في مثل هذه الفترة من العام قبل الماضي كان وزير الاستثمار السابق الدكتور محمود محيي الدين يقف أمام كاميرات الإعلام متباهيا أمام الجميع بانه الوزير النشيط الذي استطاع جذب أكثر من10 مليارات دولار استثمارات أجنبية الي السوق المصرية خلال عام دون أن يكشف حقيقة تلك الاموال أو نوعية الاستثمارات التي تستهدفها. وبعد مرور عام واحد علي سقوط نظام مبارك ووزرائه من رجال الأعمال خرج إلينا الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الحالي في حالة من الاستياء الشديد يعلن خروج10 مليارات دولار من مصر منذ ثورة يناير2011 حتي الآن مما تسبب في انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي وزيادة عجز ميزان المدفوعات. هذة التناقض الرهيب بين الفترتين كشف عن الوجه الحقيقي لما كان يعانية الاقتصاد المصري من فساد لصالح فئات معينة كانت تصر علي تقديم كل التسهيلات للاستثمارات السريعة وأصحاب الأموال الهائلة دون النظر للمواطن البسيط الذي طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك يتساءل لماذا لا نشعر بالنمو الاقتصادي الذي تتحدث عنه المؤسسات المالية الدولية ويتباهي به الوزراء من حين لآخر. إن هذا التناقض وصفه خبراء الاقتصاد بالنكبة الاقتصادية التي لم يعمل لها النظام السابق أي حساب رغم التحذيرات التي أطلقوها منذ سنوات عديدة مؤكدين أن أغلب الاستثمارات التي كانت تدخل مصر هي ضمن الأموال الساخنة التي تبحث عن الملجأ الآمن في دول ذات أنظمة مستقرة في سياستها المالية والنقدية ولا تضع قيودا علي دخول وخروج الاموال لأن الأموال الساخنة دائما ماتستهدف الاستثمار السريع الذي لا يبني اقتصادا أو يسهم في التنمية لأنها غالبا ماتكون أول الهاربين عند الشعور بالخطر من حدوث أزمة اقتصادية أو سياسية وهو الامر الذي يتسبب في هزة عنيفة لأي اقتصاد مهما كانت قوته. في البداية أكدت- بسنت فهمي- الخبيرة المصرفية أنه لا ينبغي البكاء علي اللبن المسكوب فرغم تأثرنا العنيف بهروب الأموال الساخنة وغير الساخنة من مصر إلا ان ما حدث كان ثورة حقيقية تستهدف النمو الإقتصادي الحقيقي الذي يشعر به المواطن البسيط موضحة أن هناك نوعين من الاستثمار الأول هو الذي يسعي للاستثمار التنموي المتوسط والطويل الاجل في مناخ اقتصادي شريف وهو الاستثمار الذي يقوم بالتنمية الفعلية في الدولة التي يدخل فيها أما النوع الثاني فهو الاستثمار الذي يبحث عن الربح السريع في مناخ فاسد يستطيع فيه الحصول علي كل المميزات من خلال الرشاوي والعمولات وغيرها وبالتالي فإن المناخ الاقتصادي المصري سيكون طاردا لكل الاستثمارات من النوع الثاني التي لن تحقق اهدافها في ظل الشفافية وتكافؤ الفرص أمام جميع رجال الاعمال. واضافت بسنت ان النظام السابق لم يضع اي قواعد لدخول وخروج الاموال في مصر وهو السبب الرئيسي فيما وصل اليه الاقتصاد المصري بعد الثورة مشيرة الي أننا نحتاج إلي إعادة النظر بشكل سريع في السياسة النقدية والمالية المطبقة في مصر فحتي الاجراءات التي أعلنه البنك المركزي بعد الثورة للحد من خروج الاموال لم توفر الحماية الكافية للاقتصاد المحلي فكان لابد من وضع رقابة شديدة علي عمليات تحويل الاموال وليس وضع حد أقصي لها يوميا كما كان يجب أن يتم وضع ضوابط لتحويل الجنيه الي دولار بدلا من دعم سعر الجنيه عن طريق استنزاف الاحتياطي النقدي الاجنبي حفاظا علي سعر الصرف في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة التي نمر بها. وأشارت إلي ان الأموال الساخنة غالبا ماتدخل مصر بحثا عن الاستثمار في البورصة وأذون الخزانة الحكومية بالاضافة الي الذهب والفضة. وفيما يتعلق بعلاقة الاموال الساخنة بعمليات غسيل الاموال في العالم أوضحت بسنت أن الاموال الساخنة قد تكون جزءا من عمليات غسيل الاموال ولكن قد تكون موالأ فائضة عن حاجة صاحبها يبحث لها عن مجال استثمار سريع وذي ربحية مرتفعة. من جانبه شدد حافظ الغندور نائب رئيس البنك الأهلي السابق علي أهمية وضع ضوابط لخروج ودخول الأموال والاستثمارات مصر من خلال فرض ضريبة رأسمالية تتصاعد كلما قصرت مدة الاستثمار في السوق المحلية مؤكدا أنها أولي خطوات بناء الاقتصاد القوي هو الاستثمار التنموي الذي لايقوم علي المضاربات السريعة. وتري الدكتورة ماجدة قنديل- رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية- أن مصر كانت جاذبة للأموال الساخنة العالمية بسبب ارتفاع فوائد سندات الخزانة الحكومية وفوائد البنوك مقارنة بدول العالم الأخري التي قامت بخفض الفائدة لديها بسبب تداعيات الأزمة المالية التي عصفت بمعظم اقتصاديات الدول الكبري هذا الي جانب عدم وجود أي ضوابط أو قواعد تمنع دخول وخروج الأموال الساخنة مثل فرض ضرائب رأسمالية مثلما تفعل أغلب الدول الأخري وأضافت أن الأموال الساخنة ليست بالضرورة تكون عمليات غسيل أموال تحدث في مصر لأن لدينا قواعد صارمة تمنع عمليات غسيل الاموال كما أن مصر لا تعد دولة جاذبة لعمليات غسيل الاموال مقارنة بالعديد من الدول التي تسمح بإجراء عمليات غسيل الاموال علي أرضها دون أي عراقيل موضحة أن خطورة الاموال الساخنة علي الاقتصاد أكبر بكثير من عمليات غسيل الاموال التي تقوم بها المنظفات التي تقوم بأنشطة غير شرعية. ماهي الأموال الساخنة؟! الأموال الساخنة هي السيولة الأجنبية التي تدخل الي أسواق المال المحلية في دولة ما بهدف جني الأرباح السريعة معتمدا علي الارتفاع المفاجئ للأسهم, والسندات نتيجة دخول هذه الأموال, وتختفي هذه الأموال بمجرد ظهور موجة تصحيح في الأسعار مخلفة ورائها انهيارا في أسعار الأوراق المالية بهذه السوق, وهذا يمثل بالتأكيد فقاعة ستنفجر بمجرد عودة الأمور الي نصابها الصحيح.