بنفس القدر الذي اكتسبته الانتخابات الأمريكية من أهمية كبري بالنسبة للعالم فإن الانتقال السياسي الجاري حاليا في الصين لا يقل أهمية حيث افتتحت الصين يوم الثامن من نوفمبر مؤتمرها الوطني للحزب الشيوعي الحاكم. ليكون أهم اجتماع سياسي في الصين منذ عام2002 بهدف تغيير القيادة الصينية ثاني اكبر اقتصاد في العالم ساهمت الصين بنحو10% من اجمالي الناتج المحلي العالمي بينما حصدت اكثر من خمس النمو العالمي العام الماضي, وهذا المؤتمر الوطني يعقد بعد كل خمس سنوات ولكن أهمية اجتماع هذه السنة هو انتقال السلطة بعد مضي عشر سنوات حيث من المنتظر أن يخلف كل من نائب الرئيس زي جينبينج ونائب رئيس الوزراء لي كيجيانج الرئيس الحالي هوه جينتاو ورئيس الوزراء وين جيباو في أوائل العام القادم مؤذنا بجيل جديد من القادة الصينيين وتعيين الاول زعيما للحزب الشيوعي الذي نجح الحزب بشكل مبهر في الثلاثة عقود الماضية في التغلب علي الصعاب والعقبات الضخمة, ودفع الصين إلي مكانتها الحالية كأسرع اقتصاديات العالم نموا, حيث بلغ متوسط النمو السنوي10.7% في الفترة بين2003 و2011. ولكن خلافا للانتخابات الأمريكية التي كانت شأنا عاما اختار فيه المواطنون الرئيس الذي سيقودهم لأربع سنوات قادمة بكل وضوح وشفافية, فإن عملية نقل السلطة في الصين تهم فقط الأعضاء التسعة للمكتب السياسي الذين يقررون في نتائجها, هذا بالإضافة إلي ما صاحب اختيار القادة الجدد من تنافس داخلي علي القيادة, حيث أقصي أحد الأعضاء النافذين, بو زيلاي, عن السلطة بعدما وجهت له تهما بالفساد وتورط زوجته في قتل بريطاني, وهي التهم التي قد يثار حولها العديد من الأسئلة. نحن أمام نمط مختلف في عملية الخلافة السياسية, جار العمل به منذ انتهي عهد الرئيس ماو تسي تونج وبدأ عهد الإصلاح الاقتصادي يعتمد هذا النمط مبدأ تغيير الرئاسة كل عشر سنوات وتغيير القيادة, أي الجيل الحاكم, كل عشرين سنة. والزعيم الجديد للصين يعد منذ فترة لهذا المنصب فقد اختير عبر نخبة الحزب الشيوعي الحاكم لينضم إلي اللجنة العامة في الحزب وأصبح نائبا لرئيس اللجنة المركزية للحزب وهي اللجنة التي تشرف علي جيش التحرير الشعبي وأفرعه في عام2007 وبذلك يكون قد حصل علي اعلي المناصب في سنه( تبلغ سنه59 عاما الان) ثم تم تعيينه نائبا للرئيس الصيني ثم وهو الاهم نائبا لرئيس اللجنة المركزية العسكرية للحزب وهو بهذا أضحي موضع رصد دقيق من أجهزة الاعلام وأجهزة المخابرات الغربية للتعرف علي الرجل وعندما اختفي عن الأنظار لمدة قاربت الشهر منذ أسابيع أطلقت مئات التحليلات والتكهنات في وسائل الاعلام الغربية بشان أسباب ومبررات ذلك الإختفاء المفاجئ وعما إذا كان الجناح القديم قد أطاح به ولم يهدأوا الا بعد معادوته الظهور وعبر تلك المؤشرات التي لا تخطئها العين فهو تم علي المسار لخلافة هو جينتاو ليمثل الجيل الخامس للقادة الشيوعيين بعد ماو تسي تونج ودينج شياوبينج وجيانج زيمين وهو جينتاو.. ماو ارتبط في أذهان الناس بمبادراته الثورية وقيادته للثورة الثقافية التي أكسبته هالة من التقدير رغم حجم الجرائم والأهوال التي عاني منها الشعب الصيني خلال تلك المرحلة العصيبة, في حين أن دينج كان مهندس الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها الصين نهاية السبعينيات إثر وصوله إلي السلطة وقيادته التحولات الكبري التي اعتمدت أساسا علي تحرير الاقتصاد الصيني والسماح للشركات الكبري بدخول البلاد في إطار ما سمي ب المناطق الاقتصاديةالخاصة, تلك المناطق التي فتحت أبواب الصين أمام الاستثمار الأجنبي, مستغلة السوق الصينية الضخمة والعمالة الكثيرة والرخيصة, فضلا عن تحفيزات أخري منحتها السلطات الصينية بأمر من دينج للشركات العالمية, فكانت النتيجة مذهلة, بحيث يري المراقبون أن سياسات دينج الاقتصادية كانت أكبر برنامج في تاريخ البشرية للحد من الفقر في مدة لا تتجاوز عقدا من الزمن, فبعد مرور ما يقرب من قرنين علي مقولة نابليون, لم يعد العملاق الصيني نائما بل أضحت الصين عملاقا اقتصاديا هائلا بدليل أن منطقة اليورو بكاملها لجأت اليه طلبا للمساعدة في الخروج من أزمتها الطاحنة, ما يقطع بأنه بات يقوم بدور مصرفي العالم, وليس مصرفي أمريكا فحسب, كما تقول هيلاري كلينتون لكن وضعية مصرفي العالم تجعل الصين معرضة للإفلاس في أي وقت, ما لم يظل الزبائن قادرين علي سداد الديون المستحقة عليهم! والشغل الشاغل للعالم كيف سيحكم بها جين بينج الصين, البعض في الغرب ربما من باب الأمنيات يأمل في زعيم إصلاحي ديمقراطي فالصين تنأي بنفسها دوما عن الديمقراطية الغربية ناعتة إياها بالفوضوية وفي الوقت نفسه كانت تحتفي بما أطلقت عليه المركزية الديمقراطية التي يتم من خلالها تمرير اقتراحات الاعضاء ذوي التراتبية الأقل إلي الاعضاء الأعلي ويعتقد ان الحاكم الجديد المنتظر يفضل الخطوات الجديدة لتعزيز الاصلاحات الاقتصادية القائمة علي السوق لأنه حكم إقليم شيانج المعروف باسلوبه الحر نسبيا للرأسمالية الصغيرة لكن ميوله السياسية مبهمة.