عليهم كل الواجبات.. وليس لهم أي حقوق, علي الحدود أسود تزأر في وجه من يقترب الي عرين الوطن ويتلقون بصدورهم العارية رصاصات الغدر كأول درع وأول جرس إنذار لمصر. بدون كهرباء ولا ماء ولا مستشفي ولا مدرسة ولا بنية تحتية ولا حتي تنمية ولا زراعة ولا صناعة ولا وظائف.. ولكن كل ما سبق لا يهمهم ويتعايشون معه ويتحايلون عليه ويهزمونه.. لكن الأكثر صعوبة أنهم مع أدائهم لكل واجباتهم بدون جنسية. وطنيون بلا وطن.. تجعلك حكاياتهم تسأل.. يعني إيه كلمة وطن؟.. يعني ارض؟ حدود؟ مكان؟ ولا حالة من الشجن؟ هناك في قبيلة العزازمة تجد الأرض تنطق باسم مصر.. الحدود تنطق بإسمهم.. وبشهدائهم.. والشجن يعتصر كل نظرة وكلمة وشهادة من شهادات اسود الحدود في قبيلة العزازمة التي نتحدث الي شيوخها وشبابها عبر السطور التالية. قبيلة العزازمة هي إحدي أهم القبائل التي تسكن صحراء النقب, ولما كانت صحراء النقب قبل أن تكون هناك حدود يقع جزء منها في سيناء والجزء الآخر في فلسطينالمحتلة فقد كانت مساكنهم موزعة هنا وهناك, بعد الحرب التركية البريطانية عام1910 تم ترسيم الحدود ليتوزع أبناء العزازمة الي قسمين قسم داخل مصر يتبع الحكومة المصرية والاحتلال البريطاني, وقسم يتبع تركيا التي كانت تسيطر في ذلك الوقت علي منطقة الشام التي تتبعها فلسطين, وظل الوضع هكذا بعد نكسة1948, لكن الحدث الأهم في تاريخ العزازمة كان في عام1953 عندما قام أحد أبناء قبيلة العزازمة بعملية فدائية داخل فلسطين, علي إثرها تم قتل إسرائيلي, وكإجراء انتقامي تم تكليف الوحدة(101) ذي التاريخ غير النظيف والتي كان يرأسها في ذلك الوقت( إيريائيل شارون) المعروف بدمويته لتنفيذ المهمة وكان قراره بالقضاء نهائيا علي هذه القبيلة وإبادتها من سطح الوجود ولما كان الوضع هكذا اضطر العزازمة الي عبور الحدود المصرية واللجوء الي مصر, بالفعل سمحت لهم الحكومة المصرية بالدخول وأعطتهم ما يسمي ببطاقات تعارف تفيد بأن حاملها مقيم بمصر. بعد ذلك جاء عدوان1956 ومن بعده1967 واحتلت إسرائيل سيناء مع الكثير من الأراضي العربية, وقامت إسرائيل في هذا الوقت بتقسيم العرب في فلسطينوسيناء وكل المناطق العربية الي قسمين قسم فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية وهم العرب الذين كانت مساكنهم في حدود الكيان الاسرائيلي قبل1967 وسمتهم عرب إسرائيل أما القسم الآخر وهم العرب الذين كانت مساكنهم خارج كيان إسرائيل قبل هذا التاريخ فلم تعطهم جنسيتها بل أعطتهم هويات كتب فيها فقط عربي, وهو الأمر الذي شمل عزازمة1953 الذين ظلوا في سيناء. ظل الوضع هكذا طيلة فترة الاحتلال, وبعد المرحلة الثالثة من انسحاب الجيش الإسرائيلي عام1982 تعشم هؤلاء أن تعطيهم الحكومة المصرية جنسيتها لكن ذلك لم يحدث, بل ظلوا لا يحملون جنسيات حتي يومنا هذا, أي في تلك الخانة المشهورة( بدون). ولكن علينا أن نعترف بأن الحادثة الأشهر الذي لفتت الانتباه للعزازمة بل وربما احاطتهم ببعض من الريبة هو ذاك الذي وقع في عام1999, ذلك العام الذي شهد لجوء قبيلة العزازمة في الجانب المصري إلي اسرائيل, ولكن علينا ألا ننظر الي النتائج دون أن نعرف مقدماتها وربما اسبابها صحيح أن الحدث جلل وصحيح أنه قد هز جميع الأرجاء خاصة وأن التليفزيون الإسرائيلي ومختلف وسائل إعلامهم قد استغلت هذا الحادث بالتأكيد لصالحها وللتشهير بالجانب المصري ولكن ما تعرضت له قبيلة العزازمة يجعلنا نتأمل ونقف طويلا فما حدث أن ثأرا بين قبيلتي العزازمة والتياهة دق طبول