في سبتمبر الماضي وفي حديقة الفندق الذي كانت تعقد به قمة إفريقيا أمريكا الجنوبية الثانية بجزيرة مرجريتا بالبحر الكاريبي كنت أتبادل الحديث مع الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي ورئيسة الوفد المصري عن أهمية وجود مصر في هذه القارة البكر. وأخذت تحكي لي عن امتنان المسئولين الموجودين في القمة لمصر ودورها المهم في العالم وأنها بوابة عظيمة للتواصل مع الشرق الأوسط والعالم العربي وشرق العالم وأنهم علي استعداد دائم لفتح مجالات التعاون مع مصر.. فوجئنا الوزيرة وأنا بخروج الرئيس هو جو شافيز من لقائه وقتذاك مع الرئيس القذافي بخيمته وتبادل معنا الحديث حول دور مصر وحبه لكل ماهو عربي وأنه متشوق لزيارة مصر لمشاهدة حضارتها العظيمة, وقمت باستغلال الفرصة وطلبت إجراء حوار معه.. ووافق علي الاقتراح. ولكنه أرجأه إلي وقت لاحق نظرا لضيق الوقت ووجود54 رئيس دولة ورئيس حكومة في القمة وقال: يمكنك زيارة فنزويلا مرة أخري لإجراء الحوار. لمحت إلي جواره الدكتور ريمون قبشي مستشاره ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط الذي وعدني بالمساعدة لإجراء حوار مع الرئيس في وقت لاحق وفي المساء اصطحبني الدكتور قبشي وكان برفقتنا السفير عفيف تاج الدين سفير فنزويلا في ليبيا وتونس وتشاد إلي النادي العربي المطل علي ساحل البحر الكاريبي وحكي لي عن وجوده في فنزويلا وكيف صعد إلي هذه المكانة. يقول الدكتور قبشي أن سبب هجرته من بلده لبنان في الأربعينيات من القرن الماضي يعود لما خلفته الحربان العالميتان الأولي والثانية وتأثيرهما علي أوطاننا وجئت أنا وإخوتي إلي هنا وكان بحوزتي آنذاك100 دولار فقط وعملت كما عمل المغتربون حتي أستطيع توفير مصاريف الدراسة ودرست الحقوق لحبي الشديد للقانون ودراسة نظم الحكم ومعرفة أين يكمن الحق والعدل. ويقول الدكتور قبشي تخرجت في كلية الحقوق ثم عملت أستاذا للعلوم السياسية بالمعهد الدبلوماسي التابع للخارجية الفنزويلية ثم مستشارا للرئيس ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط ويضيف الدكتور قبشي قائلا إنه علي الرغم من أن الجالية العريبة في فنزويلا يقل عددها عن المليون نسمة إلا أن تمثيلها في البرلمان والحكومة كبير فهناك وزراء وسفراء وبرلمانيون ورجال أعمال. ويضيف الدكتور قبشي أنه رغم أن رئيس الدولة وإن لم يكن ينتمي دما للوطن العربي فهو يتبني تأييد القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ولاننسي أبدا دفاعه عن الحضارة العربية واعترافه دوما بأن فنزويلا مدينة للمهاجرين العرب في بناء حضارتها الحديثة. بالاضافة إلي حبه الكبير للزعماء العرب خاصة الزعيم جمال عبدالناصر حيث يقول دوما إنه الناصري الأول في العالم. قلت له لدي معلومات تؤكد أن الظهور الحقيقي للعرب المهاجرين علي المسرح الفنزويلي قد تجلي واضحا في عهد الرئيس هوجوشافيز ويتضح هذا في المجلس التشريعي حيث حجز المهاجرون العرب7 مقاعد بالإضافة إلي رئيس إحدي الجامعات الكبيرة ومحافظ لأغني ولاية نفطية( أنزو أوبتبمي) واسمه طارق صعب من جبل الشيخ بمنطقة الدروز بلبنان والجنرال خوسيه خورخي بيروتي مدير عام التخطيط بوزارة الدفاع الفنزويلية وهو من أصل لبناني وأيضا رئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان وعدد من السفراء بالإضافة لمجموعة من الوزراء في الحكومة الأخيرة وهم إدوارد سمعان وزير التجارة وهو من أصل سوري ووزير الداخلية طارق الهيثمي من أصل سوري أيضا وإلياس حوا وزير الزراعة وهو من أصل لبناني وأكثر من2000 رجل أعمال. فرد الدكتور ريمون قبشي قائلا: هذا حقيقي وسوف تتعرف علي الكثيرين منهم هنا. من الصفر للقمة التقط السفير عفيف تاج الدين وهو