يقول الكاتب العالمي باولو كويلو في روايتهTheZahir, ما مؤداه أنه عندما نزيح قصص الماضي من عقولنا, فانه يتم تلقائيا تخليق مساحة ذهنية جديدة تؤطر لمزيد من التحرك الايجابي الشجاع نحو التقدم. وقياسا علي ماتقدم, فإنه سيسدل الستار علي الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة, وكذلك آخر فصول مراحل محاكمة القرن أي النقض ومن ثم, فانه يغدو لزاما علي مصر الجديدة أن تنفض عن نفسها ركام الماضي وغبار عثراته, متطلعة للمستقبل بتحدياته الكثيرة وآماله المتعددة!!!. وبعيدا عن الحكم الذي اختلف الناس بشأنه....ففي حين ارتآه البعض مرضيا, اعتبرته جماهير أخري مسيسا أو غير كاف وليس متناسبا مع الحدث الجلل الذي أزهقت فيه أرواح وبترت أعضاء وفقدت عيون..فالمشاعر متأججة ولها الاحترام, والغضب عارم وله التقدير, فان علينا ألا نظل أسري للماضي المثخن بجراحه وآلامه..غافلين أن العالم من حولنا يعدو, ولايهرول فقط في غمار مشروعات التنمية والتقدم, ومتناسين أن نصف شعبنا يرزح تحت وطأة فقر مدقع وهو وضع يستحيل استمراره في الجمهورية الثانية!!!. ووصولا للتوازن المنشود بين الحاجة الي الاعتبار من دروس الماضي دون الإغراق فيه والتطلع الايجابي للمستقبل, فأن هناك ثلاثة أمور يحسن التنبه إليها والحذر من تبعاتها. أول تلك الأمور هو تنامي تيارسوداوي في مجتمعنا...فالجميع يخون الجميع ويشككون في نزاهتهم وأمانتهم ووطنيتهم, وفقا لقاعدة أن الجميع عرضة بل مستحق للعنة الا أنا الوحيد الوطني الشريف الثوري...الخ مثلما يتوهم المتوهمون ويتخرص المتخرصون.!!!ففي هذا الاطار الحماسي,والذي يغلب عليه في كثير من الأحيان عدم العقلانية, فيسميه البعض النزق الثوري أي الحمية المبالغ فيها التي لاتقبل الا اتفاق الرأي بل وتطابقه يتشاجر الأصدقاء ويختلف الأقارب, حيث يتمسك كل شخص برأيه, ويري مخالفيه, بالضرورة, إما أعداء الوطن والثورة وإما متخاذلين تجاه حقوق الشهداء ودمائهم..ويغذي من هذا المنحدر المزايدات المستمرة من المتجارين بالثورة وأدعيائها بمنطق انتهازي بحت يستهدف المصلحة الشخصية واستدرار الإعجاب الزائل والشعبية السطحية!!!. وثاني الأوهام الذي يجب أن نتخلص منها, هو مايتصوره البعض بشأن إمكانية أن تفضي الثورة بعد حين الي تخليق مجتمع مثالي خال من الفساد ومنغصات الحياة, وإلا ستكون الثورة حينئذ قد باءت بالفشل!!!ويقينا,فإن الإغراق في هذا الوهم لايفيد في النظر بالايجابية الي أي تحسن يطرأ علي مجتمعنا, فمثل هذه اليوتوبيا الثورية لم تفض من قبل الي تخليق مثل هذا المجتمع في عصر الأنبياء, وبالتالي فلا يوجد مايجعلنا نتوقع تحققه الان, فالفساد جزء من الطبيعة البشرية المليئة بتناقضات الخير والشر منذ بدء الخليقة وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وثالث الأثافي التي تهدد السلام المجتمعي وتمثل عقبة كؤودا أمام التنمية والتقدم, هو غلو البعض ومغالاته من خلال المناداة بحتمية العزل والإقصاء لكل من عمل مع النظام السابق, غافلين أن النظام السالف قد أمضي30 عاما في الحكم, وهو مايعني أن جميع قيادات الجهاز الإداري للدولة, بل أن أغلب الخبرات والكفاءات في جميع المجالات هي نتاج تعليم وتوظيف تلك الفترة. وعلي مابيدو أنه يسود مصر الآن تياران فكريان, أحدهما يري ضرورة الهدم الكلي..