إن قراءة الواقع, واستقراء التاريخ يشيران إلي أن مكونات أي دولة ما تتحاور ثم تتشابك وتتضافر لتكون جسدا سياسيا واحدا, حيال أي خطر يهدد أمنها الداخلي والخارجي, بل وبقاءها, وبتطبيق ذلك علي المشهد المصري نجد أن هذه القاعدة غير متوافرة, إذ تواصل القوي والتيارات السياسية الدوران في حلقة مفرغة من الاتفاق علي عدم الاتفاق, فما هي أسباب تعثر مبادرات المصالحة والحوار الوطني في مصر, وتداعيات ذلك علي المشهد المصري, وسبل الخروج من هذه الدائرة المفرغة؟! برغم اتخاذ العديد من الخطوات الإصلاحية الجادة من جانب القيادة السياسية المصرية حيث إلغاء الإعلان الدستوري المكمل, وإحالة المشير طنطاوي القائد الأعلي السابق للقوات المسلحة, والفريق سامي عنان رئيس الأركان للتقاعد, مع تشكيل حكومة وطنية محددة المهام والمدة, وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية علي أسس مهنية ووطنية, وإعادة تشكيل المجلس الأعلي للصحافة, والمجلس الأعلي لحقوق الإنسان, ونهاية بحركة المحافظين الأولي في عشر محافظات, إلا أن هذه الخطوات علي طريق الإصلاح السياسي, لم تحظ بحالة توافق وطني, سواء من قبل القوي المجتمعية أو السياسية, بدعوي أن تلك الخطوات ما هي إلا محاولة من النظام الحاكم( لأخونة) مؤسسات الدولة بعد قيامه بتعيين بعض رموز وقيادات حزب الحرية والعدالة أو الإخوان المسلمين في بعض المناصب, علاوة علي اشتعال الخلاف بين القضاة والحزب الحاكم حول أزمة النائب العام, وعودته مرة أخري إلي منصبه, والخلاف المحتدم الآن بين القوي المدنية والإسلاميين حول إشكالية الدستور الجديد, والجدل حول أسلمته, واستمرار الخلافات يرغم عقد العديد من الاجتماعات بين القوي السياسية والقيادة السياسية حول العديد من المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل, والاتجار في النساء, وبعض مواد حريات الإعلام والحريات النقابية, ناهيك عن صلاحيات الرئيس, وضبط نظام الحكم الجديد في مصر, مع استمرار إشكالية تكوين الجمعية التأسيسية حتي الآن أمام ساحات القضاء الدستوري والإداري, وأصبح عمدة النقاش في كثير من الأوساط السياسية والثقافية يدور حول كيفية التوصل إلي توافق وطني قائم علي المعارضة المتوازنة, واعتدال النظام الحاكم, وعدم تشدده, والمشاركة المجتمعية. وحتي نصل إلي هذا التوازن والاعتدال لابد من رصد أهم أسباب تعثر حوار المصالحة الوطنية المتمثلة في التخوين وانعدام الثقة المتبادلة أو الإفراط المطلق في الثقة, ووجود إدراك من الجانبين: قوي المعارضة, ومؤسستي الرئاسة والحكومة بأن التوصل إلي تسوية أو اتفاق للمصالحة فيما بينهما يعني القضاء علي إحداهما وإقصائها تماما عن الساحة السياسية, ومن هنا يمكن تفسير إصرار كلتيهما علي التمسك, ليس فقط بالخطوط العامة لمواقفهما, بل أيضا بمواقفهما بخصوص أدق التفاصيل في أي مبادرة يتم تداولها لتحقيق المصالحة علي الساحة المصرية. بالإضافة إلي أن الأجواء العامة بين الجانبين لم تكن أجواء حوار, وإنما أجواء مواجهة, وهو ما يظهر من خلال أزمة الجمعية التأسيسية وإعداد الدستور الجديد, حيث تمسك مؤسستا الرئاسة والحكومة بتشكيل الجمعية التأسيسية الحالي, وهيمنة فكرة الأخونة والمحاصصة والتكويش علي المعارضة, ولاشك أن فشل الحوار الوطني بين مختلف القوي السياسية والمجتمعية سيؤدي إلي اتساع الهوة بين الجانبين ومعاناة البلاد من عدم استقرار سياسي واجتماعي, وفراغ أمني مستمر, خاصة مع استمرار حالة التخوين وعدم الثقة, وكلا المسارين, سواء من جانب قوي المعارضة أو النظام الحاكم, لا تنتج عنهما تجربة ديمقراطية, لأن اتجاههما تقوده المصلحة الشخصية والحزبية, ولا يراعي مصلحة الوطن. وللخروج من المأزق السياسي الحالي في مصر يجب أولا نقد الذات للكشف عن الخطأ وتعزيز الصواب من القرارات وإنضاجه بالمقترحات والآراء لإعمال مفهوم المشاركة المجتمعية, فهذا هو السبيل الأول للخروج بمصرنا الحبيبة الآمن من مرحلتها الانتقالية الحالية, ويسبق هذا استمرار مؤسسات الرئاسة في قراراتها الفعالة لتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية, والعدالة الاجتماعية, علي أن يكون سلاح المعارضة لمواجهة التجاوزات والانتهاكات لأهداف الثورة هو المعارضة السلمية البناءة, وليست الهدامة, فالثقة في وطنية وقدرات النظام الحاكم المنتخب, وسلمية المعارضة وحسن النيات بينهما لهو من أولويات العمل الوطني, والحوار المجتمعي الهادف. هذا علاوة علي إدراك جميع القوي والفصائل أن نجاح المصالحة والحوار الوطني يتطلب ضرورة توافر الإرادة الصادقة لدي أطراف الحوار في إنجاح الحوار والوصول إلي الأهداف النهائية منه, وتغليب المصلحة الوطنية علي المصالح الفئوية النخبوية والحزبية, وضرورة إدراك كلا الجانبين بمخاطر عدم تحقيق المصالحة الوطنية والحوار الوطني, مع اعتمادها لبرامج وخطة عمل لتسهيل وتدعيم الحوار, وإدراك كلاهما أن تحقيق الحوار والمصالحة سيصب في مصلحتهما, ومصلحة الوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, ولتحقيق وحدة الصف المصري, وتحقيق أملها لإقامة برلمان قوي, وحكومة رشيدة, وقيادة حكيمة ترعي الجميع, ومجتمع مدني قوي يشارك في تنمية المجتمع, لأنهم سواعد اليوم, وحكومة ظل المستقبل القريب, وقادة المستقبل البعيد..