يبدو ان فرنسا اجرت بالفعل عملية تغيير وجه ناجحة بانتخاب الاشتراكي فرانسوا اولاند رئيسا للجمهورية, وطي صفحة الرئيس نيكولا ساركوزي الذي انضم إلي قائمة من عشرة زعماء أوروبيين اطاحت بهم الازمة الاقتصادية منذ اواخر عام.2009. اذن عاد اليسار إلي ميدان الباستيل واعاد إلي الاذهان احتفالات عام1981 عندما اصبح فرانسوا ميتران أول رئيس اشتراكي ينتخب انتخابا مباشرا. ويبدو ان اليمين في فرنسا وربما في اماكن اخري من العالم قد استنفد كل اوراقه, حيث بدا المجتمع الفرنسي كغيره من المجتمعات الأوروبية, بحاجة إلي روح جديدة ونفس جديد ربما يمثله اليسار اليوم, بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا كلها وليس فرنسا, فقط وسط موجة من السخط الشعبي المتزايد علي خطط التقشف والازمات المتوالية. وقد اقر ساركوزي الذي عاقبه الناخبون لفشله في كبح جماح معدل البطالة الذي بلغ عشرة بالمائة واسلوبه الشخصي الذي وصف بالتهور بالمسئولية السياسية الكاملة عن الهزيمة, ووعد بالانسحاب من الساحة السياسية, وسط توقعات بالعودة إلي مهنته الاصلية وهي المحاماة. ومن شأن فوز اولاند ان يمنحه المزيد من السلطة للمضي قدما في تعهده بوقف موجة إجراءات التقشف التي تقودها المانيا والتي اثارت احتجاجات في جنوب أوروبا وتجعله يعيد التركيز علي سياسة اقتصادية تعتمد علي تعزيز النمو. كما يضع هذا الفوز اليسار في موقف افضل للفوز بالاغلبية في الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل خاصة مع التوقعات بحصول الجبهة الوطنية علي نسبة من اصوات اليمين مما يضر بحزب ساركوزي. وإذا فاز الاشتراكيون في هذه الانتخابات التي تجري علي جولتين في10 و17 يونيو فسوف يمتلك الحزب الاشتراكي مقاليد السلطة بشكل لم يسبق ان حققه خلال تاريخه الذي يبلغ43 عاما بالسيطرة علي الرئاسة والبرلمان بمجلسيه وكل الادارات الاقليمية تقريبا وثلثي البلديات في فرنسا. ويعتبر اولاند ان فوزه في الانتخابات الرئاسية بداية حركة صاعدة في كل أوروبا وربما في العالم كله, حيث يقول لانصاره انتم بالتأكيد أكثر من مجرد شعب يريد التغيير, انتم حركة صاعدة في كل أوروبا, وربما في العالم, لحمل قيمنا وتطلعاتنا ومطالبنا بالتغيير وتحفيز الشعوب الأخري في اوروبا علي التغيير متعهدا بالانتهاء من التقشف. شهر عسل قصير ولايتوقع ان يستمر شهر العسل فترة طويلة بين فرانسوا اولاند وناخبيه حيث تنتظر الاسواق المالية مؤشرات واضحة بشأن سياساته ومدي استعداده لتبني خطط قوية لتحدي إجراءات التقشف التي تقودها المانيا. وقد اقر اولاند منذ اللحظة الأولي بان الاحتفالات لن تدوم طويلا, وقال هناك كثير من البهجة والفخر لكن يوجد ايضا خشية من تحمل هذه المسئولية في وقت عصيب للبلد ولأوروبا. ويبدو ان القرار الأول لاولاند سيكون شديد الرمزية وهو خفض مخصصات رئيس الدولة والوزراء بنسبة30%. وقد حذر اولاند ايضا من انه سيجمد لثلاثة اشهر اسعار الوقود ويزيد بنسبة25% معونة بدء السنة الدراسية والعودة جزئيا في اصلاح نظام المعاشات. وبعد ان يؤدي رئيس فرنسا الجديد اليمين الدستورية سيسافر إلي برلين ليتحدي تركيز المانيا علي سياسات التقشف ويطرح افكارا جديدة لتنشيط النمو الاقتصادي, بينما تظهر مجددا المخاوف بشأن ازمة ديون منطقة اليورو في اعقاب انتخابات غير حاسمة في اليونان التي جسدت ازمة اليورو, وعاقب ناخبوها اصحاب خطط التقشف, وهو ما قد يعني فصلا جديدا