تواجه السياسة المصرية الخارجية في المرحلة القادمة بيئة اقليمية ودولية متغيرة, فإقليميا هناك الثورات والانتفاضات التي اشتعلت في عدد من الدول العربية ومنها مصر نفسها, وعلي الرغم من أن هذه الثورات قد اطاحت بالنظم القائمة فيها وبسياساتها ومواقفها من قضايا المنطقة وكذلك لعلاقاتها الدولية, إلا أن طبيعة الأوضاع التي ستتطور إليها النظم الجديدة لم تتبلور بعد. وحول كيفية تعامل السياسة الخارجية الجديدة مع العديد من المتغيرات الاقليمية والدولية كان هذا الحوار مع السفير السيد أمين شلبي الأمين التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية وسألناه * ماهي أهم الملفات التي ينبغي أن تتعاطي معها مصر الجديدة علي صعيد السياسة الخارجية؟ ** هناك أمور عديدة منها هل ستنبذ مواقف النظم القديمة من قضايا مثل الصراع العربي الإسرائيلي, أو العلاقات مع إيران والموقف من برنامجها النووي, أم أنها سوف تظل ملتزمة بجوهر هذه المواقف ومنها, كما هو الحال مع مصر, الالتزام باتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية, وماهو مستقبل الأقليم والقوي التي تتصارع عليه مثل تركيا, وإيران, وإسرائيل, وبالنسبة لمصر كذلك ونطاقها الاقليمي سيتعين عليها إعادة صياغة علاقاتها مع دول حوض النيل بشكل يضمن لها المحافظة وحماية مصالحها المائية. * وماذا عن البيئة الدولية؟ ** لا تقتصر عوامل التغيير علي السياق الإقليمي, بل وكذلك الدولي, حيث تشهد البيئة الدولية حالة من السيولة وعدم التحديد فيما يتعلق بحالة علاقات القوي, فثمة قوي تتجه مكانتها الدولية الي التراجع مثل الولاياتالمتحدة بفعل الأزمات المالية والاقتصادية وهو نفس الأمر الذي ينطبق علي أوروبا, وفي الوقت نفسه تصعد قوي أخري وفي صدارتها الصين وتتأكد بالذات قوتها الاقتصادية ودورها في الاقتصاد العالمي, وهو ما يؤهلها لدور فعال ومؤثر في النظام الدولي, وهو ما ينطبق علي قوي مثل الهند, ومجموعة دولBRIKS, وباختصار يتحول ميزان القوي من الغرب الي الشرق. ويجب علي السياسة الخارجية المصرية ان تهييء نفسها للتعامل مع هذه المتغيرات والتكييف معها, الأمر الذي يتطلب إدارة يقظة وكفأ وأكثر من هذا إدارة مؤسسية تعتمد علي مشاركة كل المؤسسات التي لها دور في السياسة والقضايا الخارجية والتنسيق المنظم بينها وهو مايستدعي تشكيل مجلس الأمن القومي الذي سبق ان طالبنا به منذ سنوات وأصبح اكثر ضرورة والحاحا اليوم. * وما هو تأثير نتائج المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية علي السياسة الخارجية المصرية من وجهة نظركم؟ ** جددت نتائج الانتخابات المصرية وما أسفرت عنه من فوز للتيارات الاسلامية, مخاوف الولاياتالمتحدة, والغرب, فضلا عن اسرائيل عن تأثير امكانية تولي الاسلاميين, الحكم علي علاقات مصر مع هذه الدول وخاصة علي التزاماتها بالنسبة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ويفسر هذه المخاوف معارضة التيارات الإسلامية الجذرية للسياسات الأمريكية والغربية فضلا عن السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين ولذلك نتوقع أن المرحلة القادمة سوف تكون حرجة ودقيقة بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية خاصة بالنسبة للتعامل مع الولاياتالمتحدة والغرب واسرائيل. * فكيف سيكون شكل العلاقات المصرية الأمريكية وفقا لتقديركم؟ ** أمريكا, ستظل الولاياتالمتحدة في نظر أي حكومة ونظام مصري قوة عظمي لها دورها الدولي والإقليمي الذي لايمكن تجاهله, ولديها مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتسلح والتكنولوجيا تحتاجها مصر في عملية التنمية الداخلية فضلا عن المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية, ولكن العامل الجديد سيكون هو ان أي حكومة مصرية مع ادراكها لهذه الاعتبارات سوف تدير هذه العلاقات بالتأكيد علي أساس استقلالية القرار المصري وألا تبدو مصر كما كانت تبدو في النظام السابق تابعة للولايات المتحدةالأمريكية وحريصة علي ارضائها ومن ثم لن تخلو العلاقات المصرية الأمريكية من اختلافات خاصة حول قضايا اقليمية. * وما هو محور العلاقات المصرية الأمريكية؟ ** ثمة نقطة مهمة في العلاقات المصرية الأمريكية, فقد كان المكون العسكري والأمني من المكونات الهامة في العلاقات المصرية الأمريكية, ونتصور أن الولاياتالمتحدة سوف تكون حريصة علي استمرار هذا البعد, وأن المؤسسة العسكرية المصرية حرصا منها علي مستوي تسلح الجيش المصري سوف تكون أيضا حريصة علي هذا البعد. * وبالنسبة لأوروبا؟ ** فيما يتعلق بالعلاقات مع أوروبا ستظل أوروبا هي الشريك التجاري الأول لمصر ومصدرا للاستثمارات, وسوف يتأثر استعداد أوروبا لمواصلة مثل هذه الشراكة علي رؤيتها لنظام مستقر وتأكد مدنية الدولة والديمقراطية وحقوق الانسان, وهو ما كان من عناصر التوتر من وقت لآخر مع النظام السابق, كما ستبدو قضايا مثل صراع الحضارات, والهجرة من القضايا التي ستشكل جدول اعمال العلاقات المصرية الأوروبية وطبعا الموقف الأوروبي من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. * وماذا عن العلاقات المصرية الاسرائيلية؟ ** أما عن اسرائيل والعلاقات معها فإن إدارة أي حكومة مصرية لهذه العلاقة سوف تكون متأثرة باتجاهين: الأول وهو الذي له مواقفه التقليدية وتحفظاته تجاه اتفاقية السلام المصرية والاسرائيلية منذ التوصل إليها وتري فيها قيدا علي سيادة مصر وتوجهاتها العربية, وهي التحفظات التي يري هذا التيار أنها تأكدت علي مدي الحقب السابقة بسلوك اسرائيلي متشدد تجاه الفلسطينيين والمنطقة. أما الاتجاه الآخر فهو الذي يدرك أن الاتفاقية هي التزام مصري ليس من السهل التخلي عنه, وما يحمله هذا من اخطار وتأثير علي علاقات مصر الدولية, وفي كل الحالات فان عودة العلاقات المصرية الاسرائيلية إلي ما كانت عليه في النظام السابق من حرص شديد علي هذه العلاقات والمواقف غير الحازمة تجاه سلوك اسرائيل تجاه الفلسطينيين وفي المنطقة, لن تسمح به البيئة السياسية الجديدة في مصر. * وماذا عن التعاون مع قوي أقليمية أخري مثل إيران وتركيا؟ ** من الثابت أن تركيا, وخاصة بعد الثورة المصرية, تقدم نفسها وبإخلاص كشريك اقليمي لمصر وعلي استعداد للتعاون الثنائي والاقليمي معها, وعلي الرغم مما يبديه البعض من تحفظات علي النوايا التركية في المنطقة, فإننا نعتقد أن تركيا تمثل حليفا استراتيجيا لمصر عليها أن تستفيد منه وتتكيف مع صعود القوة التركية, وأن تقبل علي علاقات تتميز بالتكامل لا التنافس, ونتصور أن مثل هذا الاستعداد من جانب مصر سوف يدعم الاتجاهات الايجابية في السياسة الخارجية التركية تجاه الاقليم, أما إيران, فنتصور أن الحكومة الجديدة في مصر سوف تكون أكثر ميلا إلي بناء علاقات ايجابية تجاه ايران, ولن يسيطر عليها الهواجس ولا القيود التي كانت توجه السياسة المصري تجاه ايران في العهد السابق, وطبعا سوف يؤيد هذا الاتجاه سياسات إيرانية ايجابية تجاه مصر وكذلك في المنطقة.