وكأن المصريين اتخذوا من الخلاف وعدم التوافق شعارا لهم بهذه العبارة يمكن وصف حال أبناء مصر خلال بنائهم لبلادهم من جديد ففي كل قضية أزمة تحتدم فيها الصراعات غير أن ما حملته أزمة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور كانت الأكبر والأكثر عبثية منذ بدايتها فمنذ الاعلان عن البدء فيها حتي أصبح الأمر بمثابة خناقة بين أطراف متعددة ضاقت الحلقات فيها تحت وطأة المطالبة بالتوافق حتي وصلت الخناقة إلي طرفين أساسيين صار بينهما المواطن العادي والذي قد لا يهمه الدستور من الأساس في خضم متاهة كبيرة وما بين توافق العسكري وتوافق البرلمان تاهت اللجنة التأسيسية للدستور. البداية كانت مع البرلمان الذي رأي أعضاؤه وخاصة تيار الأغلبية به من الإسلاميين أحقيته كمؤسسة منتخبة تمثل الشعب في وضع الدستور وكان القرار بأن يتم التصويت علي تشكيل لجنة المائة التي ستؤسس للدستور ونسبة وجود أعضاء البرلمان فيها وجاءت النتيجة بموافقة أغلبية البرلمان علي أن يمثل أعضاؤه بنسبة50% من اللجنة وهو ما أثار غضبا مجتمعيا كبيرا وتم الطعن قضائيا حتي قضت محكمة القضاء الاداري ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ورغم أنه لاقي ترحيبا كبيرا غير أن استمرار حالة عدم التوافق ووضع المعايير كانت المنغص الذي ظلت مصر بسببه تبحث عن خروج آمن عله قريب. توافق إيه؟ دا كل جماعة دلوقتي مبتدورش علي الصالح العام والحكاية بقت عاملة زي ما يكون كبير العائلة مات والأولاد قاعدين يخطفوا في التركة حتي قبل ما يدفنوه بهذه العبارة رد عم محمد سائق بهيئة النقل العام علي سؤال حول أزمة الدستور والتوافق وما يعرفه عنها نافيا أنها قضية لا تخص المواطن العادي. وبحدة يقول: ما تخصناش ازاي هو مش احنا الشعب والثورة أصلا قامت لما قالوا الشعب يريد وبعدين الدستور ده هو اللي هيحكمني ويحكم اللي هيحكم البلد يبقي يخصني ونص احنا مش هنرجع تاني نقول الناس مش فاهمة وميهمهاش غير لقمة عيشها لأن الكلام دا هو اللي ودانا لورا وخلي اللي غاروا عملوا فينا وفي البلد اللي عملوه. وعن الحل من وجهة نظره قال الكلام المفيد بيقول اننا نعدي الانتخابات الرئاسية ونجيب رئيس احنا نختاره علشان نبقي عارفين أنه المسئول وميقعدش يقول مليش دعوة لازم تتفقوا وغيره وباختيارنا له هيكون قوي وكلمته نافذة علي الجميع لأنه بصراحة الحكاية مسخت ولازم يكون فيه رئيس حمش يلم البلد ويظبطها مش كل واحد معرفش طلعلنا منين ومش حاجة يخرب لنا الدنيا. أقول إيه!! محمد وجيه شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره سؤاله عن رأيه كمواطن مصري يحمل خلفية قانونية قال بتنهيدة أسي والله مش عارف أقول ايه وتابع مبقناش عارفين فين الصح وفين الخطأ ودخلنا طريق سد يمكن أن يستغرق عاما كاملا حتي ننتهي منه رغم أن كان المفروض من البداية أن نسير في خطوات معروفة للخبراء والمتخصصين. وأضاف وجيه المفروض من يضع الدستور ناس فاهمين فيه لأن المسألة مش قعدة عرب ولا خناقة أو غنائم يتم توزيعها واحنا كده مش هنخلص والليل شايفينه ان مفيش حد عاجبه حاجة غير رأيه واللي عايز يعمل حاجة بيعملها مش منتبهين جميعا اننا كده هنعمل انتخابات رئاسة قبل وضع الدستور وصمت وجيه قليلا ثم تساءل مستنكرا طب والرئيس اللي جاي ده هيحلف اليمين ويقول انه هيحمي الدستور والقانون ازاي ومفيش دستور أساسا والحل الوحيد للخروج الآمن من مأزق التأسيسية دلوقتي أننا نحيي دستور1971 مرة أخري بعد تنقيحه من المشكلات الموجودة فيه والمواد المرفوضة أو التي تحتاج إلي تعديل. وللخبراء رأي.. اتفق مع محمد وجيه في الرأي الدكتور ثروت عبدالعال أستاذ القانون الدستوري بجامعة أسيوط الذي حصر عيوب دستور1971 في الباب الخامس منه الخاص بنظام الحكم وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية مع ضرورة تضمين تحمله للمسئولية مقابل ما يتمتع به من صلاحيات. وبعبارة هذا هو حل المأزق الحالي لكنه ليس الحل الذي كان يجب من البداية لكن أما وقد حدث فلابد من الالتزام بمحددات أساسية للخروج الآمن من الأزمة مشيرا إلي