من أصل سوري خيط الحديث ليتحدث عن تجربته قائلا: سافرت في مقتبل العمر إلي فنزويلا للبحث عن فرصة عمل حال كل الشباب في تلك الفترة بمعني آخر بدأت حياتي من الصفر وتدرج بي الحال تحت شعار العصامية إلي أن أصبحت رجل أعمال بالاضافة لعملي الدبلوماسي وخلال تلك الفترات لم ننس أوطاننا, لقد حملنا وجيلي المهاجر آلام الوطن نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية واحتلال الأراضي العربية وعزمنا علي مواصلة النضال ولكن في بلد آخر وبطريقة أخري فعقدنا العزم علي النجاح والإنجاز في أعمالنا ومن ثم كان لنا دور في بناء الاندية والمؤسسات العربية الناطقة بقضايا الشعب العربي ومشاكل المهاجرين العرب ايضا بذلنا جهدا كبيرا في تعريف الشعب الفنزويلي بقضايا الشعوب العربية من خلال اتحاد الشباب العربي الفنزويلي في مراكايبو1979 والنادي العربي الفنزويلي في منطقة كاروا1984 كما عملنا مع لجان التضامن مع فلسطين ولبنان ونيكاراجوا وكوبا, وايضا شاركنا مع اتحاد الاندية والمؤسسات العربية في آراب وايضا ساهمنا في العمل الاجتماعي علي خلفية وطنية, وقد ساعدت المؤسسات التي بنيناها في دعم العمل العربي وقضاياه ومساعد الشعب الفنزويلي في مواجهة قوي الاستعمار. ويضيف السفير عفيف تاج الدين قائلا: عندما حصلنا علي الجنسية الفنزويلية1980 وفرت لنا الاجواء الديمقراطية امكانية المنافسة ضمن قوي اليسار التي عملت معها منذ1974 خاصة بعد ظهور القائد شافيز حيث عملنا مع القوي التقدمية في البلاد علي ترشيحه لرئاسة الجمهورية1998 وعند نجاحه شكلت اللجنة الدستورية لقيام المجلس الجديد وكنت مرشحا لمجلس النواب في قائمة القوي المؤيدة لشافيز ومن ثم عملت رئيسا لإحدي المؤسسات الوطنية ثم اوكل الي بعد ذلك مهمة تمتين العلاقات بين فنزويلا والدول الافريقية بشكل عام لأننا ننظر الي افريقيا برؤية الصداقة والنضال المشترك من اجل نظام عالمي جديد تسوده علاقات الاحترام المتبادل والعدالة فأصبحت سفيرا لفنزويلا لدي ليبيا وتونس وتشاد. ويضيف تاج الدين: لقد حلمت منذ الصغر بعالم جديد تسود فيه قيم العدالة وبظهور القائد شافيز تجدد الامر بالانتصار علي الامبريالية وبناء مجتمع اشتراكية القرن الحادي والعشرين. مليون عربي عاودتني آلام الضروس في منتصف احدي الليالي بعد عشاء دعتني اليه مجموعة من الصحفيين الفنزويليين بمناسبة فوز فريق فنزويلا للشباب بإحدي مبارياته في كأس العالم للشباب التي اقيمت بالقاهرة متزامنة مع فترة وجودي بفنزويلا قائلين ان مصر وش السعد عليهم والاحتفاء بي كأول صحفي مصري يتعرفون عليه. نزلت الي الشارع بحثا عن احدي الصيدليات وبعد عناء كبير وجدت صيدلية عليها لافتة تشير علي الطريقة المصرية الي انها خدمة24 ساعة اخذ صاحبها يحملق في وجهي وقال رغم انك تتحدث بالاسبانية الا ان روحك عربية وعندما عرف انني مصري قال تفضل يا اخي انا عبد الكريم ابراهيم رجل اعمال من جبل لبنان لمحت وراءه صورة للزعيم جمال عبد الناصر حدثني عن حبه لمصر ام الدنيا وكبيرة العرب وحكي لي عن رحلة الهجرة من لبنان الي فنزويلا وقال: جئت الي فنزويلا من20 عاما وكان كل ما امتلكه20 دولارا فقط وعملت في كل انواع العمل الخدمي الي ان تخصصت في مجال الادوية واصبح عندي الان سلسلة من الصيدليات المنتشرة في جزيرة مرجريتا ويضيف قائلا: إن العشر سنوات الماضية وهي فترة حكم شافيز كانت رائعة بالنسبة للعرب المهاجرين وداعمه لهم وعندما نري لديه كل هذا التعاطف مع قضايا امتنا يجعلنا نضاعف من مجهودنا من اجل نهضة هذا البلد ووضعه علي الطريق الصحيح نحو التقدم والازدهار ولك ان تتخيل مليون شخص من اصل عربي كلهم متميزون في اعمالهم وعلامات مضيئة في هذا البلد ليس في مجال