اشرنا في المقال السابق إلي تراجع مركز مصر في مؤشر الفساد(112) وتطرقنا لانواع الفساد واسباب انتشاره. والحق ان الخوض في الفساد بعمق يتخطي كثيرا حيز هذا المقال, فهو شديد التشابك واشبه بالكائن الخرافي في الاساطير الذي كلما قطعت له رأسا نبت له اخر, لكننا نأمل من واقع التجارب الدولية والدراسات المتعددة في هذا المجال ان نقدم ملامح خطة قومية تهدف للتقليل من الفساد وتشمل التركيز علي تنمية الوعي المجتمعي, بقيادة سياسية ملتزمة وانشاء منظمة قومية للفساد, وتعزيز قوي المجتمع المدني, ودعم حرية الصحافة. تنمية الوعي المجتمعي تشوهت كثير من قيم المجتمع السليمة نتيجة لانتشار الفساد, المسئول الذي يساعد اقاربه ومحاسبية في الحصول علي وظيفة لايستحقونها يوصف بالشهامة, تدخل المدرسة الامتحان وتحث التلاميذ الشاطرين ان يعاونوا زملاءهم, يقدم رجل الأعمال الهدايا الفاخرة للمسئول ويحثه علي قبولها لان النبي قبل الهدية, يوصف صاحب العمل الذي يفسد مناخ المنافسة بالرشوة بالشطارة والفهلوة. اذن لابد من تنمية الوعي المجتمعي وتغيير المفاهيم وغرس المبادئ والقيم السليمة وهو جهد شاق ولكنه مثمر للغاية ويمكن ان يتم من خلال عدة محاور تشمل المدرسة, والعمل, والجامع والكنيسة, ثم المجتمع المدني والإعلام. ونعتقد ان هذا يمكن ان يتم من خلال مشروع مؤسسي متكامل يصل إلي اعماق المجتمع ويشمل تدريبا وحملات اعلانية تقوم بالتوعية بأضرار الفساد, توضيح موقف الاديان من الفساد وتصحيح المفاهيم المغلوطة, التشجيع علي الابلاغ عن الفساد, واذا نجحنا ان نربط الفساد في الوعي الجمعي للشعب بالخيانة الكبري للأمانة نكون قد قطعنا شوطا كبيرا. وجود قيادة سياسية ملتزمة: ونحن نخطو نحو الديمقراطية, علينا ان نعي ان وجود قيادة سياسية قوية وملتزمة بمكافحة الفساد هو اهم مكسب في الحرب علي الفساد. قل لي من يحكمك اقل لك من انت؟ ان حكمك ديكتاتور ظالم فاسد فأنت خاضع ذليل وان حكمك ديمقراطي عادل نزيه فأنت حر أبي, حسنا, لقد حطمنا جدار الخوف والخضوع, جار انتخاب السلطة التشريعية وانتخابات الرئاسة في الطريق. إنشاء جهاز قومي لمكافحة الفساد: هذه احدي توصيات الراحل الكريم/ دكتور ابراهيم شحاتة:( الدكتور ابراهيم شحاتة هو احد ابناء مصر البررة, شغل منصب نائب أول رئيس البنك الدولي, وعندما مرض واحس بدنو الاجل كتب, وصيتي لمصر وقد خصص الجزء الرابع من الكتاب لقضية الفساد والكتاب روشته ممتازة لمشاكل مصر). ونقترح ان تشمل مهام هذا الجهاز: التنسيق والاشراف علي جميع الأجهزة الرقابية الأخري. الاشراف والتنسيق والقيام بالاصلاحات القانونية, والقضائية, والاقتصادية, والمالية, والادارية, السياسية اللازمة لتحجيم الفساد. التعاون الدولي في محاربة الفساد العابر الحدود ومن الممكن الاستفادة من تجارب دول سبقتنا في هذا المضمار, وربما القيام معهم ببرنامج توأمة لاكتساب الخبرات( هونج كونج, وماليزيا, والبرازيل) ومن المتوقع ان يساعد هذا الجهاز إذا تم انشاؤه بصلاحيات واسعة وخبرات عالية, بإسهام ملحوظ في مكافحة الفساد, ونعتقد ان الاقتراحات في وصيتي لمصر يمكنها ان تشكل خريطة طريقة لمهام هذا الجهاز. تعزيز قوي المجتمع المدني هناك علاقة عكسية بين تنامي نشاط المجتمع المدني والجمعيات الأهلية وبين انتشار الفساد والديكتاتورية, المجتمع المدني ينظر له في بلاد العالم المتقدم علي انه نبض وضمير المجتمع ويقوم بتشجيعه ومساعدته. دعم حرية الصحافة: اذا كنا نرغب في تقليص الفساد فلابد من دعم الصحافة الحرة, وحماية الشرفاء, والسماح بحرية التعبير واستصدار جميع القوانين اللازمة لحماية نشر الحقائق والمعلومات. هذه بعض الملامح لخطة مقترحة للتقليل من الفساد.