تمر مصر الآن بمرحلة حاسمة في تاريخها, فإما الانتقال لحياة ديمقراطية تصلح ماأفسدته عقود طويلة من سوء الحكم والادارة, وإما المكوث لسنوات مقبلة في جدل بيزنطي عقيم يكون توطئة لترد في أعماق هوة سحيقة لاقاع لها. والحقيقة أن أخطاء كبيرة شابت الفترة الانتقالية قد عمقت من خطورة ما نعانيه حاليا. وأعني بذلك عدم البدء بكتابة دستور كامل, استغلالا للحظة توافق وطني نادر, أو البدء بانتخابات رئاسية كي تجيء برئيس منتخب له الشرعية والشعبية اللازمتين للاصلاح والتطهير في مختلف مؤسسات الدولة, وهوأمر يصعب كثيرا تصور حدوثه دون وجود رئيس منتخب. إن اللحظة الحالية, بكل خطورتها وجسامتها, لاتسمح باجترار الماضي بل الادراك لخطورة الموقف وكيفية التعامل معه. وفي سبيل ذلك أطرح نقاطا لعلها تكون ذات نفع ما: 1 الالتزام بأقصي درجات الحذر من دفع مصر إلي أتون فتنة مهلكة باشعال صدام بين الجيش والشعب. بعض الدعاوي والأحاديث التي ترددت خلال الآونة الأخيرة تدفع سواء عن عمد أو جهل إلي ذات المنحي. لاينبغي أبدا السماح بذلك تحت أي مسمي وفي جميع الظروف فلنتأسي جميعا بماجاء في القرآن الفتنة أشد من القتل ولئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين فالصدام لو حدث لا قدر الله سيكون بداية النهاية للدولة, وأفضل خدمة لأعداء مصر وهم كثر. فلنتذكر إذن مقولة موشي ديان الشهيرة بعد هزيمة67 بأن أحدا ماكان يستطيع أن يفعل بمصر مافعله بها قادتها.. فلا يجب أن نعطي فرصة للاعداء ماظهر منهم ومابطن فرصة القول مستقبلا بعد ثورة25 يناير مصر ماكان أحد يستطيع أن يفعل بها مافعله أبناؤها. 2 ينبغي إيقاف العنف الدائر حاليا حتي لايختلط الحابل والنابل.. بمن هو ثوري ومن هو بلطجي مأجور.. المسئولية الأكبر تقع بالضرورة علي من يمتلك السلطة والسلاح الميري فكم الخطايا التي ارتكبت منها بشكل متوال خلال الشهور الأخيرة تستوجب المحاسبة القضائية الناجزة, كذلك فإن قادة الاعتصام عليهم أن يدركوا أن هناك من تستر بعباءتهم عن عمد وجهل لإشعال الفوضي والتخريب والقفز علي الارادة الشعبية ممثلة في الانتخابات الجارية. عليهم إذن أن يستجيبوا لجهود التهدئة ولو قليلا حتي لاتدفعهم حماستهم إلي اشعال حرائق.. سواء من جانبهم أو من جانب طرف آخر.. لن يستطيع أحد بعد ذلك إطفاءها أو التحكم في مسارها علي الأقل .3 من نافلة القول أن السلطة التي تستخدم القوة المفرطة حيال شعبها تقوض مصداقيتها, بذات النهج والمقدار والكيفية التي تحدث إن هي فرطت أو لم تستطع القيام بمسئولياتها في حماية الدولة ومنشآتها من السقوط.. الخ. نحن إذن أمام وضع أخطاء متبادلة تم ارتكابها وان كان سقوط ضحايا من هنا ومن هناك.قد يجعلنا نميل في تقديراتنا المبدئية إلي طرف دون آخر.. ولكن الأمر هنا ليس محلا لتقديرات أو رؤي أو إحساس ومشاعر نتجت عن مشاهدة صور أو كليبات.. الخ الأمر هنا يستوجب إذن أن يتريث الجميع ريثما تدلي جهات التحقيق بدلوها في هذا الأمر. والإصرار كل الاصرار علي انتخاب هيئة قضائية مشهود لها بالكفاءة والانضباط للقيام بهذا العمل الاستثنائي.4 علي الجميع أن يدرك أنه من البدهي أن قوي إقليمية وأخري دولية لابد أن من مصلحتها أن تنهار مصر أو تنحو نحو سيناريو الجزائر مطلع التسعينيات أو باكستان( عسكر واسلاميين) وأحزاب ليبرالية وأخري ضعيفة.. أو دولة فاشلة بمعني الكلمة. الخ من البدهي أيضا ذكر أن أجهزة أجنبية لابد أنها تجد المناخ الحالي مواتيا لتنفيذ ماتراه جالبا لمصلحتها. من أجل هذا, فإن الجميع مطالب بأن يعلي المبدأ الفقهي درء المفسدة مقدم علي جلب المنفعة إذن فأن ارتأي أنصار رحيل المجلس العسكري تحت شعار الآن الآن وليس غدا أن ثمن هذا الرحيل قد يكون إسقاط مزيد من الضحايا وسفك دماء..فإن عليهم أن يصبروا ويرابطوا أذن ستة شهور حتي يأتي الرئيس المنتخب, فإذا لم يأت الرئيس بعد تلك الفترة فإن لكل حادث حديث. 5 فإذا ماارتأي المجلس العسكري أن مصلحة الوطن وسلامة أبنائه تستوجب ذلك, فإن عليه الإسراع بالتعجيل باجراء انتقال السلطة قدر المستطاع عقب انتهاء الانتخابات الحالية. فأحيانا تستوجب مصلحة الوطن الايثار والتضحية كي لاينفرط العقد حتي إن تبدي أن هذا الخيار ليس صحيحا فليس كل صحيح قابلا للتنفيذ.. وليس كل شرعي.. ممكنا تطبيقه خاصة في اللحظات شديدة التعقيد التي تغلب فيها الحماسة وتأجج المشاعر علي حسابات العقل والمنطق. 6 يتبقي أن علي الأغلبية البرلمانية القادمة أن تظهر تفهما للأبعاد السياسية والثقافية المرتبطة بعملية بناء دستور جديد للبلاد بما يضمن الحقوق المستقر عليها للجميع دون تفرقة أو استثناء حتي لا تتعقد الأمور مرة أخري. فالدستور هو عمل نخبوي بالأساس, وليس عملا شعبويا. تكتبه اغلبية برلمانية نجحت مرة ويمكن أن تسقط شعبيا مرة قادمة. وأخيرا أقول: إن اللحظة الحالية ليست لحظة ميوعة فكرية أو استجداء إعجاب وشعبية.. فكل ما نقوله ينبغي أن نستهدف به صالح الوطن. وأن ندرك أننا سنحاسب عليه. وعن صدق نياتنا في قوله.. فالمزايدة في الوطنية لها نتائجها الكارثية فليعل الجميع من مصلحة الوطن أيا كان الثمن ونعلن كلنا أن دم المصري هو الخط الأحمر الحقيقي الذي لايجب أن تتعداه. أكاديمي مصري