مايحدث الآن في مصر من ارتباك في أداء وتفاعل النخب الثقافية والفكرية وعلي الأخص النخب السياسية منها التي لها علاقة مباشرة بإدارة تفاعلات السياسة والحكم هذه الأيام يذكرني بما كتبه المفكر العربي عبد الله العروي في مؤلفه أزمة المفكرين العرب عندما رأي أن النخب العربية هي أصحاب ردود فعل لا أصحاب أفعال فيما يتعلق بمصائر أوطانهم وأنظمتهم ومستقبلهم. فهذه النخب تؤكد يوما بعد يوم أنها أضحت جزءا من الأزمات التي تواجه بلدنا بدلا من أن تكون صاحبة الحلول الناجزة والفاعلة, ربما لأنها جزء أصيل من هذه الأزمات ومن ثم فإن ماتنتجه من فكر هو فكر مأزوم,وربما لأنها تفتقر الي الإبداع وشاءت أن تغرق يوما بعد يوم في مستنقع الرغائب الذاتية والمكاسب الشخصية والحزبية علي حساب الوطن ومستقبله ضاربة عرض الحائط بحقيقة أن هذا الوقت الاستثنائي ليس وقت المغانم أو المكاسب, ولكنه وقت العطاء الصافي الخالص والنزيه لمصر,لكي تنهض من كبوتها. فنحن نعيش أزمة علاقة حقيقية بين مؤسسات الحكم بعضها ناتج عن فداحة تركة الكوارث السياسية والاقتصادية والأمنية التي ورثها لنا النظام المخلوع ومنظومة تحالفاته الداخلية والخارجية, لكن أعتقد أن الجزء الأهم ناتج عن مشاكل خاصة بهذه النخب ومنظومة القيم والأخلاقيات والمباديء التي تحكم أداءها. هذا هو الواقع الحقيقي, وهذا هو السبب المباشر لكل الكوارث التي تواجه مصر الآن من أزمات أمنية واقتصادية وسياسية بدأت بالتردد في محاكمة رأس النظام ورموزه, وامتدت الي ماصدر من إعلان دستوري ومن فرض لأولوية الانتخابات علي إعداد الدستور وماحدث من تداعيات هائلة لتلك الكارثة التي نعيش ونحصد ثمارها الآن من أزمة حقيقية تتعلق باختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد. لو أن المجلس شاء تحقيق استقرار حقيقي في الحكم لدعم خيار الدستور أولا, وكانت ستنشأ جمعية وطنية يجري انتخابها من كل المصريين لوضع دستور يؤسس لعقد اجتماعي سياسي جديد يبني مصر التي نريدها, وبعدها يجيء انتخاب البرلمان بمجلسيه الشعب والشوري وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وفقا للنظام السياسي الذي سوف نستقر عليه في الدستور, وكان هذا الخيار سيحمي مصر من الانقسام الحالي حول من سيضع الدستور ومن سيختار الجمعية التأسيسية وكان سيحول دون أي شائبة تتهدد او يمكن أن تهدد دستورية أي من مجلسي البرلمان, وكان الاستقرار سيكون هو المحصلة, لكن مايجب شيء وماحدث شيء آخر, وهنا لايمكننا أن نتجاهل ونعيد السؤال عن:لماذا حدث ذلك؟ ولماذا كانت معركة الاستفتاء حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟ وهل كان المقصود والهدف أن نقع في كارثة مانحن فيه الآن من انقسام وصراع حول من سيختار الجمعية التأسيسية؟!الأسئلة كثيرة لكن أهمها يتعلق بالسؤال عن: ماذا يحدث الآن ولماذا؟ ماذا يحدث بالنسبة لما ردده أو زعمه البعض من تهديد من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة لمجلس الشعب أو بالتحديد لحزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية بأن حكم الطعن في دستورية مجلس الشعب موجود في درج رئيس المحكمة الدستورية العليا, وأنه قابل للتحريك. وماهي خلفيات مايحدث من ممارسات من جانب حزبي الأغلبية الحرية والعدالة والنور بالنسبة لاختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور, وماهي هي النتائج المحتملة للأزمة التي تفجرت في أروقة قاعة مؤتمرات مدينة نصر في أثناء الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري لاختيار الاعضاء المائة للجمعية التأسيسية لوضع الدستور من بين المرشحين من داخل البرلمان ومن خارجه ايا ما كان التفسير فنحن أمام كارثة لاينافسها غير كارثة التلاعب بالإرادة الشعبية في اختيار الأعضاء المائة الذين سيشكلون الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. الذي حدث أنه في الوقت الذي انهمك فيه النواب في عملية اختيار وتدقيق رائعة لاختيار الأفضل من بين المرشحين الذين بلغ عددهم2087 مرشحا فإذا بهم يفاجأون بأن هناك قائمة أعدتها قيادة حزبي الحرية والعدالة والنور تتضمن أسماء مطلوبا اختيارها من بين هؤلاء المرشحين, وهنا كانت الصدمة وبدأ التساؤل: هل كل ماكنا نقوم به طوال اليوم لم يكن إلا مجرد مسرحية هزلية لتمرير هذه القائمة؟ ولماذا يلجأ حزبا الإغلبية لمثل هذا الإجراء, هل هي الرغبة في فرض الوصاية؟ أو هي شهوة السلطة, ورغبة التمتع بممارسة القوة والنفوذ, والتمتع بسطوة الأغلبية؟.. الأسئلة كثيرة ومحزنة لكن الإجابات مريرة ومقلقة وتستلزم العودة لحديث العقل وتوخي الصواب أملا في تفادي الكوارث.