الانتقام بعدما وقع قتلي من قبيلة التياهة علي يد العزازمة وبعد جلسة عرب تم تغريم العزازمة400 ألف جنيه بالحكم العرفي. فما كان من العزازمة إلا أن باعوا كل ما يملكون ليكون لديهم300 ألف جنيه علي أن يتم تقسيط المبلغ المتبقي لقبيلة التياهة وقبل موعد تسليم المبلغ قامت قوات من جهاز أمن الدولة المنحل بالهجوم علي قبيلة العزازمة وتمت سرقة المبلغ فما كان من العزازمة إلا أن حاولوا الهرب من أقرب نقطة.. الحدود.. الحدود مع اسرائيل فقامت الدنيا ولم تهدأ. ولكن نجحت مصر في اعادتهم مرة أخري الي ارض الوطن وساهمت في حل مشكلتهم مع قبيلة التياهة ووعدتهم بأنهم سيحصلون علي حقوقهم كاملة. هكذا كانت قصة العزازمة تستحوذ علي كل تفكيري عبر الطريق في سيارتنا مع مرافقنا من شباب قبيلة العزازمة محمد شتيوي الذي تبرع بمرافقتنا في هذه الرحلة ليفتح لنا أبواب وصدور وقلوب قبيلته.. قبيلة العزازمة. وكلما اقتربنا كان هذا السؤال يلح علينا.. ما هذا الكم الهائل من اللون الاصفر وسط سيناء رغم ما تملكه الارض الخصبة من إمكانات.. ومع ثروات التعدين التي لو تم استغلالها لتحولت سيناء الي قطعة ذهبية تفيض خيرا علي مصر؟! بيوت صغيرة جدا وفقيرة تلوح لك من بعيد تشعرك بأنك تدخل علي مكان مليء بالبؤس والمرارة فتتساءل كيف يعيش هؤلاء؟, هل لديهم مستشفيات؟ مدارس؟ خدمات؟ ولا كله بالمجهود الذاتي؟ لم تعترضنا وجوه ضباط أمن الدولة المنحل المنتمين للنظام البائد وتبدلت بوجوه مبتسمة صافية هي وجوه أبناء جيشنا العظيم وهي تلقي بكل ذوق نظرة علي البطاقات, وداخل هذه البيوت التي تنم عن فقر شديد كان اهل الكرم الشديد.. وعلي رائحة الدخان العربي كان حديثنا مع شيوخ وشباب قبيلة العزازمة. البداية كانت من عند الرجل العجوز الذي حفرت التجاعيد وجهه.. عم سليمان مصلح سالم تحدث وهو يلف سيجارة الدخان العربي الثقيل قائلا.. نحنا مش لاجئين نحن مصريين أبا عن جد.. يا بنيتي عوزين حقنا في الوطن اللي احنا بندافع عنه وبننتمي اليه وبنحبه, نحن وقفنا أسودا وصقورا علي الحدود ايام الثورة وكانت حدودنا مفتوحة وقلنا لو فكرت اسرائيل في اي لحظة وانتم في ميدان التحرير وبالعريش والشيخ زويد بتواجهوا أمن الدولة وتقولوا يسقط مبارك ونحن كلنا عن بكرة ابينا كنا واقفين لجنة شعبية تراقب الدوريات الإسرائيلية وعندما كنا نشعر بحركة غريبة نبلغ الأجهزة المصرية. نعم نحمل السلاح ولكنه موجه للعدو الاسرائيلي وجهنا للصهاينة وظهرنا لبلدنا مصر, لكن كمان احنا من حقنا يكون معانا ورق. هوية... اثبات للشخصية, كل الحكاية إن احنا معانا وثائق مكتوب عليها غير معين الجنسية يعني بدون نحن مين؟ حد يجاوبنا؟. قاطعه عم سالم هليل عيد80 عاما بصوت صارخ متألم عاوز الجنسية عشان اطلع احج, نفسي ازور بيت الله الحرام قبل ماموت... الوثائق اللي معانا مافيش حد معترف بيها وأنا عمري مانزلت القاهرة وبسمع عنها من احفادي لكن كل امنيتي هي زيارة بيت الله. كل عام نقدم اوراقنا بالعريش ويقولون لنا انهم قدموه للسفارة السعودية هكذا قطع الحديث الشيخ عوض عيد ولكن دائما ما ترد السفارة بأن الورق غير مقبول.. فلوساتي جاهزة وما بدي شئ من حد لكن نفسي اشوف بعنيا المسجد الحرام والمسجد النبوي وأموت. الشيخ هويشل80 عاما بدأ حديثه قائلا في عام1956 كنت عسكريا علي الحدود المصرية الاسرائيلية وبرضه غير معين الجنسية رغم ان كان معانا كارنيهات من الجيش المصري.. عدد الناس اللي ما معاها ورق في العزازمة يصل إلي اربعمائة اسرة ومنقدرش نمشي إلا من