ضرورة الأخذ بالحل الوسط بالالتزام بحكم القضاء وتمثيل جميع مؤسسات المجتمع من جامعات ونقابات ومؤسسات دينية وغيرها بترشيح شخصيات ينتخب من بينها البرلمان فيكون الانتخاب محددا من بين الترشيحات المقدمة له لأن له الكلمة النهائية للبرلمان في انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور وفي الوقت نفسه لم يطلق له السلطة الكاملة في الاختيار. وفجر عبدالعال مفاجأة بقوله اطلاق اسم اللجنة التأسيسية للدستور هو لفظ من قبيل التجاوز فهي لجنة من اختيار البرلمان لوضع مشروع للدستور يعرض في النهاية علي الشعب للاستفتاء عليه له الحق في الموافقة أو الرفض الذي لو حدث يعاد السيناريو من جديد مع مراعاة المأخذ التي جعلت الشعب يرفض مؤكدا أن مصر علي مدار تاريخها الدستوري لم تأخذ بأسلوب التأسيسية. انتباه!! من جانبه, أكد عبدالغفار شكر, رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي, أن الخروج الآمن من مأزق اللجنة التأسيسية للدستور يتطلب إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها قائلا: لابد أن يكون لدينا رئيس منتخب يتولي السلطة من أول يوليو مع حل النقطتين الخلافيتين اللتين فجرتا الأزمة, سواء الخاصة بالأعداد ونسب التمثيل والمعايير التي تم وضعها بعد لقاء المجلس العسكري مع القوي السياسية أو نظام التصويت داخل النقاش, حيث كان الإصرار علي موافقة الثلثين, وهو ما رفضته جماعة الإخوان المسلمين التي اشترطت50%+1 وتم اقتراح أنه إذا لم يحدث توافق يكون اللجوء إلي التصويت بنسبة57%. وتابع شكر: لابد للقوي السياسية من الانتباه إلي أننا مقبلون علي مشكلة كبيرة إذا ما صدر حكم بعدم دستورية قانون الانتخابات الذي سيستتبعه حل البرلمان, وهو ما يعني عدم تسليم السلطة واستمرار المجلس العسكري في إدارة أطول للفترة الانتقالية مطالبا القوي السياسية بالتضافر والتوافق لإنهائها حتي تدخل البلاد لمرحلة الاستقرار واستكمال بناء المؤسسات. ظاهرة صحية الدكتور محمد باهي رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية من جانبه كان له رأي مختلف, حيث أكد أن الخلاف وعدم التوافق بالأساس ظاهرة صحية تمر بها البلاد عقب الثورات ويجب دعمها وإثراؤها, حيث تصب في اتجاه زيادة الوعي والتثقيف الذي أصبح عدوي إيجابية بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم, ويكفي أننا جميعا اختبرنا بعضنا البعض وعرفنا لمصلحة من يعمل كل فريق. وقال باهي: العبرة ليست في سرعة إصدار الدستور, فكثير من الدول التي تقدمت بعد ثوراتها مثل فرنسا بقيت فترة وصلت لسنوات حتي أصدرت دساتيرها ومصر نفسها حكمت بإعلان دستوري بعد ثورة1952 وحتي1956 فالثورات تولد البلدان من جديد وكل ميلاد لابد له من ألم والخلاف مطلوب طالما يسير في طريق زيادة تفقه الشعب دستوريا وقانونيا ويكفي أن الجميع في مصر الآن يتحدثون عن أمور لم يكونوا يعرفونها أو يسألون عنها لولا الخلاف الدائر حولها بما يغذي إيجابية المواطن في سلامة رأيه عندما يستفتي علي مشروع الدستور بعد الانتهاء منه, لأن الشعب في النهاية هو صاحب الكلمة العليا والأخيرة رغم خلاف المتخصصين وغير المتخصصين من المتحدثين ليل نهار بين الرأي العام حاليا فكثيرون منهم تجسد فيهم قول الزعيم الهندي غاندي كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن. وطالب باهي القوي السياسية بتوحيد الجهود حول مصلحة مصر بالاحتكام لصوت العقل والمنطق في خطوات العمل رافضا الحديث عن ضرورة تمثيل أطياف المجتمع في لجنة كتابة الدستور, حيث رأي أن الدستور من منطلق أنه آمال شعب تتم كتابتها بأيدي المتخصصين بعد جلسات للاستماع لشرائح مختلفة من المجتمع ورصد رأي المجتمع سواء من خلال وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي الحالية بعيدا عن ممالأة السلطة أو الأحزاب علي أن تبدأ بعدها اللجنة التي يجب أن تتكون من أساتذة القانون ورؤساء الأحزاب وممثلي المؤسسات المجتمعية الذين سينتخبهم أعضاء البرلمان في عملها بكتابة الدستور مع الاهتداء بمعايير الدساتير السابقة مثل دستور1954.