التجارة فقط الذي يعمل فيه مالا يقل عن2000 رجل اعمال من اصل عربي ولكن ايضا في مجالات العلم والسياسة والثقافة. شريط الذكريات واثناء حديثه مر امامي شريط الذاكرة وتذكرت بداية الهجرات العربية لدول امريكا اللاتينية في ستينيات القرن التاسع عشر لاسباب سياسية في فترات الحكم العثماني ربما او لما وجده العرب المهاجرون من اراض بكر تساعد علي التجارة وتحسين الاوضاع الاقتصادية وتحقيق رغد العيش ثم توالي الهجرات في موجات متتالية بعد الحرب العالمية الثانية ونكسة1967 والحرب الاهلية في لبنان1975 وما انجزه هؤلاء المهاجرون في الدول التي هاجروا اليها وتساءلت داخل نفسي لماذا يبدع العرب دائما عندما يهجرون اوطانهم؟!!! وبعد نهاية حديثه قال لي غدا سأعرفك علي صديق من اصل سوري يعمل بالصحافة والاذاعة هنا ويدعي رغيد سمعان وهو شقيق وزير التجار ادوارد سمعان وعندما تقابلنا حكي لي رغيد عن حرية الصحافة في فنزويلا وان هناك3 آلاف وسيلة اعلام مقروءة ومسموعة ومكتوبة وفي اليوم التالي التقينا علي عشاء اقامة لنا رجل الاعمال اللبناني عبد الكريم ابراهيم بمقر الجالية اللبنانية وفوجئت ان رغيد سمعان قد اصطحب معه اخاه معالي وزير التجارة في مفاجأة جميلة. يقول ادواردو سمعان: جاء اهلي الي فنزويلا علي دفعات وعملوا كالعادة بالتجارة واصبح لهم اسمهم المعروف وصيتهم الذائع في هذا المجال وهنا في فنزويلا لا توجد تفرقة بين من هو من اصل فنزويلي او اصول عربية واسبانية او ايطالية, هنا في فنزويلا المهم هو من الذي يستطيع الانجاز والنجاح هذا هو المعيار وقد وضح هذا جليا خلال فترة حكم الرئيس شافيز فبعد تخرجي في الجامعة وانا متخصص في الاقتصاد واخذت فرصة جيدة للعمل في الدوائر الاقتصادية وقدمت مشاريع كثيرة لنهضة الاقتصاد الفنزويلي مما كان عاملا اساسيا في اختياري وزيرا للتجارة وقد اعطي الرئيس شافيز توجيهاته بالعمل علي دعم التعاون الاقتصادي والتجاري مع العالم العربي ليس فقط الدول الخليجية الاعضاء معنا في الاوبك ولكن ايضا مع سوريا ولبنان ومصر وليبيا وسنقوم قريبا بجولة في العالم العربي بصحبة وزير الزراعة ايليا حوا وهو من اصل عربي لبناني ومجموعة من رجال الاعمال لبحث فرص الاستثمار في هذه المنطقة التي ظلت بعيدة عنا كثيرا. التجارة شطارة وفي اليوم التالي وعند دخولي مقر انعقاد القمة وجدت وزير التجارة يقف بصحبة وزير الخارجية نيكولا مادورو وطارق الهيثمي وزير الداخلية قد مني لهم قائلا هذا اخ من مصر العزيزة وبعد نقاش قصير حول القمة اصطحبني وزير الداخلية طارق الهيثمي وهو من اصل سوري لتناول فنجان قهوة في صالة الاستقبال وحول وجوده في فنزويلا قال جاءت عائلتي من سوريا في فترات الهجرة الاولي وعملا بالتجارة وكما تعلمون فالشوام يعشقون التجارة وكما تقولون في مصر التجارة شطارة وتميزت عائلتي في هذا المجال ولم ينسوا ان يبعثوا فينا الروح العربية ونلمح دائما اشتياقهم الدائمة للوطن الام حتي صارت القضايا العربية حديث الصباح والمساء في بيتنا وارتبطنا بالمؤسسات والنوادي العربية الموجودة بفنزويلا واثناء دراستي بالجامعة تعرفت علي شقيق الرئيس شافيز وكنت رئيسا لاتحاد طلاب الجامعة ونظرا لثقته الشديدة في جيلي عرفنا علي اخيه شافيز الذي كنا نسمع عن حكايته النضالية وحبه لبلاده وعندما اصبح رئيسا لفنزويلا اصبحت من المقربين اليه الي ان اختارني في الحكومة الجديدة وزيرا للداخلية ويشهد الجميع علي التحسن الواضح في مجال السلم والامن الاجتماعي الان مقارنة بالعقود السابقة ونطمح إلي الاستفادة من التجارب الاخري في المجال الامني خاصة التجربة المصرية الرائدة في القضاء علي الارهاب وتحقيق السلم والامن الاجتماعي في بلد عدد سكانه85 مليون نسمة.