هنا سيناء.. أو بالتحديد حدود مصر مع الكيان الصهيوني,300 متر فقط تفصلنا عن الأرض المحتلة وخط النيران الساخن الذي يعيش عليه هؤلاء البشر فقط.. وهم وحدهم القادرون علي مبارزة رمال النقب وإخضاع الطبيعة لهم.. هم بدو الصحراء, يعيشون بلا زرع ولا ماء.. لا بنية تحتية ولا مستشفيات فقط.. الصحراء وحب الوطن والعرف البدوي.. العزازمة حكايات من الحدود عبر السطور التالية: البداية كانت مع الطريق الصخري الذي تحفه اشجار الصبار من الجانبين معلنة أشواكها الفازعة علي الجانبين مدي التقشف والشقاء الذي يعيشه هؤلاء هناك.. وينتهي الطريق الصخري لنقبع وسط الجبال في حجرة واسعة من ثلاثة جدران فقط تتوسطها حفرة كبيرة مليئة بالحطب وتبدأ وجوه العزازمة في الظهور الواحد تلو الأخر مهرولين الي غرفة المجلس.. ويبدأ الجميع في لف سجائر التبغ العربي الخانق العتيق وتشتعل السجائر ليتوسط شيخ القبيلة حفرة الحطب ويمسك أحد الشباب ب مطحنة يدوية ليبدأ طحن حبوب القهوة العربي التي يزروعونها علي سبيل التوفير لا أكثر.. وعلي دخان لفافات التبغ العربي وصوت طحن الحبوب يأتي الصوت الأجش من قلب شيخ القبيلة قائلا بلهجته البدوية ياهلا بيكم في جبيلتنا, إنت هون بجانب لحدود.. إنت هون بمصر. أحلام مشروعة بادرته بالسؤال المتوقع والطبيعي الذي ظل يمزقني طوال الطريق كيف تعيشون هنا؟ فأجاب بضحكة إعتياد علي هذا الرد بأمر الله يا ولدي, نحنا بنحب مصر وما بدنا غير جبالها تحاوطنا, لكن ناسها كانوا أقسي من الجبل وبيقولوا إنا يهود مصر حتي بعد الثورة فسألت وماذا يعنون بذلك ليجيب عنه سليم عيد سليم صارخا أهل سينا كلهم ما يخونوا ونتحدي أي حد يجيب لنا بدويا من عندنا اتمسك جاسوسا لاسرائيل, كل الجواسيس كانوا من خارج سيناء. واستطرد خلفه شيخ القبيلة ليقول ياولدي.. نحنا ما بدنا غير حقوقنا هون وبدايتها بحقنا في انتخاب الرئيس القادم الذي سيحكم مصر ومشاكلنا أسهل مما يوحي لك الطريق والجبل. سألت شيخ القبيلة في هذا المكان المقفر, ماذا تريدون من الرئيس القادم؟ ما هي مشكلاتكم؟. فأجابني نحنا بدنا بطاقات مصرية, كيف يتحدث المرشحون عن تنمية سيناء وأرضها قبل أن يحلوا مشاكل أهلها الذين سيحكمونهم خاصة وأننا بأزمة هوياتنا الممحية لن نشارك في اختيار رئيسنا القادم, كيف لنا نحمي حدود بلاد ما بدها إيانا.. نحنا مات منا الاف من ايام النكسة وحتي بعد ثورة25 يناير فقط لأنهم بيحبوا بلادهم وأضاف في جملة إعتراضية أو كيف ما بنقول.. بلادنا. مجهود ذاتي وهنا قاطعنا محمد شتيوي الشاب السيناوي الذي أكد لي أن كل ما أراه هنا هو من نحت أيدي البدو فقد قاموا ببناء مدرسة لأطفالهم علي نفقتهم الخاصة لأنهم لايريدون لأطفالهم أن يكونوا بدوا غير متعلمين وبلا مستقبل فهم يطمحون لأن يذوب فارق الأقليم بين أطفالهم وبين أطفال الحضر والدلتا والعاصمة وهو أمر عائد للارادة السياسية التي حرمهم عصر مبارك من اختيارها بعد أن أجبرهم علي الحياة دون جنسية. وأضاف شتيوي ولكن بعد أن قمنا ببناء المدرسة يأتي الينا المدرسون من القاهرة ولا يعلمون أطفالنا شيئا بل أن الاستهزاء بأحلامنا وصل لدرجة أنهم يبيعون للأطفال الألعاب بالمدرسة. زيارة لبيت الله وعاد صوت شيخ القبيلة الأجش ليقول وسط رشفات القهوة العربي نحنا مشاكلنا كثيرة لكن أحلامنا بسيطة يا ولدي.. بدنا نزور بيت الله وبعدها نموت لكن أوراق البطاقة تمنعنا لأننا بدون