نحن جيل صنعنا أنفسنا بايدينا...حفرنا مشوارنا في الصخر.. وصعدنا الجبال..ورأينا ماتشيب منه الأجنة...كنا التحدي لحظة الانكسار...وكنا التواضع في لحظة الانتصار...كنا الثبات في لحظة الانهيار. .كنا الأقوي والأصدق في لحظة الاختبار...كنا الأجدر في لحظة الاختيار..ولم تغيرنا السنون. ولم تعبث بنا الأيام.. ولن تفرقنا الطرق. واحد وعشرون عاما مضت كانت تفصل بين عمرين...عمر ميلاد المسائي الذي ولدنا من رحمه..وعمر لحظة قاربنا فيها علي المشيب فلقد' هرمنا'...ومابين اللحظة الأولي حينما كنا هناك حيث كانت تشرق شمس91 من دفء إحدي ليالي الشتاء...وبين لحظة أخري تشرق فيها مصر علي الدنيا بثورة اذهلت العالم....مابين اللحظتين ولد الفجر الذي احيا فينا الأمل...في كل هذه السنين ملايين الحكايا..والأحداث.. والتجارب..والذكريات...فبين زمن مضي..وآخر قادم..عشنا الحلم والحقيقة..الواقع والخيال..لم تكن الطرق كلها ورودا..كانت الأشواك تدمي القلوب والعقول ايضا علي حد سواء..عشنا الزمن بالطول والعرض...حلوه ومره... ذقنا مرارة الايام..وتداعيات الزمان..ومعاناة السنين..عشنا الانتصار والانكسار...نجحنا وأخفقنا..عشنا الأفراح والأحزان... تعرضنا الي لحظات ضيق واكتئاب..وشجن...تساقطت من عيوننا دموع من قسوة الأيام...وأحيانا أخري وصلت اعناقنا الي عنان السماء من شدة الفرح...عشنا واقعا واحدا وتجارب شخصية متعددة...حفرنا في الصخر...وحاربنا طواحين الهواء...وبحثنا عن الأمل بين احضان تلال الرمال...عشنا ندور كالساقية..نكافح بلا انقطاع...نلهث خلف قطار الحياة السريع. تشابكت احلامنا..وآمالنا..مع آلامنا عندما كنا نخطو خطواتنا الأولي في صالة تحرير الدور الرابع....كنا نحمل معنا تقاليد الماضي وتطلعات المستقبل...نحمل بين ايدينا ظروفنا ومشاكلنا.. وينازعنا الأمل في أن يكون لنا مكان في هذا الصرح الكبير... معظمنا جاء من أقاليم مصر يحمل بين ذراعيه غربة واغترابا ليخالط أهل القاهرة العامرة... المكتظة بملايين البشر... وكنا نخاف ان نتوه بين الزحام... لكننا صمدنا... واخذنا نتلمس الخطي في زمن كانت الوساطة سلطانا جائرا وملكا ظالما... وسيفا مسلطا علي رقاب العباد...كان كل منا يحضن قهر زملائه بين ذراعيه عله ينزع منه قليلا... وبفضل الله قهرناه... وانصهرنا معا امتزجت طموحاتنا.. ورغباتنا... وامالنا.. واحلامنا.. وآلامنا.. واحاسيسنا.. ومشاعرنا... وتطلعاتنا.. وآهاتنا..ونداءاتنا.. دعواتنا.. وافكارنا... امتزج كل ذلك في خلطة سحرية هي سر مذاق جيل المسائي الاشاوس. وعشنا الحلم... ولن ننساه... ونتذكر جميعا عندما تشابكت ايدينا ونحن نمر بمراحل التعيين المختلفة.. وقلوبنا تكاد تتوقف خشية ضياع حلم الانتماء لمؤسسة الاهرام...كنا وقتها الاحلي.. والاروع.. والاجمل.. والانقي.. والاكثر تشابكا وحبا طوال سنوات هي اغلي مافي عمرنا... واحلي مافي ايامنا... رغم سنوات الكفاح والمعاناة.... واحيانا الظلم. كان لكل ذلك طعم... ورائحة لم يزيفها شيء... خلقت منا العشرة والظروف كيانا فريدا يقف ضد تغيرات الزمن... وعواصف الايام... وسار كل منا الي غايته... تقذفه الأمواج هنا أو هناك باحثا عن شاطئ يرسو عليه... كبرنا... ومرضنا... وهرمنا... لكن يداعبنا الشوق والحنين بين لحظة وأخري لاسترجاع ذكريات الماضي... عندما كنا براعم تكسو وجوهنا البريئة ملامح الطفولة... الماضي دائما يشدني اليه بجمال ذكرياته..