منذ ثلاثة أشهر فقط وضعت مصر قدمها علي أبواب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين, لكنها مجرد خطوة في مسيرة عشر سنوات من2010 إلي2020 وبقدر كل خطوة نخطوها سواء كانت محسوبة أو غير محسوبة سيتحدد شكل مصر في نهاية هذا العقد, وربما في عقود لاحقة. في كل المجالات تبدو مصر في طريقها لمشهد مختلف, بدأت إرهاصاته السياسية والاقتصادية, في الوقت نفسه الذي برزت فيه تحدياته الاجتماعية والاستراتيجية لتشكل مجموعة من الفرص والتحديات, تثير عدة أسئلة عن كيفية إدراكنا لها وتعاطينا معها, بالقدر الذي قد يحول التحدي إلي فرصة سانحة للتطور والتقدم, ومن ثم تغيير الواقع, أو ضياع الفرص لتتحول بالتالي إلي تحد جديد يضيف أعباء وتبعات علي كاهل الوطن. وفي هذه الحوارات مع رموز النخبة في شتي المجالات.. نقيم الواقع, ونستشرف آفاق المستقبل لنرسم صورة أقرب إلي الواقع خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.. وليس هذا فقط, وإنما الطريق إلي التعامل مع تحديات هذا الواقع لجعله يبدو في صورة أفضل. علي حائط مكتبه صورتان, الأولي لمؤسس الحزب ورئيسه الأول وزعيمه التاريخي خالد محيي الدين, والثانية له, هكذا كانت الصورتان مدخلا مهما للحوار مع الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع, ودون مقدمات سألته مباشرة عن صاحب الصورة الثالثة.. من هو؟ فرد دون تفكير: لن تكون هناك صورة ثالثة لأنني سأحمل صورتي معي, وأمضي. * قلت له: نحن نتحدث عن عشر سنوات قادمة, من الأكيد انها ستحمل تغييرا في رئاسة حزب التجمع؟ أجاب: المادة الثانية من لائحة التجمع تحكمني, لايجوز لرئيس الحزب القضاء أكثر من دورتين وكما طبقها خالد محيي الدين علي نفسه, فإنها ستطبق علي الجميع. * لكن أعضاء الحزب قد يكون لهم رأي آخر! حتي إذا رفض المؤتمر العام للتجمع تطبيق اللائحة.. أنا سأطبقها. * وماذا عن التغيير في قمة الهرم السياسي في مصر؟ حينما كان الرئيس جمال عبدالناصر يحكم مصر, لم يتخيل أحد أنور السادات يصلح لرئاسة الجمهورية, لكنه جاء وحكم, ثم جاء من بعده الرئيس حسني مبارك, وعلي الجميع, في المجالات كافة بذل أقصي ما يستطعيون لاعداد كوادر جديدة.. وهذا هو المخرج الوحيد. *بمناسبة الحديث عن الكوادر والصف الثاني في الأحزاب السياسية.. ماذا عن التجمع؟ لدينا الارادة لإيجاد هذا المناخ, لكنه يتحقق ببطء شديد, لكن الحزب فيه من يستطيع, ومن يجب عليه ان يستطيع, وعلي الجميع التوحد حوله.. لأنه لا أمل غير ذلك. * كيف يتم ذلك؟ بإيجاد مناخ قادر علي افراز القيادات الجديدة, وإلا تنتهي الأحزاب, لذلك لابد من اجراءات لوصول الشباب إلي قمم القيادة الحزبية, نحن نريدهم حتي لا نتعايق بهم.. وإنما لكي يتعلموا كيف يمارسون القيادة في الواقع العملي, وحين نذهب يكونون قادرين علي العمل والفعل. * إذا أردنا أن نرسم صورة للمستقبل.. فلابد من تقييم الواقع بكل تحدياته.. كيف تقرأ صورة مصر الراهنة؟ مصر تمر بظروف صعبة جدا, وبتسييس الألفاظ أقول انها تمر بفترة انتقالية حرجة, إما أن تؤدي إلي انفراجة ديمقراطية, وتصويب الأوضاع الدستورية والقانونية والانتخابية, وفتح مساحة أوسع من الديمقراطية, تصحبها شفافية, ومواجهة للفساد, ومحاسبة من ارتكبوا أخطاء.. أو... * قبل أن ندخل إلي مرحلة أو.. البعض يري ان مصر تعيش هذه المرحلة الانتقالية منذ سنوات فما الجديد؟ لا.. مصر لم تكن تعيش مرحلة انتقالية, وإنما كانت تتحول إلي الأسوأ.. ونحن لا نفعل شيئا سوي سد ثغرات أخطاء فادحة ارتكبت.. * مثل ماذا؟ مثل تكرار بيع المصانع, دون أي ضمانات للعمال, ومن اشتري يريد التخلص منهم حتي يبيع الأرض, كان فيه تخلص من ممتلكات الدولة باعتباره هدفا وتحت دعوي دعم الاستثمار وجذب الاستثمارات وأشياء من هذا القبيل, دخلنا في عملية تخلص من ممتلكات الشعب مثل شاب ورث عن والده أملاكا عديدة, وأخذ يبددها رويدا.. رويدا.. ثم وجد نفسه في مأزق. * نعود إلي شروط الانتقال التي حددتها.. وأتبعتها بكلمة أو.. أو ماذا يا دكتور؟ إما إلي الانهيار.. أو التقدم.. انهياراقتصادي وإجتماعي وأيدلوجي.. وهنا لابد ان نري مخاطر هيمنة تيار معين علي مجلس الدولة.. هذه مخاطر حقيقية فتحنا أعيننا فجأة فوجدناها.. فماذا لو فتحنا أعيننا فجأة فوجدناها في مكان آخر أكثر خطورة. *قدتنا مباشرة الي موضع التشدد والتطرف والتأسلم..عن ماذا يعبر كل هذا؟ هو تعبير عن حالة خلل تعليمي واعلامي وفكري ونقص في الوظائف وكلنا نعرف جيدا أن التأسلم خطر,فماذا فعل الحزب الحاكم؟..كم من قادته كتب؟..تركوا شخصا مثلي يتصدي لهذه الموجة بالكتابة..ولايمكن لفرد واحد ان يواجه هذه الموجة. وكيف نواجههاإذن؟ *لابد من مشروع تعليمي تراجع فيه جميع المناهج,لابد من مشروع اعلامي مستنير,لابد من ذكاء, وقناعة ليبرالية كامنة في نفوس الجميع, لكن المشكلة ان بعض من يدعي أو يتحدث الليبرالية وهو يواجه التأسلم, في الكثير من مواقفه وقناعاته ضد الليبرالية..مع أن الليبرالية لاتتجزأ,فهي وجدان لايمكن اقتسامه..لايمكن ان تحبها وتكرهها في نفس الوقت..لايمكن ان تكون ليبراليا ومتخلفا في نفس الوقت..هذا لاينفع.. لاينفع * نحن نتحدث عن التأسلم..لابد أيضا من تحليل سيطرة القطبيين علي جماعة الاخوان..كيف سيؤثر هذا علي الجماعة وعلي دورها السياسي في المستقبل؟ الاخوان في اطار سيطرة القطبيين تدخل في مأزق كبير,لأنها بذلك تصبح خارج اطار الدنيا والتاريخ..والناس يعتقدون ان الاخوان تحولوا الي القطبية, لكنهم في الحقيقة تركوها دون نقد ورفضوا نقدها..وقد طلبت من مرشحهم الأسبق مأمون الهضيبي في احدي الفضائيات نقد ماورد في كتب سيد قطب فقال انه غير مكلف..أي لايستطيع. *ولماذا لم يقدموا نقدا للقطبية..أي كتب وأفكار سيد قطب؟ لأنهم سلفيون بالطبع,ونصوصيون بالطبع, وهم قطبيون دون أن يعلنوا ذلك, كل ماهنالك أنهم وضعوا القطبيين فوق الجماعة. * وماهو مستقبل هذه القيادة القطبية للإخوان؟ أعتقد انها مؤقتة لحين خروج نائب المرشد خيرت الشاطر من السجن..والجماعة مرت بتطورات مهمة منها سيطرة الجهاز السري علي الجماعة, وهو ما اعترف به المرشد الأسبق الشيخ عمر التلمساني في كتابه ذكريات..لامذكرات حين قال أن أحد الموظفين رفض ان ينفذ له طلبا, وأخبره أنه لاينفذ الأوامر إلا بعد استئذان كمال السنانيري لأنه عضو في الجهاز الخاص, وبوصول مصطفي مشهور الي موقع المرشد سيطر الجهاز الخاص علي الجماعة,وهو المسئول عن التنظيم الدولي والتمويل, لذلك فهو يتحكم في الجماعة وفي أجهزتها التنظيمية.. والمرشد الحقيقي هو محمود عزت لحين خروج خيرت الشاطر من السجن لانه في الفقه لا ولاية لأسير. الخلاصة أننا أصبحنا أمام سيطرة القطبيين علي الجهاز السري والجماعة معا, بعد ان كانوا يسيطرون علي الجهاز السري فقط. *جماعة تتشدد أكثر..وتأسلم يبدو متزايدا في المجتمع..فماذا عن دور اليسار؟ هذا يتوقف علي ماذا يعني اليسار..فنحن نخلط أحيانا بين ماهو ليبرالي يطالب بالديمقراطية وكذا * أنا أقصد اليسار التقليدي؟ لم يعد ثمة يسار بهذا الشكل التقليدي. * إذن ماذا يعني اليسار في مصر الآن؟ يعني الدعوة لعدل اجتماعي, والدعوة لديمقراطية وتعديلات دستورية, والدعوة لحرية وليبرالية, والدعوة لحرية الاعتقاد, والدعوة لحرية مواجهة التأسلم ومواجهة التطرف الديني..وهذه المطالب لاتتحقق بدون وحدة وطنية حقيقية..هذا هو اليسار..وبدون كل هذه المحاور لا أمل بالنسبة لأي قوي يسارية * وكيف يحقق اليسار هذه المبادئ الخمسة التي تحدثت عنها وأنت تصف اليسار الجديد؟ لايمكن ان يكتفي اليسار بشعارات مجتمعية, مثل الفقر والعدل الاجتماعي, فهذا لن يأتي مصادفة, والسماء لاتمطر عدلا, ولكنه يأتي عبر حركة جماهيرية واسعة, وفي نفس الوقت عبر ديمقراطية حقيقية وحرية تعبير ومواجهة التأسلم, لأنه في اللحظة الحرجة سيقف المتأسلمون الي جوار كبار الأغنياء, كما وقف الاخوان ضد الشعب في انتفاضة1977 ووصفوا حركته بأنها كافرة. * وهل اليسار يتحرك الآن؟ نحن إزاء محاولة يسارية لاستجماع همم كل القوي الديمقراطية والتقدمية والليبرالية والعقلانية من أجل ان نحدث تغييرا في المجتمع لأنه لامستقبل دون المبادئ الخمسة التي تحدثت عنها ويجب ان نتحرك معا..وبالتوازي من أجل إحداث نهضة. * وما مهمة التجمع ومكانه في قلب هذا اليسار الجديد؟ هدفنا في التجمع النضال لتحقيق هذه الأهداف الخمسة, نأخذها معنا في أحضاننا, ونجمع حولها كل قوي اليسار, والقوي الأخري التي ترغب في التعامل مع تلك المبادئ * هذا يساري غير تقليدي! أه.. طبعا * وقضاياه تختلف! ** بل تتسع لتشمل كل هذه القضايا * هل هو يسار مجتمعي؟ أسميه اليسار الحقيقي, لأن البعض قد يتصور أو يتهيأ له انه يبقي ليبراليا لنفسه, وبنفسه, ويتحدث عن مجتمع حر تزقزق فيه العصافير, بينما الليبرالية الحقيقية نضالية تسهتدف تغيير المجتمع إلي الأفضل. * وهل ستكون مهمة هذا اليسار معارضة أو مواجهة الحكم؟ لا نحن نواجه سياستين, الأولي سياسة الحكم التي نراها خاطئة, ولا تعطي أفقا للمستقبل, لامجتمعيا ولا ثقافيا ولافكريا ولا سياسيا, والثانية التي نواجهها سياسة التأسلم السياسي التي تحاول اقتياد والمجتمع خلفها.. والاثنتان لهما موقف اجتماعي متشابه.. وليست مهمتي أن أفاضل بين إحداهما, وانما أوجه تناقضا ضد الطرفين, الاسلام السياسي ليتحول إلي تأسلم دعوي لأن اتحاد الدين في السياسة كارثة شاهدناها في مجلس الدولة. * والطرف الثاني؟ الحزب الوطني.. وأنا لا أسعي لنفيه وانما إلي أن يصبح حزبا حقيقيا, وينفذ ما يقول, فمثلا حين يتحدث عن العدل الاجتماعي يجب أن ينفذ, فالعدل الاجتماعي ليس أمرا غامضا, وانما هو إعادة توزيع الدخل القومي توزيعا عادلا.. وهو لا يفعل ذلك.. وقس علي ذلك أيضا استهداف الفقر كما يقولون.. لكننا في حاجة إلي تعريف الفقر أولا.. ونحتاج منه إلي شفافية ومواجهة شاملة للفساد, وليست انتقائية. * دعنا ننتقل إلي طرف دخل حديثا في المعادلة السياسية والجماهيرية, وهو الحركات الاحتجاجية.. كيف تراها؟ الحركات الاحتجاجية الجديدة ظاهرة ايجابية موجودة في كل أنحاء العالم, هم يضيقون ذرعا بالقبر الحزبي.. ينامون ويصحون ويغيرون مواقعهم دون أي مشاكل, لن يحاسبهم أحد.. ولا هم يحاسبون أحدا. فجماعات ألفيس بوك يقولون مايريدون.. لكنهم لايتلامسون مع الواقع الحقيقي للناس.. دعنا ندعوهم إلي هذا التلامس, وحينها ستعتدل شعاراتهم وسيعرفون ان المسألة ليست فتونة * لكن كيف تقيم ما قامت به هذه الحركات حتي الآن.. قبل أن ندلف إلي مستقبلها؟ لا يستطيع انسان ان يملي ارادته علي الجماهير.. وإنما الجماهير هي التي تملي ارادتها علي الجميع, علي سبيل المثال قل شعارا ضخما جدا, وانزل الشارع فلن يأتي وراءك إلا عشرة فقط.. المعيار الحقيقي ليس ان تجمع مائة شخص, ويقولوا أقصي ما يستطيعون.. وإنما القيام بفعل منظم * وما هو هذا الفعل المنظم؟ الفعل الثوري منظم مدرك لحقيقة الواقع الجماهيري, وعليك أن تتقدم عليه بنصف خطوة فقط, فإن لحقت بك, فعليك بنصف خطوة اخري, أما إذا لم يلحق بك فهذا يعني أنك خطأ.. والجماهير ليست غبية. * وما مستقبل هذه الحركات؟ رغم كل ما قلناه هذه الحركات لها مريدوها.. وهذا حقهم, وهو أمر طبيعي لأن الناس تري أن الأحزاب لا تجر, مثل سيارة بطاريتها ضعيفة تسير ببطء, أو تحتاج لدفعها. * ومن سيجر المجتمع خلال السنوات العشر القادمة؟ التحالف القائم علي المبادئ الخمسة التي قلتها, والحركات الاحتجاجية المؤمنة بذات المبادئ, والقوي الاجتماعية التي لا هي أحزاب, ولا هي حركات احتجاجية, من مواطنين ومفكرين ومثقفين ليبراليين وكتاب ورجال دين مسيحي, وإسلامي مستنيرين كل هذه القوي مؤهلة للتحرك مع بعضها للنهوض بهذا الوطن, وهي التي ستحقق أمل مصر, وبدونها أعتقد أنه مالم يغير الحزب الوطني نفسه بحق, فسنترك نحن وهو الساحة لقوي ثالثة تقوده. * وكيف يتحقق ذلك؟ بنضال مجتمعي واسع, فكري وثقافي وايدلوجي وعقلاني وديني مستنير.