للبناء علي نظيف مثلما يتصورون... بينما يري التيار الآخر أن ماتحقق حتي الآن ما كان يجول بخاطر أي شخص يوم24 يناير2011, ومن ثم فإن عمليتي الهدم والبناء..أي التفكيك والتركيب معا, يحسن أن تتم بشكل متوازن ومستقر تدريجيا للتغلب علي عثرات لايمكن تقدير كنهها إن اتبعنا المبدأ الثوري الكاسح في إدارة شئون البلاد, فالثورة قد تغير أو تسقط نظاما, ولكن التخطيط الهاديء الممنهج هو وحده القادر علي وضع الأسس لبناء نظام فاعل جديد. والبادي أن أنصار الفريق الثاني يكتسبون أرضا بمرور الوقت, حسبما تبدي في نتائج الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية, والتي كشفت عن أن التيارين الأكثر غلبة في المجتمع المصري أحدهما يستحسن فكرة التيار الديني, بنسخة الإخوان المسلمين, وثانيهما يتوق الي إستقرار سريع..,حتي وان كان علي يد آخر رئيس وزراء في العهد السالف ولعل ما أفضي إلي تلك النتيجة التباس المرحلة الانتقالية بكل سلبياتها وصعوباتها وترهاتها وأخطائها الجمة!!! مابين هذا وذاك, اختار المصريون رئيسهم القادم ليقود البلاد لفترة أربع سنوات, وهي أشبه ماتكون بمرحلة انتقالية حقيقية ولنكتشف جميعا أن كل ماجري كان تمهيدا لها ونقرر أن الرئيس الجديد لن يكون بمقدوره أن يفعل كل مايريده إلا بتوافق شعبي عام, فالتدافع السياسي بات هو بوصلة الأحداث وتطوراتها في بلادنا,بعد أن بات شعبنا مسيسا حتي النخاع متواصلا مع شئون الحكم وآلياته ليل نهار, ومن ثم فان المبالغة في الخوف من استنساخ الماضي ولو بصورة معدلة مصححة, أو الوقوع في براثن دولة ثيوقراطية دينية يمكن أن تورطها الايديولوجية داخليا وخارجيا..الخ.. لربما تحيق المبالغة بشأنه. وأخيرا فلنتذكر أن الرسول( صلي الله عليه وسلم لم يكن ضعيفا أو عاجزا عندما أطلق مقولته الشهيرة عند فتح مكة في العام الثامن من الهجرة اذهبوا فأنتم الطلقاءتجاه من ساموه ورفاقه سوء العذاب,ولكنه أرتأي أن يبني دولته علي مباديء العدل والرحمة والتسامح, ليترك المجال لمن رغب في تصحيح وضعه أن يفعل.. وليزيح بذلك المساحة الذهنية التي يشغلها الماضي, بكل سوءاته, في أذهان رفاقه بل وأعدائه أيضا, لكي تتوافر مساحة أخري للجميع للنظر للمستقبل الواعد. وليس المراد مما سبق النكوص عن القصاص, وألا كنا نهدر قيمة أساسية تستند إليها الدول وهي العدالة وحكم القانون...,فالعدل اساس الحكم, ولكنها دعوة للنظر كذلك الي المستقبل, وسيادة اليقين في العدالة السماويةقبل الوضعية, فمن عجزت آليات القانون عن القصاص منه, لن يفلت من عقاب الأخرة, وهو أشد وطأة وأنكي سبيلا....