يحاول الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أن يطرح مشروعه الوطني كخيار قوي أمام الناخبين في المستقبل, في وقت يقدم فيه الآخرون انفسهم كاعداء وهذا خطأ سياسي ترتد اثاره سلبية علي البيئة السياسية بمجملها. فأبوالفتوح لديه من الذكاء السياسي ما يجعله أكثر اتساقا مع ذاته ومع المتغيرات من حوله, لذا يبدو الرجل متميزا في طرحه لطرائق العمل العام وقارئا جيدا لواقع العمل السياسي والاجتماعي في مصر مستفيدا من تاريخه الطويل وخبراته الواسعة في هذا الميدان, وهو يسخر خبراته وجهده في خدمة مشروعه ويستفيد من حماس كثيرين من الشباب الملتفين حوله, والذين يعطيهم أبوالفتوح مساحات كبيرة للمشاركة في صنع القرار وطرح البدائل ويستمع إليهم بانصات من خلال آليات ديمقراطية تتسم بالشفافية. يؤمن أبوالفتوح بفكرة الاستثمار في البشر لذا راح يجوب مصر ليسكن أنصاره في مؤسسات بعضها مهتم بالعمل الخدمي كمؤسسة مصر المحروسة للتنمية وبعضها مهتم بالطلاب والشباب يعمل بالجامعات للاستفادة من مناخ الانفتاح الضخم في الجامعات المصرية وانخراط قطاعات واسعة من السلطة في العمل السياسي وهي حركة طلاب مصر القوية وبعضها مهتم بالمرأة المصرية وهي مؤسسة ست مصرية لرعاية المرأة. ورغم فصل هذه المؤسسات تنظيميا واستقلالها عن بعضها فان أبوالفتوح يعتبرها ستكون الرافعة الاجتماعية لحزب مصر القوية الذي شرع في تأسيسه. فهو يعلم أن حزبا سياسيا دون امتداد اجتماعي قوي لن يستطيع منافسة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تستمد قوتها من العديد الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والدعوية, التي تربط مؤسساتهم بقطاعات شعبية عريضة تؤمن لهم دعما شعبيا عند الاستحقاقات الانتخابية جميعها مثل حزبي النور والحرية والعدالة. وقد أحسن أبوالفتوح صنعا باشهار مؤسسات مشروعه الوطني علي اختلافها كجمعيات أهلية أولا, وكما أحسن بتوسيع رقعة مشروعه في كل قري ومدن ومحافظات مصر حيث يجوبها وأنصاره باصرار متجاوزا محدودية الحركة التقليدية للعمل السياسي والاجتماعي والخدمي في القاهرة والمدن الكبري وذلك من خلال الاتصال المباشر. نظريا يبدو طرح أبوالفتوح مهما وجهده منهجيا وهو يراهن علي توفير مجموعة من المصالح الاقتصادية والاجتماعية تخدم مشروعه السياسي, وكذلك علي الانحياز إلي الفئات المهمشة والفقيرة والتواصل معها ورعايتها من خلال مؤسساته المختلفة, والتعبير عن مصالحها من خلال حزبه مصر القوية لكن عمليا هناك صعوبات متعلقة بالتنافس القوي بينه وبين التيارات الإسلامية باختلاف روافدها, وهذا يجعل المهمة صعبة نظرا لحداثة مشروع أبوالفتوح والخبرات التنظيمية المتسعة والعتيدة وشبكة المصالح والخدمات المترابطة لبعض هذه التيارات كجماعة الإخوان والسلفيين, بالإضافة إلي مشكلة التمويل التي يتطلبها مشروع اجتماعي سياسي من هذا النوع, وكذلك منافسة أحزاب أخري علي رأسها حزب الدستور, وشخصيات شعبية كحمدين صباحي والدكتور البرادعي. لكن في الحقيقة لدي أبوالفتوح قدرات خاصة في طرح نفسه ومشروعه علي الساحة بصورة تتجاوز حدود الخطاب السياسي للتيارات الإسلامية المغلقة علي ذاتها وأفكارها وتنظيمها, وبصورة تتجاوز محدودية الانتشار الأفقي للتيارات الوطنية الأخري. أبوالفتوح مهموم بقضايا مصر ومجتهد وهذا يميزه عن غيره من الواهمين وذوي النزعة الفردية, فبعد الانتخابات الرئاسية كانت مواقفه أكثر حسما في الانحياز للثورة, كما أنه سارع لتأسيس مشروعه وحدد رؤية واضحة لا تتسم بالأنانية بل تغلب العمل الجماعي وتعمق وتوسع المشاركة من منطلق ادراك أهمية العمل في المرحلة المقبلة في الشارع وبين الناس كوسيلة حتمية لأجل حيازة مكانة في المؤسسات المنتخبة التي ستتشكل خلال المرحلة المقبلة, بالإضافة إلي ممارسته معارضة منضبطة وليست عداوة دائمة قال عنها أنها ستساند السلطة وتدعمها ان أحسنت, وتوجهها ان اساءت. لهذا ربما يري البعض أبوالفتوح نموذجا مختلفا وجاذبا لطيف واسع ومختلف المشارب من ابناء مصر. والأهم أن مشروعه جدير بالاهتمام والمتابعة كمولود جديد وتجربة كاشفة لمدي استجابة البيئة السياسية المصرية للتطور الديمقراطي ومجالاته وأدواته ووسائله وميادينه.