تمر مصر في الأشهر الثلاثة الحالية وحتي نهاية يونية بتحديات كبيرة هي الأصعب علي الإطلاق منذ ما قبل حرب73, وتحديات المصير دائما هكذا لا أبالغ إذا قلت إن مصير مصر لفترة طويلة قادمة يتحدد الآن موقعة دستورية يتحدد معها مصير الدولة المدنية تشريعيا, وملحمة رئاسية يتحدد, معها مصير الدولة عمليا. والمدنيون في مصر في مأزق شديد التأزم يبحثون عن انفراجة كبري تحمي ما ناضلت مصر من أجله علي مدار قرنين من الزمان, والإسلاميون يناورون بكل أوراقهم لكي يحققوا فتحا كاملا غير قابل للنقض أو الإبرام. فعلي الجانب الدستوري يتمسكون بحقوقهم الدستورية التي أسس لها الإعلان الدستوري بأن مجلس الشعب وحده هو ما له الحق في انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية, وهو حق الدستوري لا مراء فيه ولا مزايدة عليه, ولكن كان البعض ومنهم كاتب هذا المقال يتوقع منهم ومن الإخوان خاصة بما لهم من حس سياسي أن يكونوا أكثر أريحية في توزيع نسب التمثيل, خصوصا وأنهم قد أعلنوا غير ذات مرة أنهم يناصرون الدولة المدنية, ولكنهم لم يفعلوا, بل لم يعلنوا عن ورقة مفاهيم دستورية تطمئن أنصار الدولة المدنية علي مستقبل مصر, وأصروا كعادتهم ما قبل رفع الحظر عنهم علي إبقاء أوراقهم قريبة إلي صدورهم دونما إعلان أو تنويه. وما كان من المدنيين الذين يعانون من ضعف تنظيمي حاد إلا أن أعلنوا علي مراحل انسحابهم من اللجنة التأسيسية, وهو ما يمثل من وجهة نظري عملا سلبيا يضاف إلي سلسلة أعمال سلبية دأب الليبر اليون والمدنيون علي القيام بها ما بعد11 فبراير2011, ولكنهم قد باتوا أقرب إلي الاتفاق الآن علي مقاطعة أعمال اللجنة التأسيسية وشجعهم علي هذا دخول المجلس العسكري علي الخط وإعلانه بلا مواربة ما يعني أن الدولة المدنية خط أحمر لا يسمح بعبوره, وهو ما يتوافق مع تركيبة الجيش الاجتماعية والمعنوية كعصب الحياة المدنية في مصر. ووجد المدنيون أنفسهم أمام من هيجوا الرأي العام ضده طيلة فترة ما بعد الثورة وهو يقف معهم في خندق واحد يدافع عن الدولة المدنية بنذر صدام قادم مع الإخوان, ووصل الأمر ببعضهم إلي مناداة العسكر كما أسموهم إلي انقلاب علي الإخوان لحماية الدولة المدنية, ومازال الجدل دائرا حتي وقت كتابة هذا المقال, اللهم إلا من قرار إخواني باستبدال لبعض ممثلي الشعب في اللجنة التأسيسية وهو ما لم يشف غليل المدنيين. وعلي الجانب الرئاسي تحتدم أواصر المعركة التكميلية لمصير الدولة المدنية, فالإسلاميون أصبح لهم أربعة مرشحين أساسيين, يقفون جميعا علي خط ترددي متباين, فمنهم من انشق عن الإخوان لا لأسباب عقائدية وإنما إجرائية ونجح في ترويج نفسه في أوساط الشباب كبديل مناسب للبرادعي وهو عبد المنعم أبو الفتوح, ومنهم علي النقيض من هذا كالشيخ أبو اسماعيل من كان إخوانيا في السابق( أو هكذا يدعي البعض), ولكنه نجح في ترويج نفسه سلفيا حتي حصل علي شعبية كبيرة بينهم كما نجح في حصد تعاطف الكثيرين من أصحاب المزاج الإسلامي غير المنتمين, وتحاصره الآن دعاوي تجنس والدته بجنسية غير مصرية, وهذا ما قد يكون قد دفع بالإخوان لترشيح خيرت الشاطر لأخذ أصواته في حال خروجه, وهو الآخر تحاصره شكوك العفو ورد الاعتبار الذي يتيح له الترشح, وأخيرا نجد العوا وهو لا إخواني وإن كان خطابه أقرب إلي خطابهم وكان ولا يزال يطمع في تأييدهم, ليصبح الطيف الترددي الإسلامي مكتملا بهم إسلامي سلفي إسلامي إخواني إسلامي مستقل إسلامي ثوري, وهم تباعا أبو إسماعيل الشاطر العوا أبو الفتوح, وهو طيف ترددي مشبع يستهدف أصوات المنظمين, وغير المنظمين, وأصحاب المزاج الإسلامي( أو المحافظ), وأصحاب المزاج الثوري( الراديكالي) أيضا. وعلي النقيض من هذا, نجد المدنيين الذين لهم فرص معقولة علي طيف ترددي آخر, يجلس فيه صباحي أقرب إلي الثورة وأبعد عن شكل رجال الدولة, مرورا بعمرو موسي, ثم شفيق, ثم عمر سليمان الأقرب لرجل الدولة بالمفهوم الشامل والأبعد عن الثورة بالمفهوم التاريخي وليس الواقعي بالضرورة. وإذا ما جمعنا الطيفين علي خط واحد لوجدناهما اختزالا( إسلامي ثوري دولة), والثوري الذي يضم أبو الفتوح وصباحي هو ربما أضعف الأطراف بفعل التجريف الإسلامي والتشويه الإعلامي والسذاجة الثورية, وهو ما يعادل أصوات البرادعي إن كان قد دخل إلي الساحة زائدا عليه بعض من أصوات شباب الإخوان, وهو إذا ما قيس علي انتخابات مجلس الشعب لن يستطيع حصد الأصوات اللازمة للمرور إلي جولة الإعادة المتوقعة أمام التيار المصري المحافظ بشقيه الإسلامي والمدني, والطيف الإسلامي ممثلا في أبو إسماعيل والشاطر والعوا هو أقوي الأطراف إذا ما قورن بانتخابات البرلمان, ولكنه في سبيله إلي فقد الملايين من أصوات أصحاب المزاج المحافظ إذا ما ثبت موضوع تجنس السيدة والدة أبو إسماعيل بجنسية أمريكية إضافة إلي عدم رضا الملايين عن قرار الإخوان بالتراجع عن قرارهم السابق بعدم خوض الانتخابات الرئاسية. وسوف يكون لهذا الفصيل المحافظ( حزب الكنبة) القول الفصل في تحديد صعود فصيل رجال الدولة ممثلا في موسي وشفيق وسليمان( إن قرر خوض المعركة الرئاسية)إلي الجولة الثانية, خاصة إذا ما اتحدت أصوات شفيق وسليمان ليبقي موسي وحده أو يقرر الانضمام إلي هذا التحالف, وبهذا تكون جولة الإعادة المتوقعة بين فصيل إسلامي صرف, وفصيل مدني محافظ صرف, وربما فصيل مدني ثوري بنسبة أقل إذا ما وحد صباحي وأبو الفتوح الأوفر حظا جهودهما, وساعتها, سوف يكون للفصيل المدني الثوري في الجولة الثانية القول والقرار الفصل, إما التضحية بمرشحيهم, أو التضحية بالدولة المدنية, وهذا هو المأزق الكبير