طرق التفافية طبعا زمان أمن الدولة كان يأخذنا ويأخذ أولادنا ويسجنهم ويلبسهم قضايا مخدرات وسلاح, ياما ذقنا الذل علي إيدهم وبصراحة لما مشيت الشرطة الجو مشي وراق ولا عدنا نسمع عن بلطجة ولا سرقة ولا أي شئ. سليم عيد سليم بدأ حديثه متمردا صارخا قائلا أهل سيناء كلهم ما يخونوا ونتحدي أي حد بيجبلنا أي بدوي من عندنا اتمسك كجاسوس لاسرائيل إحنا عندنا وطنية جامدة وبنحب مصر لكن حاسين إننا خدامين عندكم وبنحرس الحدود أونطة بيقولوا لنا إن الشرطة هاتنزل تستلم عملها الأمني وما عندما مانع ينزلوا لكن بشروط أولها إنهم يحترمونا ويقدروا عادتنا وتقاليدنا ولو شافوا العمم اللي فوق رءوسنا ميقولوش لينا يهود سينا ولا يوقفوا عربياتنا ويقولولنا خد يا واد يا عرباوي وينزل ضرب وشتيمة فينا.. عايزين عيالنا تتعلم وعشان يدخلوا المدارس لازم يكون معاهم ما يثبت انهم مصريون. وهي فين المدارس والمستشفيات ولا حتي الكهرباء والمياه.. هكذا قطع الحديث عودة ارتيم عيد قائلا.. عربية المياه نشتريها من العريش بألف جنيه للشرب فقط وتكفينا شهرين فقط لكن فيه ناس غلابة عندنا ميقدروش يشتروا المياه فبيشربوا مياها مالحة لما كلاويهم اتهرت, اتوقعنا بعد الثورة إننا نستريح ونعيش مصريين طبيعيين لكن بعد الثورة محسيناش ان فيه حاجة اتغيرت والله إحنا بنتمني الموت من يأسنا وزهقنا من كتر اللي بيقولوه لينا بكره هاناخد بطاقات.. شبابنا مقدمين علي الحج من سنين طويلة وهايموتوا قبل ما يحجوا الثورة بتقوم عشان الناس تاخذ حقها ونحن شاركنا بس كنا علي الحدود وكتير جدا مننا ماتوا برصاص اسرائيلي مش بس الضباط اللي في الكونتيلا اللي قامت الدنيا ومقعدتش عشانهم, والاسامي كثيرة ففي العام الماضي فقط سقط بالرصاص الاسرائيلي سليمان سويلم سليمان45 عاما وسلامة سالم عطية38 عاما وعطية مصلح25 سنة وجمعة رويحي17 سنة ومحمد سليمان معادوة25 سنة دهايبيش سلامة سليمان15 سنة.. ماتوا علي الارض المصرية ولا واحد منهم مات جوه الاراضي الاسرائيلية ولامن شاف ولا من دري ورغم كده مش بنخاف ومش هانخاف وهانطلع الحدود ونحميها حتي لو مدوناش بطاقات برضه ما هانبطل حب في ارض بلدنا.. مصر. انا مش مصري.. الشهادة بتقول اني اجنبي بس انا نفسي ابقي مصري وكل يوم الصبح في المدرسة اللي المشايخ عملوها بنحيي علم مصر انا نفسي اطلع دكتور عشان اعالج بوي وسيدي هكذا قال الطفل محمد ابن احد المشايخ من قبيلة العزازمة حين سألناه عن دراسته. وعن حال المدرسة قال محمد انا ما بفهم شئ من المدرس لأنه ما بيتكلم مثلنا فطلبنا منه ان يكتب شيئا علي كراس لنري ان كان يجيد الكتابة فجاهد ليجمع شتات الحروف ليكتب أنا مصري. أما مرافقنا محمد شتيوي فتساءل سؤالا وجيها: لماذا نشعر بهذه العنصرية لم يقولون مصري وبدوي؟ نحن مصريين أكتر من أكثرهم وطنية.. وبنموت ونعيش في ها البلد ونحن ندافع عنها. خرجت من حجرة المجلس وقد ضاق صدري ليس برائحة الدخان العربي الثقيل ولكن بهموم ومآسي ابناء العزازمة.. كدت ابكي أكثر من مرة وأنا أسمع كلمة مصر علي لسان هؤلاء الرابضين علي الحدود.. مصر هنا لها طعم أخر وكأنها شجرة نبتت في وجه الريح والرمال والشمس ترفع علي أعلي اغصانها العلم.. ولكنني بكيت حقا واستسلمت حين قالها محمد شتيوي مصر اتولدت بعد25 يناير ونحن اتولدنا معاها وهنا رنت في أذني كلمات الشاعر احمد فؤاد نجم التي تغني بها الشيخ إمام.... واه يا عبدالودود يا رابض ع الحدود ومحافظ ع النظام كيفك يا واد صحيح عسي الله تكون مليح وراجب للامام.