تستكمل اليوم محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه ومعاونيه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم, بعد تأجيلها أمس لاستكمال سماع مرافعة النيابة العامة اليوم. وكان المستشار مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة قد بدأ أمس أولي جلسات المرافعة مستعرضا وقائع قضية قتل المتظاهرين السلميين منذ25 يناير من العام الماضي مشيرا إلي أنه سيرجيء الحديث في شأن قضايا الفساد المالي وإهدار المال العام إلي مرحلة تالية من مرافعة النيابة العامة. استهل المستشار سليمان مرافعته بتلاوة بعض الآيات القرآنية واستعرض جرائم مظاهر الفساد التي اندلعت علي إثرها ثورة25 يناير, موضحا أن مبارك كان حاكما مستبدا, وسعي إلي توريث نجله الأصغر جمال سدة الحكم, وأنه عاث في الأرض فسادا وفتح الباب أمام اصدقائه المقربين والبطانة الحاكمة حوله للإفساد دون حسيب أو رقيب. وأشار إلي أن مبارك لم يستجب إلي إرادة المصريين وخضع لضغوط أسرته وخاصة قرينته لتوريث الحكم, وأطلق في سبيل ذلك العنان لوزير داخليته حبيب العادلي في ممارسة القمع والعنف بحق المصريين حتي يتسني له البقاء في منصبه دون أدني مساءلة. كانت الجلسة قد شهدت في بدايتها( قبل مرافعة النيابة العامة) مساجلة ساخنة بين المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة وبين هيئة الدفاع عن حبيب العادلي واللواء اسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق واللواء أحمد رمزي رئيس قطاع قوات الأمن المركزي الأسبق والمتهمين في القضية, وذلك في أعقاب تقدم المحامين إلي المحكمة بأوراق القضية مشيرين إلي أن الجزء الأول منها يبلغ9273 صفحة والجزء الثاني لايتجاوز1200 صفحة, في حين أن المحكمة صرحت بجلستها السابقة بالأمس أن أوراق القضية تزيد علي35 ألف ورقة قدمت من النيابة العامة وأن القضية تضخمت لتزيد علي50 ألف ورقة في ضوء طلبات المحامين. وانبري المستشار مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة رئيس هيئة محققي النيابة, إلي المرافعة مستعرضا وقائع قضية قتل المتظاهرين السلميين, وقضية الفساد المالي وإهدار المال العام المتهم فيها إلي جوار مبارك نجلاه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم, لافتا إلي أنه سيفصل في مرافعته بين القضيتين منعا لحدوث أي لبس. استهل سليمان مرافعته بتلاوة الآيتين القرآنيتين:( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير),( ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) مشيرا إلي أن الأيام منذ25 يناير( اندلاع الثورة) وحتي11 فبراير( تنحي مبارك) ستظل خالدة في ذاكرة الشعب المصري وذاكرة العالم كله ولن تمحي منه لأن آثارها ونتائجها هي السبب في مثول الجميع أمام ساحة القضاء المقدسة. وقال المستشار مصطفي سليمان إنه إذا كان قد اطلق البعض علي هذه المحاكمة قضية القرن.. فإن النيابة تري أنها القضية الأولي والأهم في تاريخ السجل القضائي والتاريخ المصري كله, وتتجلي أهميتها في كون أن رئيس الدولة يخضع فيها للتحقيق والمحاكمة تجسيدا لحقيقة سيادة القانون علي الحاكم والمحكوم. وأشار إلي أنها المرة الأولي التي يحاكم فيها المصريون حاكمهم ورئيسهم, بما يقطع بسقوط الحاكم الفرد بلا عودة وانتهاء الحكم الاستبدادي الذي يعتبر فيه الحاكم أنه فوق الشعب والقانون ولايخضع للمساءلة. وأضاف قائلا: إن هذه القضية ستذكر أي حاكم قادم بأنه مسئول عن جميع قراراته وانه سيخضع للمساءلة إذا ما خالف القانون, ولايوجد في مصر من هو فوق القانون.. وأن هذه القضية لهي دليل قاطع وتذكرة علي أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة, وأن هناك قيدا مشروعا يكبح جماح إرادة الحاكم هو الدستور والقانون, وأنه في يوم من الأيام( الحاكم) سيتجرد من زهو السلطان وسيعود إلي صفوف المواطنين كمواطن عادي. وذكر المستشار سليمان في مرافعته أن هذه القضية في حقيقة الأمر عبارة عن دعويين( قتل المتظاهرين وقضايا الفساد المالي) لكنهما في الواقع يمثلان قضية