كيف لك أن تكتب وأنت في قلب الحدث, وعليك أن تستقرئ الموقف ؟ هذا هو التحدي الذي تواجهه وأنت تخط كلماتك وتكاد ترصها رصا لتستنطق اللحظتين الحالية والتالية وسط عرس انتخابات لم نعهده, فالمجالس النيابية هي أولي ثمار التغيير. ورغم بعض سلبيات المشهد الرائع للمرحلة الأولي فهو يعبر بحق عن استحقاقنا للمرحلتين التاليتين التي تبدأ أولاهما اليوم ولن يلهينا جمال المشهد عن تدارس تلك الهنات وإعادة تقييم المواقف ليحظي الجميع باختلاف تياراتهم بنسب تمثيل أكبر. وبصرف النظر عمن كسب الجولة الأولي أو خسرها فالفائز هو الوطن بجدارة حيث بلغت نسبة المشاركة وفق الأرقام الرسمية52% وهي أعلي نسبة منذ عقود. ولنحافظ علي كمال الصورة بتكرار تلاحم الجيش والشرطة وبتعاون المتطوعين خارج الدوائر الانتخابية. وللأسف لا يريد البعض أن نهنأ فيكرر المسلسل القديم المصريون غير مؤهلين للديمقراطية الذي بدأ مع احتلال إنجلترا لمصر, والتي درج عليها حكامنا بالاستخفاف بالشعب, بتزوير الانتخابات وبالتلاعب بالدستور, ولنتذكر تصريحي الفريق عمر سليمان نائب الرئيس السابق, والدكتور نظيف رئيس الوزراء الأسبق بعدم أهليتنا للديمقراطية. هذا المسلسل يطرح بأسلوب آخر هو المبادئ فوق الدستورية التي بدأها الدكاترة حجازي والجمل والسلمي ثم أحياها أحد اللواءات في تحد سافر لإرادة الناخبين ليسلب المجالس النيابية الجاري انتخابها حق تشكيل الحكومة, وتمثيل الشعب وبالتالي لن يفعل المجلس العسكري المادة189 من التعديلات الدستورية( التي تنص علي اختيار لجنة صياغة الدستور بواسطة المجلسين النيابيين) والتي وافق أغلبية الشعب عليها في استفتاء مارس وصدر علي أساسها الإعلان الدستوري آخر مارس, مؤكدا ذلك في المادة60 منه, ليستمر مسلسل الدستور أولا ولكن بيد مجلس استشاري في دوامة لا قرار لها! إن لم يكن هذا جميعه مسلسلا واحدا للقفز علي مسيرة الديمقراطية فما عساه أن يكون؟ أهو بديل مصغر لانقلاب الجزائر عقب فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية عام1990 م في أول انتخابات نزيهة في المنطقة ؟ القضية باتت تحتاج إلي معالجة حصيفة فتلاعب البعض بمقدرات الشعب سيدفع شرائح مجتمعية عديدة ومنها العشوائيات إلي ثورة حقيقية ستأتي علي الأخضر واليابس! وأخشي أن يتحقق فينا قول المتنبي مرة أخري: نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفني العناقيد. أطلت علينا منذ أيام حكومة إنقاذ ننتظر بيانها عن خطتها وبرامج وزرائها ليتناقشوا حولها كي تنال رضا مفكري الأمة وليس النخبة بوضعها الحالي! هذا هو واجب الحكومة واستحقاقنا حتي لا نفاجأ برفض الشعب لها لندخل في دوامة وزارة جديدة عساها لا تضم جميع الوزراء القدامي, الذين لم يضيفوا للمجتمع أي إضافة! وعسانا في محضر مدارسة الوضع السياسي أن ندرك أن الإصلاحات الهيكلية لا الفئوية باتت ملحة, حيث أدت الهياكل الحالية إلي ما نحن فيه من فساد. ولعلنا نسمع عن خطط إصلاحية محددة تبني مسار سكك حديد الوطن لا أن تتحدث عنها فكفانا حديثا خلال أكثر من عشرة شهور! ولنتذكر مقولة أينشتين: أي أحمق يستطيع جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد, لكنك تحتاج إلي عبقري لجعلها تبدو عكس ذلك. القضية بشفافية هي استحقاق الشعب للعدل وللديمقراطية ولقيادة واعية عبقرية لتفعيل ذلك. فهل يستحق شعبنا هذا أم أن النخبة تري غير ذلك!