عندما أعلن الأطباء منذ أكثر من شهرين عزمهم علي الإضراب, إذا لم يتم الإلتفات لمطالبهم الخاصة بتطهير الفساد في وزارة الصحة, وتأمين المستشفيات, ورفع نصيب الصحة من الموازنة العامة للدولة من3,8 حاليا إلي15% كما تقضي بذلك الإتفاقيات الدولية,ووضع هيكل عادل للأجور يكون للطبيب مكانه العادل فيه حتي يتمكن من القيام بدوره في تقديم الخدمة الصحية..عندما أعلنا كل هذا,تعالت الكثير من الأصوات المنتقدة لموقفنا هذا منطلقة من حجج عديدة, سأحاول لو سمحتم لي أن أناقشها معكم بهدوء.. أولا: مطالبكم عادلة ولكن الأطباء لايصح أن يضربوا, مهنتكم مهنة خاصة وقسم المهنة لايسمح لكم بالإمتناع عن تقديم الخدمة للمريض ونحن نقول لهؤلاء ان إضراب الأطباء له دائما طريقة خاصة في التنظيم, حيث يكون إضرابا جزئيا وتبادليا, وبالتالي لايمنع الخدمة عن المريض المحتاج لها بشكل عاجل, لأنه لايمس العمل في أقسام الاستقبال والحالات الحرجة والعاجلة بكل أنواعها. باختصار إضراب الأطباء يضع المستشفي في حالة يوم الجمعة.وبالتأكيد نحن لانقتل مرضانا كل يوم جمعة أما الأهم من ذلك فهو أن التزامنا بقسم المهنة هو مايجب أن يمنعنا من الرضاء بالعمل في الظروف الحالية, حيث يقف العجز الشديد في الأدوية ومستلزمات العلاج وشروط التعقيم وإمكانات الفحوص حاجزا لايمكن تخطيه بين الطبيب وإمكانية تقديم العلاج المطلوب للمريض بل إن نقص الإمكانات وإنعدام الأمن وصل لدرجة حدوث صدامات وتعديات علي المستشفيات واغلقت نتيجة لها الاستقبالات في أكبر المستشفيات مثل استقبال مستشفيات قصر العيني والدمرداش والحسين الجامعي والمطرية واحمد ماهر وأم المصريين وغيرها. وبالطبع هناك خطورة من إغلاق الإستقبال الذي يتعامل مع الحالات العاجلة والحرجة, والذي يتجنب إضراب الاطباء دائما المساس بانتظام العمل فيه, أعلي بكثير جدا من إضراب الأطباء عن الحالات غير العاجلة في العيادات الخارجية, وحيث يمكن أن يتسبب إغلاق الاستقبال في خطورة حقيقية علي حياة المصاب في حادث أو المصاب بأزمة قلبية. ولكن هذه الخطورة وتكرار الحوادث التي تؤدي لإغلاق الاستقبالات لاتهز المسئولين ولاتدفعهم لإيجاد حلول فورية لها, ولاتدفع الإعلام للحديث عن الخطر المحدق علي المرضي ولاتدفع د. حمدي السيد المفترض أنه مازال نقيبا للأطباء للتباكي علي المريض الفقير الذي لايجد العلاج في المستشفيات الحكومية أثناء إضراب الأطباء!!! ثانيا: البعض يهاجم الإضرابات عموما لأن البلد مش ناقصة..الحقيقة أننا نتفق تماما أن البلد مش ناقصة..مش ناقصة المزيد من ترك الفساد ليستنزف موارد الصحة الضعيفة.. والبلد مش ناقصة مزيدا من إهمال قطاع حيوي كالصحة. والبلد لم تعد تحتمل أن تظل مستشفياتنا في مرحلة مابعد الثورة خرابات وأماكن لنقل العدوي وليس للشفاء من المرض, كما كانت تماما قبل الثورة. ثالثا: تأتي أهم الحجج عند الحديث عن التوقيت بمعني هل هذا توقيت مناسب للإضراب والضغط علي الحكومة؟؟ الحقيقة أننا نري أن هذاهو التوقيت الأنسب علي الإطلاق..حيث توضع حاليا الموازنة العامة للدولة, ويتحدد نصيب الصحة في هذه الموازنة هذا النصيب الذي سيحدد هل سيستطيع المريض أن يجد علاجا بالمستشفي أم سيضطر لشرائه من الخارج؟ وهل سيطالب المريض قبل أي عملية بأن يشتري المضادات الحيوية والمخدر والكانيولات والشاش والبلاستر من الخارج أم سيوفرها له المستشفي؟؟ هل سيجد المريض سريرا في عناية مركزة مجانية؟أم سيجبر علي دفع2000 جنيه لدخول العناية في المستشفيات الحكومية بحجة أن كل مستشفي يجب أن يمول نفسه؟ وهل ستكون هناك ميزانية لتعيين عاملات نظافة لحفظ الحد الأدني الضروري من نظافة المستشفي أم لا؟؟بإختصار هذا هو وقت تحديد هل ستؤثر الثورة في أولويات توزيع الموازنة؟ أم لاتزال صحة المواطنين وأحوال مقدمي الخدمة الصحية هي أخر مايمكن أن يلقي اهتماما من المسئولين ونصيبا في الميزانية؟ أخيرا..لقد كنا نفهم في عصر ماقبل الثورة أن هذا الإهمال لقطاع الصحة ولمستوي الخدمات الصحية هو جزءمن إهمال حقوق المواطن المصري عموما..لم يكن المواطن يلقي العلاج المناسب, كما لم يكن يأخذ حقه في أي مجال أخر..ولكن هل يصح في عهد مابعد الثورة أن يظل حق المواطن المصري في الصحة ممتهنا ومهانا بنفس الطريقة القديمة؟؟ لقد قال الأطباء كلمتهم..نحن لن نوافق علي ذلك..ولن نشارك في استمرار مهازل العلاج الصوري أكثر من ذلك..من حق المواطن المصري أن يحصل علي خدمة صحية محترمة..كل هذه الأوضاع الكارثية يجب أن تتغير ونحن قادرون علي تغييرها.