ما الذي كان العالم ينتظره من محكمة الاحتلال الإسرائيلي في حيفا التي نظرت القضية المدنية التي رفعتها عائلة الناشطة الأمريكية اليهودية راتشيل كوري التي لاقت حتفها سحقا تحت جنازير جرافة إسرائيلية عملاقة في غزة عام2003 عندما حاولت التصدي لها لمنعها من هدم منازل فلسطينية في رفح؟ هل تصورت العائلة المكلومة أن تجد إنصافا ولو كان أدبيا لابنتها التي اغتالتها يد الصهيونية عمدا مع سبق الإصرار والترصد وعلي مرأي ومسمع من كل وسائل الإعلام الفلسطينية والعالمية, وبدم بارد وبموافقة من أعلي سلطات الاحتلال!!سائق الجرافة كان ينفذ تعليمات قادته بانجاز مهمة غير قابلة للتأجيل أو الإلغاء تحت أي ظرف هذه المهمة تتلخص فيها السياسة الإسرائيلية التي تنفذ بكل دقة منذ اغتصاب فلسطين في عام1948 وتتمثل في ابتلاع أراضي الفلسطينيين( قضمة قضمة) بهدم المنازل وطرد السكان الأصليين أصحاب الأرض وتحويلهم إلي لاجئين ثم الدفع بمهاجرين يهود ليحلوا محلهم, تلك السياسة التي لايسمح فيها لأي طرف حتي لو كان شابة أمريكية يهودية في مقتبل العمر تؤمن بضرورة الحل السلمي والتعايش بين الشعوب بتعطيلها أو ايقاف عجلتها.القاضي الإسرائيلي الذي نظر القضية عوديد جرشون ورفض الدعويا المدنية هو في الأصل عنصر صهيوني يؤمن بمشروع إسرائيل الكبري وقد يكون اكثر تطرفا من سائق الجرافة نفسه, ولو كان مكانه لسحقها ذهابا وإيابا. وإسرائيل علي مدي64 عاما من الاحتلال لم تعر الإدانات الدولية والاستنكار والشجب العالمي والإقليمي اهتماما, تماما مثلما تجاهل سائق الجرافة السترة البرتقالية المميزة لراتشيل كوري وميكروفونها الذي كانت تطالبه من خلاله بالتوقف ومضي في مهمته غير عابئ بصرخات وتوسلات الفلسطينيين والناشطين الذين شهدوا الحادث المأساوي البشع. القضية تحولت بعد9 سنوات من جريمة قتل غير أخلاقية إلي مجرد إدانات لحكم قضائي غير عادل أو علي حد تعبير ريتشارد فولك المقرر الخاص الدولي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة إلي هزيمة للعدالة وانتصار للإفلات من العقاب بالنسبة للجيش الإسرائيلي بعد اعتبار القاضي جرشون لتلك الجريمة مجرد حادث مؤسف. أخطأت عائلة كوري شهيدة المبادئ باللجوء إلي محكمة إسرائيلية, كان عليها اللجوء إلي محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية واخطأت مرة أخري عندما اختصمت سائق الجرافة, بل كان عليها اختصام حكومة الاحتلال وقائد الجيش ورئيس الاركان وكل من يدعم إسرائيل اقتصاديا وعسكريا ولوجيستيا وقانونيا ابتداء من الإدارة الأمريكية.مرورا ب10 داونتج ستريت في لندن وكل الحكومات الغربية. فإسرائيل تستمد شرعيتها من الدعم الأوروبي أمريكي وهو ما يدفعها للاستهانة بكل القرارات الدولية والأحكام القضائية والمساعي الدبلوماسية طالما تعارضت مع مشروعها الاستيطاني.إذا كان هناك من تجب محاكمته.. فلتقاض أسرة راتشيل كوري كل زعماء إسرائيل الذين هم في واقع الأمر من القتلة المحترفين ومجرمي الحرب المأجورين..