لم يعد تخريب المباني التراثية يقتصر الآن علي محافظة واحدة فبعد وقوف نشطاء بمدينة الإسكندرية ضد هدم فيلا شيكوريل وهو مبني تراثي، تواجه الآن المباني التراثية في منطقة بورسعيد والتي شهدت بناء أفضل الطرز المعمارية التي عبرت عن مصر الحديثة نفس المصير بسبب السيطرة رأس المال التي ستحرم المنطقة من تراثها المعماري والثقافي. وقرر عدد من النشطاء والمثقفين والجمعيات في بورسعيد أن يتصدوا لحملات الهدم المنظمة التي تشوه التاريخ المصري الحديث، لذلك سيقام في الخامسة مساء اليوم مؤتمر بعنوان "تراث مصر في القرن التاسع عشر والعشرين. "وعي - حماية - استغلال" بحضور الكاتبة سكينة فؤاد عضو المجلس الاستشاري لرئاسة الجمهورية، ود.عمرو حمزاوي من "مبادرة تراث مصر الجديدة"، الفنان خالد أبوالنجا، د. شكري أسمر مؤسس المبادرة، ود. سهير حواس مدير الدراسات والبحوث بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، د. دليلة الكرداني رئيس لجنة التراث بمحافظة بورسعيد، د. محمد الدسوقي مدرس العمارة بالأكاديمية البحرية بالإسكندرية. وقال الكاتب البورسعيدي قاسم مسعد عليوة "للأهرام المسائي" نفكر في الإعلان عن اطلاق رابطة تراث مصر، لتجمع المصريين الخائفين علي تراثهم المعماري علي مستوي مصر لأن التكتل أفضل من العمل بشكل فردي، كما أننا نطمح في ادراج بورسعيد في قائمة التراث العالمي. وأضاف أن رئيس مجلس الوزراء الأسبق د.عصام شرف قد أصدر القرار رقم 1096 لعام 2001 اعتمد فيه 505 عقار في بورسعيد باعتبارها ذات تراز معين تخضع لقانون 144 لسنة 2006 الخاص بالمباني التراثية، والتي لا يتم التصرف فيها دون الرجوع للجان المختصة، لأنه في عام 2008 كان عدد المباني قد قدر ب 1500 عقار وفقا لجهاز التنسيق الحضاري ثم قدرتهم الإدارة المحلية ب 900 عقار، حتي وصل في النهاية إلي وتلك المباني تتعرض للهدم ويأتوا بلجان مشكوك في أمرها لكي يقروا بهدمها. وأوضح عليوة أقدر ظروف الملاك والمستأجرين، وأن هذه العقارات التي تدر عليهم الملاليم تجلب لهم الملايين بهدمها، ونحن لسنا ضدهم لكننا ضد تجريف الكنز المعماري الفريد في مدن يجب أن يكون لها خطة تنمية، فلابد من تدخل الدولة لرعاية هذة العقارات وتعويض الملاك وتحفيزهم وهذا بإنشاء صندوق في كل محافظة بها معمار تراثي لرعايتها ودعمها وصيانتها وتعويض المستأجرين. وقال المصور الفوتوغرافي والناشط البورسعيدي وليد منتصر أن بورسعيد بها تراث معماري متفرد علي مستوي العالم يعاني الآن من طغيان رأس المال لعدم وجود قانون لحماية تلك المناطق، وعمليات الهدم تحدث دون اي تقدير لقيمتها، وبسبب ذلك فالأجيال الجيدة بتنفصل عن شخصية بورسعيد لأن المعمار هو اهم الفنون التي تمس الانسان حتي عظماء الفن كانوا معماريين ونحن بموقفنا لا نحافظ علي انتيكة بل نحاول اعادة استخدام تلك المباني بإعادته للحياة من جديد ونحاول ان نضغط علي الجهات المسئولة لخدمة التراث والمالك أيضا، لأن القانون يقول ان المباني التراثية لها حق في الترميم والصيانة لكنه لم يحدد من سيقوم بتلك المصاريف، كما أن القانون أكد علي تعوض المالك ولكنه لم يحدد الجهة التي ستقدم التعويض، فالعيب في القانون الذي لا يطبق بشكل كامل. وأضاف أن القضية ثقافية وقومية لأن المباني جزء من التاريخ وتعود إلي 200 سنة من تاريخ مصر يمكن أن نفقدهم. أوضح د. أحمد صدقي خبير التطوير الحضري وصيانة المناطق التاريخية، أن التعديات أساسها ليس له علاقة بالعمران ولكن هناك إدارة عشوائية لا تقف لحماية المباني التراثية غير المسجلة، وبعد انفصال وزارة الأثار ككيان منفصل لا يوجد جهة يمكن اللجوء لها غير وزارة الثقافة لكنها ليست ذات صفة "بلدية"أي أنها غير مسئولة عن القرارات المتعلقة بالعمران لأنها راجعة للمحافظة والأحياء. وقال هناك اعتداء كبير علي مباني بورسعيد وحي شرق بشرائها عبر مقاولين معروفين بالاسم لهم علاقة بجهات سيادية، كما يتحكم هنا رأس المال ، بجانب الفوضي في القوانين، فمثلا يمكن أن يقوم أحد المقاولين بدفع بعض البلطجية للعمل علي إفساد أساسات المباني بمواد حمضية يقع بعدها المبنة فيشتروه، موضحا ان البلاد الأخري تتعامل مع المباني التراثية بشكل مختلف مثل بيروت وتخطيطها التنموي لمنطقة "سوليدير" ، لكن المشكلة لدينا في مصر أننا نتوجة نحو الكم وغائب عنا الكيف هذا مع غياب الدولة التي تضمن الكيف كما أن الفن وقيمة الثقافة عندها ضائعة، وهناك ما هو أخطر هو ضياع الهوية التي من أجلها نحافظ علي هذا التراث. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا نحافظ علي تراث القرن التاسع عشر والعشرين لأن هذا التراث يعبر عن فترة تحول مصر لدولة معاصرة تاخد بأسباب الحداثة خاصة في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولي والثانية، والتي كان بها اقوي مشروع ليبرالي، وإذا قضينا علي هذا المعمار لن نجد إلا كتل خرسانة خارجة عن المنطق ولن يبقي غير أثار الحضارة الفرعونية والرومانية والإسلامية لن يبقي شيء من مصر العصر الحديث ومصر الكزموبوليتانية والتي نبحث عنها الآن.