جنسية, ورغم أن بعضنا خدم في الجيش مازال أبناؤنا يعانون من عدم وجود جنسية لهم. وإستكمل نحنا بنشتري المياه بآلاف الجنيهات شهريا وليس لدينا كهرباء ونشتري وقود لمولدات الكهرباء بآلاف الجنيهات شهريا.. هل لو كان الرئيس القادم حقا يريد العدالة الاجتماعية وتنمية سيناء ومنع التفرقة بين الاقاليم عليه أن يبدأ بحل أزمة الجنسية التي تعتصر قلوبنا. أبناء ولكن وعاد شتيوي إلي وبيده مجموعة من الأوراق تبين أنها11 شهادة ميلاد. وكلها لأطفاله والحق تعجبت لما قرأته فأطفاله الإحد عشر ليسوا بنفس الجنسية بل ان معظمهم بلاجنسية...3 مصريين وبعضهم فلسطينيون والأخرون بلا جنسية هكذا هو الحال يا أستاذ.. قالها شتيوي وعيناه دامعتان. غير معين وهنا قاطعنا الشيخ هويشل80عاما بدأ حديثه قائلا في عام1956 كنت عسكريا علي الحدود المصرية الاسرائيلية وبرضه غير معين الجنسية رغم ان كان معانا كارنيهات من الجيش المصري..عدد الناس اللي ما معاها ورق في العزازمة يصل الي اربعمائة اسرة ومنقدرش نمشي إلا من طرق التفافية طبعا زمان أمن الدولة كان يأخذنا ويأخذ أولادنا ويسجنهم ويلبسهم قضايا مخدرات وسلاح, ياما ذقنا الذل علي ايدهم وبصراحة لما مشيت الشرطة الجو مشي وراق ولا عدنا نسمع عن بلطجة ولا سرقة ولا شيء. امن دولة سألت شيخ القبيلة عن السلاح الذي يشاع وجوده في سيناء بكثرة فقال: نعم نحن لدينا سلاح ولكن صعيد مصر به كميات أكبر من السلاح, ونحن علي الأقل لانرفع السلاح إلا دفاعا عن أنفسنا وفي وجه العدو لا في وجه أبناء وطننا يا ولدي نحنا عانينا كثيرا من ضباط أمن الدولة ولم يكن من المعقول أن نرتضي ضياع شبابنا وأولادنا في قضايا ملفقة وكان عليهم أن يحموا أنفسهم ولكن علي من يريد أن يأخذ سلاح السيناوي أن يعفي عن القضايا الملفقة. وقاطعه أحد شباب القبيلة قائلا: نحنا منا بدو باعوا كل مايملكون في وقت الثورة لشراء سلاح يحمون به أنفسهم.. أعطوهم ثمن السلاح وأمنوهم وامنعوا تلفيق القضايا وسوف يسلمون اسلحتهم, ونحن لانتحدث عن رفع العقوبة عن ظالم أو قاتل ولكن لايعقل أن يكون أطفال في سن الحادية عشرة ارهابيين أو تجار مخدرات فبعض اطفال البدو لفقت لهم قضايا حكم فيها بالسجن المؤبد ولكن مايغفله الكثيرون هو أن كثيرا من شبابنا ماتوا برصاص اسرائيلي ليضيف والاسامي كثيرة ففي العام الماضي فقط سقط بالرصاص الاسرائيلي سليمان سويلم سليمان45 عاما وسلامة سالم عطية38 سنة عطية مصلح25 سنة جمعة رويحي17 سنة ومحمد سليمان معاودة25 سنة دهايبيش سلامة سليمان15 سنة..ماتوا علي الارض المصرية ولا واحد منهم مات جوه الاراضي الاسرائيلية ولا من شاف ولا من دري ورغم كده مش بنخاف ومش هانخاف وهانطلع الحدود ونحميها حتي لو مدوناش بطاقات برضه مش هانبطل حب في ارض بلدنا..مصر وقبل أن ينتهي الحديث مع العزازمة اخترقت أذاننا العبارات التالية..أنا مش مصري..الشهادة بتقول اني اجنبي بس انا نفسي ابقي مصري وكل يوم الصبح في المدرسة اللي المشايخ عملوها بنحيي علم مصر انا نفسي اطلع دكتور عشان اعالج بوي وسيدي..هكذا قال الطفل محمد ابن أحد المشايخ من قبيلة العزازمة ليضيف أنا بدي لما أكبر أحصل علي بطاقة تفيد اني مصري الجنسية كي أختار رئيس لايفرق بين اهلي وبين أهل القاهرة, انا مابفهم شيء من المدرس لأنه مابيتكلم مثلنا. وقبل أن نرحل طلبنا من محمد ان يكتب شيئا علي كراس لنري ان كان يجيد الكتابة فجاهد ليجمع شتات الحروف ليكتب..