وحلاوة أيامه..وبراءة افعاله.. وعزف آلحانه... ورقة احلامه... إنه ينادينا جميعا... فنحن بلا استثناء باحثون في الماضي... سائرون نحو الذكريات التي عشناها... التي تذكرنا بزمن الطفولة الحالمة... عندما كنا نتقاسم معا رغيف الخبز.. أو كوب الشاي... أو أن نتبادل الملابس في المناسبات... أو أن نسير عشرات الكيلو مترات لتوفير بضعة قروش... نتذكر حينما كنا نتدفأ من برد الشتاء القارس بمشاعر الحب والترابط... عندما كانت جيوبنا خاوية.. وقلوبنا عامرة.. وعقولنا متفتحة..... كنا كالثوب الأبيض الذي لم يعبث به الزمن ويعكر صفو ايامه. وأنا استرجع شريط الماضي.... أتذكر وجوها قد فارقتنا... مازال صدي أصواتهم في أذني... وملامحهم تملأ عيني... واحس بانفاسهم تلامس وجهي... وستظل ذكراهم خالدة لاينساها عقلي... فسلام عليهم اينما كانوا..... وأعيش الآن مع رفقاء دربي الذين أحبهم... فهم ظلي وسندي يزيلون عني الغربة... ويشعرونني بالاطمئنان. لكن السؤال الآن... هل21 عاما أثرت فينا؟ نعم...فلقد حفرت ثقوبا داخلنا... فقدنا جزءا من رومانسيتنا... وعفويتنا.. وطفولتنا.. وبراءتنا.. ونقائنا... وهدوئنا...وحناننا. طبيعي... بحكم السنين والظروف والبيئة المحيطة التي تحمل كل أنواع الألم والشقاء... فما عشناه كفيل بهدم جبال الصفاء والنقاء والبراءة... والاتزان النفسي.. والاخلاقي.... طبيعي أن تأخذنا الحياة كرها.. أو أن نذهب إليها طوعا... لكن غير الطبيعي ان نظل في حالة خصام... خصام مع النفس... وخصام مع الاخر... فهل فقدنا ثقافة التعايش... هل نحن في حاجة الي أن نغتسل من تلوث البيئة ونطهر أنفسنا من شوائب علقت بنا دون أن ندري.. من جراثيم وميكروبات بيئة انحط ورخص فيها كل شيء... البشر... الأرض... والعرض... هل ننتصر ونعود لعصر البراءة... عصر الزمن الجميل... أم نغرق في مستنقع الأنا.. والذات... والعداء مع الآخر بسبب وبدون سبب... هل نعود الي الماضي ليدفعنا الي المستقبل... أم نظل كما نحن... لايتبقي لنا سوي ذكريات تختلط فيها الابتسامة بالدموع. الحقيقة الوحيدة التي يجب أن نتمسك بها... اننا هنا... قادرون... قادرون علي ان نعود.. وشمسنا لن تغيب... قادرون علي تحريك رواسب الماضي التي كست الذاكرة... قادرون علي إزالة اكوام الشوك.... إذا حسنت النوايا وعاد عصر الوئام. ورغم مرور الايام التي التهمت اعمارنا... مازلنا نتمسك بخيط الامل... ونحتفظ بخط العودة... مازلنا نكتب أسماءنا بحروف الصداقة والمحبة... ونرسم ماتبقي من ذكرياتنا الجميلة علي رمال شواطئ بحر مستقبلنا.. ونمسح امواج الدموع من عيوننا التي ذرفتها احيانا شوقا ومحبة... واحيانا خوفا وألما. لكن عمرنا لن يضيع... وحبنا وصداقتنا محفورة علي جدار القلب وفي الذاكرة...وأحلامنا لن تنتهي..ففي كل يوم لدينا فجر جديد يولد فينا ونعيش فيه...يشرق بنوره علينا...يفجر فينا الإيمان بان طريقا طويلا من الصعاب والكفاح والنضال...سوف يتوج بالنجاح. نحن باختصار كلمة من حرفين...تصبح جملة من كلمتين...(حب)( الاهرام المسائي)..لتصير بيتا في قصيدة شعر. ياايها المسائيون.....احبكم جميعا...واقول لكم: شيء سيبقي بيننا... مابقيت الحياة.