حسنا تعرضت اللجنة التأسيسية للدستور لوضع اللغة العربية في التعليم في المادة24 من الدستور المقترح وكأنها أرادت أن تضع أيديها علي مكونات النهضة التي لا تقوم إلا إذا استقامت جزئيات المجتمع مع بعضها ومنها اللغة كمكون أساسي للفكر وللثقافة وللعلم. فبتوصيفنا للغة في مختلف المجالات نكون قد تلمسنا الطريق الصحيح للتنمية الذي سارت عليه كل الحضارات قديما وكل الدول التي لها حظ من التنمية حديثا. بل إنه لمن الملاحظ أن الحضارات القديمة جميعها قد عادت بلغتها إلا الحضارة العربية التي يتلعثم أفرادها في نطق لغتهم وكتابتها وكأنهم يريدون أن يلفظوها من حياتهم, بل ولقد لفظها البعض حين قرروا هجرة لغتهم داخل منازلهم ومع المربيات الأجانب داخل بعض المنازل لنستعيض بهن عن دور قيمي للأسرة العربية وياليتنا أسلمناهم إلي أمر أرقي( وهو فرض مستحيل لأنه لا يمكن إيجاد بديل قويم لحضن الأسرة) بل إلي شغالات أوعزهن الفقر لأن يأتين ويعملن عندنا رغم معدلات تنميتنا المتدنية! قضية اللغة تحتاج فعلا إلي وقفة لنعرف إلي أين المسير. في هذا السياق تذكرت قول زعيم فيتنام هوشي منه: اسهروا علي صفاء اللغة الفيتنامية كما تسهرون علي صفاء عيونكم, تجنبوا وبعناد أن تستعملوا كلمة أجنبية, في مكان باستطاعتكم أن تستعملوا فيه كلمة فيتنامية. وكأن الوضع يشبه وضعنا الحالي الذي لم يتغير منذ عقود: نفس الحجج ونفس الحوار ونفس نفس... ولكننا هنا تنقصنا الإرادة التي أتمني أن تأتي! هناك في فيتنام احتج الأطباء بعدم إمكانية تنمة كلية الطب وطلبوا من الرئيس الفيتنامي هوشي منه أن يمهلهم خمسة أعوام لذلك العمل, ورفض الزعيم ذلك الحل المتباطئ, وحسم القضية بقوله: تستطيعون أن تقوموا بالدراسة بشكل متواز, بمعني أن تقوم الدراسة باللغة الفرنسية لغة العلوم آنذاك عندهم, وفي نفس الوقت تتعلمون الفيتنامية, علي أن تجري الامتحانات في نهاية السنة باللغة الفيتنامية, ونجحت التجربة وتخلصت فيتنام من عقدة الخواجة في نهضتها العلمية المعاصرة؟ وماذا كانت النتيجة؟ فيتنام(90 مليون نسمة) التي قاست من أهوال الحرب ما لم نذقه تبلغ نسبة ما تصدره من تقنيات متقدمة إلي إجمالي صادراتها المصنعة تسعة أمثال نسبة مصر! الجانب الآخر من صورة المادة24 المقترحة هو تقليص فعاليتها والتي بدت صياغتها الأولي متواضعة ولكنها تضع بداية الطريق الصحيح بتضمينها قضية التعريب ليحذف منها النص علي تعريب التعليم والذي بدونه سنظل ندور في فلك الدول المتخلفة فلا يوجد استثناء وحيد لدولة واحدة من الدول المتقدمة تدرس بغير لغتها القومية! وهنا أشير إلي بعض الدراسات الحديثة التي تثبت أن التفوق في مدارسنا وجامعاتنا المصرية من نصيب الدارسين باللغة العربية في المرحلة قبل الجامعية والمرحلة الجامعية علي حد سواء. قادني ذلك إلي أن أتساءل هل التقت إرادتنا مع إرادة المحتل الذي فرض إنجليزيته علي مصر فور احتلالها والذي اعتبر العربية لغة أجنبية في الجزائر فور احتلالها؟ وسط هذا كله ترن في أذني كلمات الرئيس جمال عبد الناصر: اللهم امنحنا القوة لكي ندرك أن المهزوزين المترددين لا يصنعون تاريخا ولا يبنون مجدا. آمل ألا يتم التنازل في الدستور الجديد عن وضع اللغة في التعليم والإنتاج والثقافة كحاضنة لمختلف نشاطات المجتمع ومنها تعريب التعليم بلغتنا العربية في مختلف مراحله مع الاهتمام باللغات الأجنبية للتواصل مع العلم الخارجي; وذلك في إطار التوازنات بين قوي لا تبصر وقع أقدامها وقوي لا تري لمصر موقعها الذي تستحقه وقوي تؤمن بريادة مصر علي الطريق الصحيح ولكنها وللأسف أقلية!