انا مصري. *** سطور من تاريخ القبيلة قبيلة العزازمة هي إحدي أهم القبائل التي تسكن صحراء النقب, ولما كانت صحراء النقب قبل أن تكون هناك حدود يقع جزء منها في سيناء والجزء الآخر في فلسطينالمحتلة فقد كانت مساكنهم موزعة هنا وهناك, بعد الحرب التركية البريطانية عام1910 تم ترسيم الحدود ليتوزع أبناء العزازمة إلي قسمين قسم داخل مصر يتبع الحكومة المصرية والاحتلال البريطاني, وقسم يتبع تركيا التي كانت تسيطر في ذاك الوقت علي منطقة الشام التي تتبعها فلسطين, وظل الوضع هكذا بعد نكسة1948, لكن الحدث الأهم في تاريخ العزازمة هو الآتي: عام1953 قام أحد أبناء قبيلة العزازمة بعملية فدائية داخل فلسطين, علي أثرها تم قتل إسرائيلي, وكإجراء انتقامي تم تكليف الوحدة(101) ذات التاريخ غير النظيف والتي كان يرأسها في ذلك الوقت( ايريائيل شارون) المعروف بدمويته لتنفيذ المهمة وكان قراره بالقضاء نهائيا علي هذه القبيلة وإبادتها ولما كان الوضع هكذا اضطر العزازمة إلي عبور الحدود المصرية واللجوء إلي مصر, وبالفعل سمحت لهم الحكومة المصرية بالدخول وأعطتهم ما يسمي ببطاقات تعارف تفيدبأن حاملها مقيم بمصر. بعد ذلك جاء عدوان1956 ومن بعده1967 واحتلت اسرائيل سيناء مع الكثير من الأراضي العربية, وقامت إسرائيل في هذا الوقت بتقسيم العرب في فلسطينوسيناء وكل المناطق العربية إلي قسمين قسم فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية وهم العرب الذين كانت مساكنهم في حدود الكيان الاسرائيلي قبل1967 وسمتهم عرب إسرائيل أما القسم الآخر وهم العرب الذين كانت مساكنهم خارج كيان اسرائيل قبل هذا التاريخ فلم تعطهم جنسيتها بل أعطتهم هويات كتب فيها فقط عربي, وهو الأمر الذي شمل عزازمة1953 الذين ظلوا في سيناء. ظل الوضع هكذا طيلة فترة الاحتلال, وبعد المرحلة الثالثة من انسحاب الجيش الإسرائيلي عام1982 تعشم هؤلاء أن تعطيهم الحكومة المصرية جنسيتها لكن ذلك لم يحدث, بل ظلوا لا يحملون جنسيات حتي يومنا هذا, أي في تلك الخانة المشهورة( بدون). ولكن علينا ان نعترف ان الحادث الأشهر الذي لفت الانتباه للعزازمة بل ربما احاطهم ببعض من الريبة هو ذاك الذي وقع في عام1999, ذلك العام الذي شهد لجوء قبيلة العزازمة في الجانب المصري إلي اسرائيل, ولكن علينا الا ننظر إلي النتائج أن دون نعرف مقدماتها وربما اسبابها.. صحيح ان الحدث جلل وصحيح انه قد هز كل الأرجاء خاصة وأن التليفزيون الإسرائيلي ومختلف وسائل إعلامهم قد استغلت هذا الحادث بالتأكيد لصالحها وللتشهير بالجانب المصري ولكن ما تعرضت له قبيلة العزازمة يجعلنا نتأمل ونقف طويلا فما حدث ان ثأرا بين قبيلة العزازمة والتياهة دق طبول الانتقام بعدما وقع قتلي من قبيلة التياهة علي يد العزازمة وبعد جلسة عرب تم تغريم العزازمة400 الف جنيه بالحكم العرفي.. فما كان من العزازمة إلا أن باعوا كل ما يملكون ليكون لديهم300 الف جنيه علي ان يتم تقسيط المبلغ المتبقي لقبيلة التياهة وقبل موعد تسليم المبلغ قامت قوات من امن الدولة بالهجوم علي قبيلة العزازمة وتمت سرقة المبلغ فما كان من العزازمة إلا ان حاولوا الهرب من أقرب نقطة علي الحدود مع اسرائيل فقامت الدنيا ولم تهدأ. ولكن نجحت السلطات المصرية في اعادتهم مرة اخري إلي ارض الوطن وساهمت في حل مشكلتهم مع قبيلة التياهة ووعدتهم بأنهم سيحصلون علي حقوقهم كاملة.