أكد د. محمد مجاهد الزيات رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط في أول حوار له بعد توليه المنصب ان البيئة الاقليمية المحيطة بمصر تشهد تفاعلات متواصلة في الاونة الاخيرة.. وان مصر غابت عن الاقليم لسنوات طويلة لتعود اليه بعد ثورة25 يناير, مشيرا إلي مبادرات الرئيس محمد مرسي حتي الان.. سواء من خلال مبادرته فيما يتعلق بالازمة السورية أو التوجه لتطوير العلاقات مع دولتي السودان والحديث عن تعاون مصري ليبي سوداني.. يشير إلي ذلك بوضوح, اضافة إلي زيارته لايران ودعوتها للمشاركة في المبادرة الرباعية بشأن سوريا وهو ما يمثل تغيرا في التعامل المصري مع طهران. وكشف د. الزيات عن وجود ملامح لسياسة خارجية أو لتفاعل مصري مع الاقليم أكثر ايجابية يحتاج للبناء عليه وتطويره بما يتفق مع متطلبات الامن القومي المصري بمفهومه الشامل السياسي والعسكري والاقتصادي, والا يأتي أي تحسن في العلاقات مع اي من دول الاقليم علي حساب العلاقات مع الدول الاقليمية الاخري, بما يبقي مصر مرتكزا لاي تحالفات بعيدا عن الاستقطابات. وحول التحديات الاقليمية وأبرز الملفات التي تهدد الامن القومي المصري وخريطة التحالفات الاقليمية والوضع في سيناء وأثر موجة الافلام والصور المسيئة للاسلام علي اشعال الفتنة في المنطقة العربية كان هذا الحوار.. * ما ابرز التحديات الاقليمية التي تواجه مصر حاليا؟ ** تشهد البيئة الاقليمية المحيطة بمصر تغيرات مهمة جدا اولها ما يتعلق بالازمة السورية حيث تصاعدت المواجهة بين النظام السوري والمعارضة المسلحة في وقت لا تبدو فيه فرصة لحل سياسي لان النظام لا يزال يزعم ان المعارضين له هم عملاء للخارج كما انه غير مقتنع بوجود ثورة ضده, اضافة ان المعارضة في نفس الوقت منقسمة علي نفسها فالمجلس الوطني الذي أنشئ بالخارج بتمويل خارجي لا يهيمن علي المعارضة السياسية, فهناك هيئة التنسيق ومعارضة الداخل التي تضم20 حزبا وحركة سياسية لا ترتبط بها والتي تشهد هي الاخري انقسامات, علاوة علي أن المعارضة العسكرية تشهد انقسامات حادة. * ومما تتكون المعارضة العسكرية؟ ** أولها جيش سوريا الحر الذي تتمركز قيادته في تركيا ويتلقي دعما من تركيا وقطر والسعودية وفرنسا, وثانيها الجيش الوطني المعارض في الداخل وهو علي خلاف مع الجيش الحر وأنشأ مجالس عسكرية في كل محافظة للاشراف علي الفصائل التي تمارس المقاومة المسلحة. وكلا الجيشين لا يملك هيمنة مركزية علي فصائل المعارضة العسكرية وبداخل المعارضة العسكرية تنظيميات جهادية وفدت إلي سوريا من الخارج وهي مجموعات عراقية وليبية ومصرية وخليجية لها أجندات مختلفة. * وإلي من تنتمي العناصر المصرية في سوريا؟ ** هي عناصر مصرية جهادية كانت في أفغانستان وغيرها ترتبط بتنظيم القاعدة. * وهل هناك نقطة التقاء بين كل هذه العناصر المعارضة؟ ** كل هذه العناصر تتفق مع المعارضة السورية والمعارضة السياسية في الداخل والخارج علي ضرورة اسقاط النظام السوري الا انها لا تتفق علي شكل الدولة وكيفية ادارتها مما أوجد معضلة في مواقف القوي الدولية منها حيث ترفض الولاياتالمتحدة ودول الغرب حتي الان تقديم السلاح اللازم لتلك المجموعات خوفا من ان يؤدي انهيار سوريا لحدوث صحوة للمنظمات الجهادية علي غرار ما حدث في افغانستان. * وما الذي تخطط له القوي الغربية بالنسبة لسوريا؟ ** لا تزال القوي الدولية تراهن علي اسقاط رأس النظام مع الحرص علي بقاء الجيش متماسكا خوفا من تسرب الاسلحة الاستراتيجية لديه خاصة الكيماوية وهو ما يقلق الولاياتالمتحدة واسرائيل. * وكيف تري الحل للأزمة السورية؟ ** الازمة السورية مرشحة للاستمرار, بل وتشهد انقساما اقليميا حادا حيث تقوم ايران بدعم سوريا بينما تدعم السعودية وتركيا المعارضة. * وماذا عن الموقف المصري من الازمة السورية؟ ** مصر كانت في البداية بعيدة عن الازمة الا ان المبادرة الرباعية التي طرحها الرئيس محمد مرسي اعتقد البعض في البداية انها لن تنجح لكل المجلس الوطني السوري المعارض اعلن مؤخرا ترحيبه بها حيث تركز علي وقف نزيف الدم وايجاد حل سياسي للازمة يضمن انتقالا سلميا للسلطة وأيا كانت نتيجة تلك المبادرة فان من أهم نتائجها انها اعادت مصر للتفاعل مع التطورات الاقليمية كما انشأت من خلال تلك المبادرة منتدي للقوي العظمي الاقليمية تسمح بحضور مصري مؤثر داخلها قوة. * وما هو التطور الثاني في المنطقة؟ ** يتمثل في تصاعد الازمة المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني وعدم وضوح ملامح لحل الازمة والحديث عن الخيار العسكري ما بين مناورات امريكية في الخليج ومناورات ايرانية مضادة وتكثيف الوجود العسكري الامريكي في الخليج وتشغيل المنظومة الرادارية في اسرائيل وتركيا واجراء اسرائيل مناورات علي الحدود تحسبا لاي نشاط من جانب حزب الله, وهو ما يأخذ المنطقة بأكملها إلي توتر متزايد ويفرض علي مصر في نفس الوقت تحديد خياراتها ازاء تطورات هذه الازمة وانعكاساتها علي الامن في الخليج ومدي تأثر المصالح سواء من خلال العمل العسكري ضد إيران أو ابرام صفقة غربية معها. *وماهو المتغير الاقليمي الثالث الذي يؤثر علي المصالح المصرية؟ ** المتغير الثالث هو مايجري في ليبيا من انفلات امني واضح وتصاعد للسلفية الجهادية التي تمتلك ميليشيات واسلحة ثقيلة لاتملك أجهزة الامن الليبية السيطرة عليها حتي الان. وهناك علاقات وثيقة بين هذه الميليشيات وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب ومالي وهو مايمثل تهديدا للأمن القومي المصري الي جانب ان ليبيا خلال الاشهر الاخيرة كانت مصدرا أساسيا لتهريب الاسلحة الي داخل مصر. والخطير في هذا الامر انها كانت اسلحة ثقيلة مثل قواعد لاطلاق صواريخ مضادة للطائرات والاربي جيه ومدافع جرينوف وقاذفات مضادة للدبابات حيث يتم تهريب نسبة كبيرة منها الي سيناء. * وماذا عن الوضع في السودان؟ ** الخلافات لاتزال قائمة بين دولتي السودان كما أن الاوضاع السياسية في الشمال ليست مستقرة كما في الجنوب, ولاشك في ان خلافات الدولتين يؤثر سلبيا علي المصالح المصرية بصفة عامة, كما ان السعي الاسرائيلي لزيادة الحضور في الجنوب وخلق مصالح مشتركة مع النظام السوداني هناك تمثل خطرا يجب الانتباه اليه. * وماهي تطورات الاوضاع في سيناء؟ ** سيناء مشكلة كبيرة والتوصل لحلول لما تعانيه يتطلب جدية وذلك لغياب الدولة بكل أركانها ومؤسساتها عن سيناء. ولاشك ان تصاعد نشاط الجماعات الجهادية في سيناء مرتبط بتنامي نفوذ عناصر جهادية معظمها من خارج سيناء وهي عناصر وفدت خلال الفترة التي أعقبت ثورة25 يناير والتي عانت من الانفلات الامني في سيناء فوجدوا فيها ملاذا للهروب, كما توجد علاقات بين هذه العناصر والمجموعات وعناصر ومجموعات أخري تعتنق نفس الفكر الجهادي المتشدد في داخل قطاع غزة مثل تنظيمات بيت المقدس وجيش الاسلام وتنظيم جلجلت وجميعها مجموعات جهادية ومعظمها علي خلاف مع حركة حماس, وقد جرت مواجهات بينهما الا أنها جميعها تستفيد من الانفاق كما حدث لقاء مصالح فيما بينها جميعا ومنظمات وعناصر تهريب السلاح الذي يفد الي سيناء. * وكيف ترون الاجراءات التي يتخذها الجيش والشرطة المصرية هناك؟ ** قد تبدو الاجراءات التي يتخذها الجيش والشرطة حاليا بطيئة لكن ملامحها توحي بالتوجه لاقامة بنية امنية جديدة واستعادة ثقة شيوخ القبائل ارتباطا باستراتيجية اساسية اكدها الرئيس محمد مرسي وهي ان الامن في سيناء ليس الامن بمعناه الضيق ولكن الشامل الذي يرتكز علي التنمية و هو ما نأمل أن يحقق الاهداف المرجوة منه. * ألا ترون أن وجود نشاط للعناصر الجهادية في سيناء يفتح مجالا لاطماع التدخل العسكري الاسرائيلي والامريكي بشبه الجزيرة؟ ** أنشطة العناصر الجهادية تساعد اسرائيل في مزاعمها بشأن عدم قدرة مصر علي تأمين سيناء, كما ان ادعاءات تل ابيب بخصوص ارتباط هذه المجموعات بتنظيم القاعدة العالمي..غير حقيقية هدفها اجتذاب امريكا لضم سيناء ضمن مايسمي بحملتها علي الارهاب الدولي ولا أعتقد أن هناك مبررات لذلك. * هل تري تشابها بين النظام المصري والتركي بعد تولي د. محمد مرسي الحكم؟ ** لنظام السياسي في تركيا قد يمثل نموذجا يغري دولا في الاقليم بتكراره حيث خرج الحزب الحاكم من رحم حزب ديني متطرف أيام أربكان ثم تطور بعد حله ودخل أردوغان قياديا به ثم تم حله عام97 اذ اعتبر اردوغان متطرفا. وتطور الحزب وأصبح أكثر مرونة ليحمل اسم (حزب العدالة والتنمية) وأصبح أردوغان2002 مختلفا عن أردوغان1997 وأدت مرونة الحزب للحصول علي أغلبية متوالية في الانتخابات التركية, ونأمل أن يصبح حزب الحرية والعدالة بعد خروجه من الحصار لسنوات طويلة متفاعلا مع التطورات السياسية الداخلية وان تتطور رؤاه السياسية والاقتصادية ليصبح أكثر مرونة لتكرار النموذج التركي.