ممثلي تيار الاسلام السياسي بلصق تهمة الكفر لبعض نوعيات هذا الفريق المعارض. أما المعارضة فتري أن فريق تيار الاسلام السياسي يريد أن يستمر في اختطاف الثورة ويريد أن يقصي كل التيارات الأخري المناهضة له, ويريد أن يستغل الدين للتأثير علي البسطاء لإقناعهم بأن هذه المعارضة تعارض تطبيق شرع الله وهذا أخطر ما في الصراع بين الطرفين هذان الطرفان اللذان كانا جنبا إلي جنب في ثورة25 يناير لا فرق وقتها بين إخواني أو سلفي أو ليبرالي. لذلك فإنني أري أننا أصبحنا نتجه الآن إلي نفق مظلم خاصة بعد شعور الكثيرين أن الأيام القادمة تحمل كثيرا من الاجراءات التي تغل يد القضاء في ممارسة عمله وتحد من استقلاليته, وتتغول علي سلطات المحكمة الدستورية العليا وعلي السلطة القضائية عموما, وإجراءات أخري تحد من حرية الإعلام وتدخل في صدام مع كل معارض فيه, وإقصاء لكل التيارات المخالفة لتيار الإسلام السياسي, وستزداد هذه المعركة عنفا مع إقتراب انتخابات مجلس الشعب ولا نعرف وقتها هل سيكون هناك إشراف قضائي حقيقي عليها, أم سيتم صنع تخريجة أخري تحول الشك الذي أصبح لدي الكثيرين الآن في إمكانية تزوير الانتخابات إلي حقيقة, ونستمر في الصدام وعدم الاستقرار مع أن المجتمع سيكون أمامه وقتها دستور قالت فيه الأغلبية الضعيفة نعم والتي كانت بطعم لا ومجلس شعب سيكون عليه نفس هذه التحفظات, ولا نعرف ماذا سيخبيء لنا القدر خلال الأيام القليلة القادمة وربنا يستر.