واحدة.. القضية الأساسية الاشتراك في القتل والشروع فيه, وهي ليست قضية شبيهة بأية قضية قتل نمطية نظرتها المحكمة, وإنما هي قضية قتل فريدة في أطرافها.. فلأول مرة المتهمون يتقدمهم رئيس سابق هو محمد حسني السيد مبارك, ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه.. أما المجني عليهم فهم نفر من الشعب المصري عدة مئات من القتلي, ومايفوق الألف مصاب بكثير باشرت التحقيق بشأنهم النيابة العامة.. هؤلاء القتلي والمصابون تصدوا مع غيرهم من جيل شجاع الثورة الشعبية منذ25 يناير وانضم اليهم لاحقا كل الشعب والأمة المصرية من فئاتها العمرية وانتماءاتها الحزبية والسياسية كل علي قلب رجل واحد. وقال المستشار مصطفي سليمان ممثل النيابة العامة: إن مبارك رئيس وحاكم أقسم علي رعاية الشعب ومصالحه, غير أنه حنث عمدا بقسمه, وأصبح يرعي مصالح أسرته وبطانته ومن حوله, خاصة في العقد الأخير من ولايته, حيث استن سنة سيئة لم يستنها أي من سابقيه, وهي توريث الحكم لنجله0 جمال).. فأفسد الحياة السياسية في مصر وزور إرادة الشعب وعصف بكل شخصية اكتسبت درجة من الشعبية وأطاح به من موقعه حتي تخلو الساحة لنجله جمال ويتحقق مشروع التوريث.. رئيس منحه الشعب ثقته لمدة30 عاما وهي فترة تزيد علي فترة حكم الرئيسين السابقين جمال عبدالناصر وأنور السادات مجتمعة. وأضاف المستشار سليمان: رئيس رغم إحساسه بالملل من المسئولية( كما كان قد صرح سابقا) وتقدمه في العمر عاند الزمن وآثر البقاء في الحكم, وأنسته شهوة السلطة طلبات شعبه.. فما كان من الشعب إلا أن يطيح به.. وأضاف كان بوسعه أن يسلم الرئاسة لمن هو أفضل منه في العطاء.. لم يأخذ العبرة من حادث المنصة واغتيال سلفه الرئيس أنور السادات, لكنه لم يستجب إلي إرادة الشعب ولم يرح الشعب من شروره وأخطائه الرهيبة.. رئيس خضع لضغوط أسرته لتوريث الحكم لنجله.. فخضع وانصاع لقرينته التي كانت تريد أن تكون أم الرئيس بعد أن كانت قرينة الرئيس.. نسي( مبارك) أن شعب مصر ليس بالعبيد وأن مصر ليست تراثا أو عقارا يورث. وقال المستشار مصطفي سليمان: إن نظام مبارك كان قد ترهل, حيث كرس الدولة لتوريث البلاد عبر إحكام سيطرة الحزب الوطني علي مقاعد البرلمان بالتزوير, واحتكار السلطة التشريعية سعيا لإنجاح مشروع التوريث.. احتكر السلطة التنفيذية وأبقي علي الفاسدين والعديد من الوزراء والمسئولين الفاشلين علي نحو أدي إلي تفشي الفساد واحتماء الفاسدين بالنظام والسلطة.. تبني سياسات اقتصادية أدت إلي ارتفاع الأسعار, وعدم شعور المواطنين بجدوي تلك السياسات التي خدمت الأغنياء وحدهم علي حساب الفقراء والطبقة المتوسطة.. فازداد الأغنياء ثراء وازداد الفقراء فقرا, واتسعت الهوة بين الطبقات.. وفي ظل هذه السياسات حدث تقهقر فاق الحدود وتراجع وتخلف تعليمي غير مسبوق وفقدان مصر لمكانتها بين الأمم. كما تطرق ممثل النيابة إلي حبيب العادلي وزير الداخلية السابق قائلا هو أطول وزراء الداخلية عمرا في الوزراء.. تولي مسئولية وزارة الداخلية لمدة تزيد علي13 عاما, وهي فترة غير مسبوقة أهلته لها براعته في إقامة نظام أمني قمعي مستبد وخروجه بدور جهاز الشرطة العظيم من خدمة الشعب وحمايته وتوفير الأمن له إلي خدمة النظام الحاكم, واستخدامه( العادلي) لجميع السبل القمعية للحفاظ علي تلك السلطة من وأد الفكر وانتهاك الحريات, وبسط سلطانه علي غالبية المؤسسات وزواج الأمن بالحزب الوطني. وتحدث المستشار مصطفي سليمان ممثل النيابة العامة عن جريمة قتل المتظاهرين خلال الثورة قائلا: جريمة هي الأبشع في تاريخنا المعاصر.. جريمة قتل المصريين الذين خرجوا يطالبون بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.. جئناكم ياسيادة الرئيس( القاضي) بأوجاع أمهات وآباء مكلومين بأحزانهم والألم من نظام قمعي مستبد تعامل مع المتظاهرين السلميين الشرفاء بقلب ميت.. فقد قست قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة.. لقد صوب النظام( السابق) بنادقه واسلحته إلي صدور المواطنين مدفوعا بالخوف من اهتزاز عرشه أو سلطانه. ا