بدأت أشعر بالقلق أكثر علي المستقبل السياسي لمصر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بعدما شاهدت الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري السبت الماضي والتي كانت مخصصة لتحديد المعايير التي سيتم علي أساسها تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستكون مهمتها وضع مشروع الدستور الجديد. وقد نبع شعوري بالقلق بعد أن إستشعرت أن كثيرا من نواب البرلمان وخاصة ممثلي حزبي النور والعدالة يريدون أن تكون نسبة التمثيل لأعضاء البرلمان في هذه الجمعية لا تقل عن40% من بين ال100 عضو بل إن بعضهم زاد علي ذلك وطلب أن تكون نسبة أعضاء مجلسي الشعب والشوري70% وكنت أتمني من أعضاء البرلمان أن ينأوا بأنفسهم عن المشاركة في عضوية الجمعية التأسيسية ويفعلوا مثلما فعل البرلمان الفرنسي عندما قرر أن يرفع عن أعضائه الحرج فتم تشكيل لجنة ليس بها أي عضو من البرلمان لتتولي هي كل شيء بالنسبة للدستور وأن تضم في عضويتها ما تراه حتي لا يكون هناك أي تأثير لأي توجه لفصيل معين من داخل البرلمان علي عمل هذه اللجنة المنوط بها وضع دستور فرنسا. وقد سعدت ببعض نواب البرلمان عندنا وفي مقدمتهم النائب أبوالعز الحريري الذي طالب بذلك لكنني أعتقد أن ما يدور في نفوس الأغلبية شيء آخر. وأخشي ما أخشاه أن ندخل في دوامة من الصراع داخل هذه الجمعية التأسيسية ومحاولة فرد العضلات من قبل بعض التيارات والإصرار علي فرض آراء معينة لها حتي بعدما تتم مناقشة مشروع هذا الدستور في مجلسي الشعب والشوري بعد الانتهاء منه وقبل طرحه للاستفتاء الشعبي دون الاهتمام بضرورة أن يكون هذا الدستور معبرا عن مصر كلها وليس عن وجهة نظر أو توجهات فصيل بعينه. كما أنني أتوقع صدامات حادة عند إعداد مشروع هذا الدستور خاصة عند مناقشة مصير نسبة ال50% للعمال والفلاحين في مجلس الشعب والتي أصبح هناك شبه إجماع علي إلغائها خاصة أن50% من أعضاء البرلمان علي الأقل قد دخلوه من خلال شرط هذه النسبة؟ كما أن الإقرار بإلغائها قد يفتح المجال أمام الكثير من فقهاء القانون الدستوري بأن مجلس الشعب في هذه الحالة سيكون باطلا, وان كان البعض يري أنه يمكن تفادي ذلك بالنص علي مرحلة إنتقالية يستمر فيها مجلس الشعب لمدة خمس سنوات دون حله علي أن تجري الانتخابات فيما بعد وفقا للنص الجديد الذي يلغي تخصيص نسبة العمال والفلاحين. وهو ما يمكن أن يحدث أيضا إذا تم الإقرار في الدستور الجديد علي إلغاء مجلس الشوري الذي كثر الجدل حول أهميته والتي لم تعد تتناسب مع ما ينفق عليه من مئات الملايين من الجنيهات سنويا. كما أن هناك قضية أخري شائكة سيكثر الجدل حولها وهي شكل نظام الحكم في مصر وهل سيكون رئاسيا ويعطي سلطات واسعة لرئيس الجمهورية. كما كان قبل ذلك؟ وهذا مشكوك في الموافقة علي إستمراره. أم برلمانيا وبالتالي يكون هناك وقتها حق للكتل البرلمانية الأكبر في مجلس الشعب أن تشكل الحكومة إما منفردة إذا كانت تحوز أغلبية أو إئتلافية إذا لم تكن كذلك؟ وأعتقد أننا لم نصبح مهيئين بعد لهذه المرحلة وقد تأتي لاحقا. وهناك النظام المختلط. وإن كان هناك شك للكتل البرلمانية في مجلس الشعب الآن أن توافق عليه لأنها تريد أن تقفز علي السلطة بشكل أسرع بصرف النظر عن التصريحات التي يطلقها قادة هذه الكتل. وهناك أيضا جدل كبير سيحدث حول علاقة الحكومة بالبرلمان وسلطة كل منهما وحدود سلطة رئيس الدولة في شكل نظام الحكم الذي سيتم الاتفاق علي طرحه. كل هذا أتمني من الله أن ننجزه بعقل مفتوح وقلب مفتوح من أجل مصلحة مصر أولا وأخيرا وليس من أجل مصلحة جماعة أو فصيل معين وإلا سنكون قد أجرمنا في حق هذا البلد بصورة لا تغتفر.