ولت الشمس مدبرة بعد يوم طويل وسحبت خيوطها تاركة آخر ظلالها علي بيوت المنطقة الفقيرة التي غلب سكانها الفقر ونهش في لحمهم دون رحمة. وكان الفتي رمضان النحيف ذو العشرين عاما والذي كان يحدث نفسه منذ أن خرج فجر اليوم كيف يعمل ويوفر مصاريف علاج والده المريض ذي السبعين خريفا والذي تتغلب عليه الأمراض في كل جولة يخوضها من العلاج. فكر رمضان كثيرا في ايجاد عمل وحاول أكثر من مرة التمسك بمهنة مناسبة ولكنه فشل في كل محاولاته فقد حاول أن يتعلم قيادة السيارات ليصبح سائقا يعمل علي الميكروباص ولكن كأن بينه وبين المركبات خصومة لا نهائية لها حيث فشل حتي في قيادة التوك توك. وبعد أن تقطعت به السبل لم يجد أمامه سوي التوجه إلي مقهي الحرية الذي يجمع عمال التراحيل بالمنطقة ممن يحملون معاولهم وعدتهم للعمل في أي شيء وبعد جلوسه في السابعة صباحا علي المقهي غمز ولمز رملاؤه القدامي واقترب منه أحدهم وقال له: انت جديد يا معلم معانا؟ فرد عليه رمضان: أيوه وكانت ملامحه متجهمة ولا تعكس سوي شراسة الأسد وجوعه وقبل أن يطرح عليه الزميل ثقيل الظل السؤال الثاني توقفت سيارة من النوع ذي الدفع الرباعي العتيقة ونزل منها رجل مسن وشاب في الثلاثينيات من عمره وهرول العمال صوبهما والتفوا حولهما ونظر الرجل إلي العمال بتأفف وقال كتاجر الرقيق مقتربا من رمضان الذي انطوي بعيدا عنهم وذلك لحداثته في أصول المهنة: عندك كام سنة؟ انفرجت اسارير الرجل فرد رمضان20 سنة وربت علي كتف الفتي وقال له اركب العربية وهنا بدأت نظرات العمال تغمز وتلمز كالعادة علي طريقة الرجل الذي يأتي إلي سوق العبيد كما يسمون المقهي لأول مرة. انطلقت السيارة مسرعة إلي أن وصلت إلي منزل الرجل والذي اصطحب رمضان فور وصولهم إلي المطبخ ليلتقي بالسباك الذي طلب منه نزع الحوض القديم وازالة كل ما حوله من سيراميك. وبدأ رمضان عمله الشاق دون ملل أو كلل وبانتصاف اليوم انتهي من العمل مخلفا وراءه تلا كبيرا من المخلفات التي طلب منه الرجل صاحب المنزل رفعها ومغلوبا علي أمره بدأ رمضان في رفع المخلفات ووضعها بداخل أجولة مطيعا الأمر لا يملك عدم تنفيذه وشعر أن دموعه هربت منه رغم الحاحه عليها إلا أنها أخيرا استجابت له وانهمرت مختلطة بعرقه الذي تصبب بغزارة من جبهته علي وجهه لتنظيفه من الأتربة التي التصقت به من غبار معركة نقل المخلفات وحينها تمثل له والده المريض الذي سمع دعاءه له بالصحة والعافية. وبعد انهاء العمل فوجيء رمضان بابن صاحب المنزل يضع في جيبه10 جنيهات وحينما اعترض قال له: هي دي أجرتك مع السلامة وأغلق الباب في وجهه بعد أن سانده السباك قائلا: انت هتتبطر علي النعمة خدها وقول الحمد لله. شعر رمضان باحساس عميق بالظلم مضي في طريقه يجر خيبة الأمل متجها إلي أقرب مقهي, وقبل أن يصله وجد مخبزا بلديا, ودون أن يشعر تقدم نحو الرجل الجالس علي الكرسي أمام الفرن وطلب منه أن يعمل لديه في المخبز وشاءت الأقدار أن يوافق الرجل صاحب الفرن وقال له رمضان متسائلا في لهفة متي اتسلم العمل؟.. فرد الرجل من الآن لو تشاء. تهللت اسارير رمضان وخلع سترته وبدأ يعمل في الفرن في مهنة جديدة لم يألفها, ومرت الشهور والفتي يتقن مهنته يوما بعد يوم وكان يبدأ يومه دائما بأداء صلاة الفجر بعدها يسرع في تجهيز العجين ثم تقطيعه ورفع طاولات العيش إلي الفرن ليستوي خارجا في منظر بهيج إلي الناس التي تتكالب دائما علي شرائه. وفي احد الايام وبينما هو منهمك في عمله سمع رمضان صوت زملائه ينادون عليه في صوت أشبه بالاستغاثة فهرول بطبيعته إلي مصدر الصوت وليفاجأ بشجار محتد في معركة حامية الوطيس بين الزبائن لينتقل إلي البائع الذي امتدت إليه الأيادي بالضرب وركلته الأرجل بقوة حتي غرق وسط المتشاجرين. وهرع رمضان بشهامة أبناء البلد نحوه وبدأ في ازاحة الشاب المتعجرف صاحب العضلات الذي كان سببا في المشكلة عنه. وحال رمضان بينه وبين زميله البائع وبعد وصلة سباب وشتائم انتهي الأمر بهزيمة الشاب المتعجرف بعد أن تكاتف زملاء رمضان وطردوه خارج طابور العيش. وبعد دقائق عاد رمضان إلي عمله وكذلك زملاؤه ولكن لم تمر دقائق حتي فوجيء الجميع بالشاب المتعجرف يأتي حاملا كل الحقد والشر ممسكا بيده فرد خرطوش وبصحبته شقيقه وقبل أن تشتبك الأيدي أسرع رمضان إليهما محاولا كبح جماح شرهما خلاص يا جماعة الموضوع خلاص انتهي وياريت تشيلوا السلاح ده. ولكن كان الطلق الناري أسرع إلي رمضان من الكلمات وأطلق الشاب المتعجرف النار تجاهه ليسقط بين يدي زملائه والزبائن غارقا في دمائه بعد أن استقرت رصاصة في صدره. وكان قسم شرطة الأميرية قد تلقي اشارة من المستشفي العام بوصول رمضان مصابا بطلق ناري في الصدر وتوفي اثناء أسعافه. وبانتقال فريق بحث بقيادة اللواء سيد شفيق مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة تبين أن وراء ارتكاب الواقعة طه27 سنة سباك وسبق اتهامه في3 قضايا وشقيقه عماد عاطل يقيمان بالأميرية. وتبين من التحريات أنهما عقب ارتكابهما الواقعة لاذا بالفرار, ولكن تمكن فريق البحث بقيادة العميد ناصر حسن رئيس القطاع من ضبطهما وبمواجهتهما أمام اللواء حسن السوهاجي نائب مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة اعترفا بارتكابهما الواقعة وأرشدا عن السلاح المستخدم ليتم ايداعهما الحبس الاحتياطي علي ذمة التحقيق بناء علي قرار النيابة.