أمس.. منذ أربعة وثلاثين عاما حطت عجلات طائرة الرئيس الراحل أنور السادات في مطار بن جوريون علي أرض تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني مصطحبا معه بعضا من رجاله الذين باركوا تلك الزيارة. وعلي رأسهم مصطفي خليل الأمين العام للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وبطرس غالي وزير خارجيته ومصطفي كامل مراد رئيس حزب الأحرار. في يوم19 نوفمبر من العام1977 كان في استقبال الرئيس المصري في تل أبيب مناحم بيجن وموشي ديان وآرييل شارون واسحاق شامير وجولدا مائير.. اسماء بالتأكيد تعرفها فلقد ارتبطت لدينا جميعا بنزيف هادر من الدماء. قضي السادات ليلتين في اسرائيل خلال زيارته وعلي حد قول صحيفة معاريف الاسرائيلية وقتها بأنه قد كرم هناك تكريم الملوك!! ووسط ذهول أغلبية الشعب المصري بكل فئاته من بسطائه ومثقفيه ونخبته نفذ الرئيس قراره الفردي الذي لم يستشر فيه أحدا فقط قام بتبليغه لنا تحت قبة البرلمان المصري الذي قال فيه بالحرف ستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إنني مستعد للذهاب إلي بيتهم إلي كنيست إسرائيل ذاته.. ليفاجأ الجميع بعدها بأيام قليلة بزيارته الفعلية إلي عقر دارهم كما قال الي الكنيست الاسرائيلي ليقف بكل ثبات وقوة يحسد عليها الرجل ويخطب خطابه الشهير الذي بدأه قائلا لقد جئت إليكم اليوم علي قدمين ثابتتين لكي نبني حياة جديدة ونحل السلام.. نحن جميعا نحب هذه الأرض أرض الله ونحن جميعا مسلمين ومسيحيين ويهودا نسير علي مبادئ الله, بكل صدق أقول لكم نحن نرحب بكم بيننا بكل الأمن والأمان بتلك العبارات وبهذه الزيارة أصبحنا أمام مصر مختلفة بل مصرين, الأولي ما قبل19 نوفمبر1977 والثانية ما بعد هذا التاريخ. والحق لم يكن بالأمر الغريب أن يرحب بيجن والأمريكيون بزيارة الرئيس للقدس والتي أعلن بيجن بعدها سياسة حكومته بشكل فج وصريح وهي أن اسرائيل لن تعود إلي حدود1967 ولن تعترف بالدولة الفلسطينية ولن تقبل اجراء اتصالات مع منظمة التحرير ولم يثن هذا القرار السادات عن القيام برحلته التي كان يأمل فيها بإشراك أطراف عربية خاصة عندما وجه الدعوة لاجتماع أطراف مؤتمر جنيف لعقد مؤتمر مينا هاوس بالقاهرة والذي لم يحضره سوي اسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة كمراقب في هذا المؤتمر تم رفع العلم الفلسطيني وما أن احتج الاسرائيليون حتي أمر السادات بإنزال العلم وحتي لا تفقد المبادرة زخما دعا بيجن لزيارة مصر وتم عقد قمة الاسماععيلية وعلي حد قول محمد ابراهيم كامل وزير خارجيته وقتها في شهادته التي وردت في كتابه السلام الضائع في اتفاقية كامب ديفيد بأنه ذهل أمام تخاذل السادات أمام بيجن الذي تكلم عن حق اسرائيل في الاحتفاظ بالاراضي المحتلة- والكلام علي لسان محمد ابراهيم كامل- لقد ذهلت عندما قال بيجن بحدة شديدة كان في وسعي أن أبدأ مباحثاتي بالمطالبات باقتسام سيناء بيننا وبينكم ولكنني لم أفعل, وعلي لساننا نقول كتر خيره والله.. راجل ابن اصول!! ومازال محمد ابراهيم كامل يتحدث قائلا: حاولت كثيرا أن أثنيه عن هذا القرار وقلت له بالحرف إننا لن نستطيع التقهقر إذا ما ذهبنا الي القدس بل إننا سنكون في مركز محرج يمنعنا من المناورة وإنه بذهابه اليهم فهو يلعب بجميع أوراقه دون أن يرمي شيئا بل سيخسر كل الدول العربية وسيعطي اسرائيل فرصة لعزل مصر عن العالم. ويبدو ان ما قاله كامل قد تحقق فما أن عاد السادات من الأرض المحتلة حتي انهالت عليه الاستقالات التي كان أشهرها استقالة محمود رياض وزير الدولة للشئون الخارجية واستقالة اسماعيل فهمي وزير الخارجية الذي قال بالحرف في كتابه التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط والذي قدم لطبعته الثالثة كل من عمرو موسي والبرادعي وجاء فيه أن زيارة السادات للقدس المحتلة حطمت دور مصر تجاه الفلسطينيين والمنطقة العربية وبعد معاهدة كامب ديفيد دخلت مصر في عزلة عربية بدأت بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة الي تونس واعلن الملك حسين رفضه للاتفاقية قائلا انها أغضبت وأحبطت الشعوب العربية ومازال حديثنا عن ردود الافعال علي الزيارة والتي جرت بعدها المصالحة ثم أدت بنا إلي اتفاقية كامب ديفيد. عندما سأل دينيس هاميلتون رئيس مجلس ادارة وكالة رويترز صديقه الصدوق محمد حسنين هيكل أثناء رحلة مشتركة لهما في الأقصر وأسوان عندما رأي أفواجا من السياح الاسرائيليين سأل عن شعور المصري العادي حينما تقع عينيه علي الاسرائيلي الذي يجوب شوارعه كانت اجابة هيكل كما ورد في كتابه زيارة جديدة للتاريخ أن أكثر ما يحزنه منذ زيارة السادات للقدس ان التعبئة العقلية والفكرية بالنسبة للشعب المصري قد جري فكها والتلاعب بها دون أن يجئ السلام, السؤال منذ34 عاما وتحديدا منذ زيارة السادات الي القدس هل تحقق السلام أم كان.. سلام كلام وكلام سلام؟! دعونا نتأمل قليلا وبشكل سريع وفي خطوط عريضة ماذا فعلت اسرائيل طوال34 عاما فعلي سبيل المثال لا الحصر وتحديدا عام1982 كانت البداية بمذبحة صابرا وشاتيلا ثم مجزرة الحرم الإبراهيمي عام1994 تليها عملية عناقيد الغضب أو مذبحة قانا الأولي عام1996 ثم الثانية عام2006 ثم الحرب المجنونة علي قطاع غزة.. ووسط كل هذا لانستطيع أن ننسي انتهاكات اسرائيل لمعاهدة كامب ديفيد واختراق حدودنا المصرية لمرات عديدة وعديدة وسقوط الشهداء من الاطفال والنساء والعجائز والجنود وضباط الأمن الرابضين علي الحدود.. أسئلة كثيرة تطاردنا وتلاحقنا ونحن الان في عهد جديد بعد انهيار نظام مبارك الذي كان الصديق المخلص والوفي لعدونا,, تري هل كانت نبوءة الشاعر الراحل أمل دنقل في محلها عندما كتب رائعته لا تصالح عندما قال: سيقولون: جئناك كي نحقن الدم جئناك كن يا أمير الحكم سيقولون هانحن أبناء عم قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك قالها أمل دنقل قبل أن يزور السادات القدس فماذا يقول الشعب المصري الان بعد34 عاما علي الزيارة؟ سؤال قد تجد اجابته عبر سطورنا المقبلة.