تناقلت الأخبار نبأ تنازل رئيسي مجلس الشعب والشوري عن720 ألف جنيه من راتبهما الشهري ليتبقي لكل منهما ثلاثون ألفا فقط ورغم أن أمين عام مجلس الشعب قد كذب الخبر فإن تداوله استمر لأكثر من مغزي, فهو يشير إلي حجم النهب المقنن للمال العام إضافة إلي الإشارة إلي كم المعلومات المحجوبة عن الشعب. قادني ذلك للبحث عن مرتبات شاغلي الوظائف العليا في بعض الدول لنجد أن مرتب رئيس الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال يبلغ36 ضعف الحد الأدني للمرتبات في أمريكا وعلي الرئيس أن يدفع جميع مصروفاته الخاصة مثل تنظيف ملابسه منه, ولا يعني هذا عدم وجود بنود أخري يقوم بالصرف منها ولكنها فقط تتعلق بمهام وظيفته وباعتبار الحد الأدني للأجور في مصر700 جنيه كما أعلن يصبح معادل مرتب الرئيس الأمريكي25200 جنيه. وللمقارنة يبلغ مرتب رئيس الحكومة البريطانية عشرة أضعاف الحد الأدني للمرتبات في بريطانيا( أي ما يعادل سبعة آلاف جنيه بمراعاة الحد الأدني للأجور في مصر!) أما أعضاء مجالس الشيوخ والنواب فتبلغ مرتباتهم في أمريكا أقل من خمسة عشر ضعف الحد الأدني للأجور( يعادل10500 جنيه) وفي انجلترا تبلغ أقل من خمسة أضعاف الحد الأدني للأجور( يعادل3500 جنيه). ويزيد مرتب رئيس المجلس النيابي في أمريكا بعشرة بالمائة عن مرتب عضو المجلس ليصل إلي ما يعادل3850 جنيها( وهالني أن الرقم الذي تم تداوله دون أي تكذيب يقل قليلا عن مائتي ضعف هذا الرقم!) فهل لنا أن نربط مرتبات شاغلي الدرجات الإدارية العليا بالحد الأدني للأجور لننفي عن الوظيفة كونها مغنما ولتصبح بحق خدمة في سبيل الوطن؟ القضية تحتاج إلي قدوة, وها قد لاحت في الأفق بوادرها فهل يقبل رئيسا مجلسي الشعب والشوري أن يتقاضيا مرتبا مماثلا لما يعادل ما يتقاضاه رئيس المجلس المماثل في أمريكا كنسبة من الحد الأدني للأجور, أم يقبلا أن يتقاضيا مبلغا مماثلا لإجمالي دخل زملائهما في الجامعة ممن هم في مثل درجتهما وسنهما ومؤهلاتهما؟ أليسا بالأساس استاذين جامعيين؟ وهل يقبل السادة الوزراء أن يتقاضوا مرتبات مماثلة لمن في درجاتهم العلمية وبمؤهلات مماثلة لمؤهلاتهم أم أن نصف المظروف الذي طلب معالي رئيس الوزراء أن يتنازلوا عنه غض طرفهم عن القضية؟ القضية تحتاج إلي رؤية لإصلاح الأوضاع التي لم نشعر بتحسنها طيلة الشهور الماضية. وأولي خطوات الإصلاح أن نبدأ بأنفسنا تذكرت وأنا أحلل الأمر أن رئيس بوليفيا موراليس قرر عقب انتخابه تخفيض مرتبه بأكثر من النصف ليصبح1875 دولارا أمريكيا( حوالي أحد عشر ألف جنيه مصري فقط لا غير!) وهو ما يعني أن هذا أعلي راتب لأي موظف حكومي عندهم! لقد بتنا نبحث عن قدوة بعدما استمر اللعب والتلاعب بالأمة جميعها محور العمل السياسي. أأصبحنا مسرحا للعبة السياسية كما شخصها الفيلسوف الإيطالي ميكافيللي في القرن السادس عشر الميلادي؟ يري ميكافيللي أن المصلحة المادية والسلطة هي القوي المحركة للتاريخ مؤكدا صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة, علي أساس أن الغاية تبرر الوسيلة مما يعني استخدام كل الوسائل بما فيها الكذب والقسوة والوحشية في الصراع السياسي! وأتساءل أليس حجب بعض المعلومات كذبا؟