من فصول الازمة الأوروبية. اليونان علي الخط علي جانب اخر, بات اسم اولاند عنوانا للأمل في نظر كثير من اليونانيين الذين صوتوا لصالح الاحزاب المناهضة لخطط التقشف في الانتخابات الأخيرة, وكأنهم يبعثون برسالة تؤكد انهم بحاجة إلي تغيير في السياسة الأوروبية تقودها فرنسا في المرحلة المقبلة. فلم يعد لدي معظم اليونانيين صبر علي الاستمرار في خطة التقشف التي فرضتها الحكومة الائتلافية السابقة التي اختارت الدواء المر المتمثل في خطوات تقشفية لضمان الحصول علي مساعدات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ورغم الطريق المسدود للازمة المالية اليونانية وشبح الافلاس والانتخابات التي خلفت قدرا من الضبابية بشأن مستقبل البلاد, فلا تزال الصحف هناك تخصص مساحات واسعة للانتخابات الفرنسية مركزة الأمل علي اولاند ليخفف من إجراءات التقشف التي تخنق اليونانيين الذين يأملون بتحول مشكلتهم إلي ازمة أوروبية عامة. ولايزال كثيرون في اليونان يعتقدون ان بلادهم لحقت بقطار الاتحاد الأوروبي بفضل الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان, بينما يؤكد اخرون انهم كانوا يحبون الرئيس الفرنسي المهزوم ساركوزي الذي غالبا ما كان يذكر بجذور عائلته اليونانية المنحدرة من سالونيكي, إلا ان ذلك كان كما يقولون لدوافع عاطفية اكثر مما هي سياسية. الاسلاموفوبيا وقد كانت ظاهرة الاسلاموفوبيا وهي الخوف المرضي من الإسلام التي انتشرت بعد هجمات11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة حاضرة بقوة في المشهد الانتخابي الفرنسي, فاختار الفرنسيون المصالحة علي حساب المواجهة والاستئصال الذي تبناه ساركوزي بحربه علي المظاهر الإسلامية في فرنسا وتحديدا فيما يخص القوانين التي جري سنها لتجريم ارتداء النقاب في الاماكن العامة. في هذا السياق ايضا, عبر جمال شرقي منسق الحملة الانتخابية لاولاند عن التوجه الجديد قائلا, بمجرد ان اعلن اولاند رئيسا انطلق الفرنسيون في الشوارع مع العلم الفرنسي وهم يتصافحون ويتعانقون كشعب واحد تصالح مع نفسه, لافرق فيه بين فرنسي وفرنسي من اي اصول اخري, مصالحة مع الذات استطاع خطاب اولاند ان يؤسس لها طول الحملة الانتخابية. كما قدم اولاند وعودا اخري مثيرة للجدل مثل وعده بمنح المهاجرين الذين يقضون في البلاد خمس سنوات كاملة حق الاقامة القانونية, حق التصويت في الانتخابات, وهو وعد كان حزبه قد قدمه في الماضي دون ان يقدم علي وضعه موضع التنفيذ. وربما صبت تحذيرات لمنظمة العفو الدولية بشأن تفاقم العداء للاقليات المسلمة في أوروبا, في صالح اولاند, وضد ساركوزي قبيل الانتخابات حيث تحدثت المنظمة عن منع ارتداء النقاب, واستثناء المسلمين في التوظيف, بالاضافة إلي حظر بناء المساجد, فضلا عن التشريعات الداخلية التي تستهدف التضييق علي المسلمين الذين يشكلون نحو10% من اجمالي تعداد السكان بفرنسا. وحذرت المنظمة من تصاعد اليمين المتطرف الأوروبي عبر الانتخابات, وهو الأمر الذي دفع مسلمي فرنسا وهم أكبر جالية مسلمة في أوروبا إلي حشد اصواتهم للاطاحة بساركوزي في الاعادة عقابا له علي لهجته المعادية للمهاجرين العرب وللدين الإسلامي. وتعبيرا عن ذلك, قال فرنسوا لورسيري وهو احد علماء الاجتماع انه لم يعد بمقدور مسلمي فرنسا ان يتحملوا اكثر من ذلك, فقد سئموا من تلك النقاشات الدائرة بشأن الهوية القومية أو اللحم الحلال أو النقاب والاصولية في كل مكان.