اشرنا في مقال سابق الي شعار ثورة 25 يناير "خبز حرية كرامة"، وتعرضنا الي الناتج القومي ومتوسط دخل الفرد وما نشر عن النمو السنوي المرتفع في الدخل العام لمصر الذي لم تظهر آثاره علي عامة الناس بسبب الفساد وسوء توزيع الدخل العام واشرنا الي تأثير "الاقتصاد الخفي" في مصر الذي يصل الي اكثر من نصف الناتج المحلي (وفي بعض التقديرات يصل الي ثلثي الناتج المحلي) متمثلا في الدخول غير الرسمية ومنها العمولات، الاكراميات، الدروس الخصوصية، الباعة الجائلين، الرشاوي، التجارة غير الشرعية مثل المخدرات، التهريب، انشطة دعارة، وكذلك دخول البلطجية في اعمال السرقات والشغب او مواسم الانتخابات، فضلا عن التفاوت الفادح في دخول افراد القطاع الحكومي نفسه، وتآكل الطبقة المتوسطة بمصر خلال العقدين الماضيين. وخلصنا إلي أن الاقتصاد المصري لديه نقط قوة تتلخص في: ثروات طبيعية ودخول ريعية (أكثر مما لدي اليابان وكوريا اللتين تقدمتا اقتصاديا ببناء الانسان). طاقة كامنة لنمو اقتصادي سنوي تتراوح من 6 إلي 7% حيث يمكن ان يتضاعف الدخل القومي كل عقد. إلا أن لدينا أيضا تحديات تتلخص في: التهام الفساد وسوء التوزيع لجانب كبير من الدخل القومي. تراكم الديون بنوعيها الداخلي والخارجي. مما سبق نتقدم ببعض الاقتراحات التي يمكن ان تسهم في تحسين مستوي المعيشة من خلال اتخاذ خطوات عملية محددة للنهوض بالطبقة الوسطي بحيث تشكل مرة ثانية السواد الاعظم من الشعب المصري، ويمكن القيام بذلك من خلال برنامج يشتمل علي: - اعادة هيكلة مرتبات القطاع الحكومي وقطاع الاعمال عن طريق تحديد الحد الاقصي والادني للاجور، ويدهشنا ان مثل هذا الامر لم يتم تطبيقه حتي الان وهذا يجعلنا نتساءل هل حقا توجد الإرادة السياسية للقيام بهذه الاصلاحات؟ - وضع حد ادني عادل لاجور القطاع الخاص علي ان يكون متغيرا سنويا. وليكن 8 جنيهات ساعة وهو حد معقول للقطاع الخاص يخضع للدراسة. - فرض ضرائب تصاعدية عادلة علي الاجور والارباح ولدينا تجارب دولية عديدة في هذا المجال، تبدأ الضرائب التصاعدية بالاعفاء الضريبي لمحدودي الدخل ثم تزداد النسبة كلما زاد الدخل حتي تصل الي حدها الاقصي المتفق عليه (وليكن 50% سنويا). - دراسة لبعض المشروعات العملاقة الكثيفة العمالة وذات العائد القومي بعد القيام بدراسات الجدوي التفصيلية اللازمة، ونذكر منها: البدائل التي تتيح للمواطنين الخروج من الوادي الضيق والانتشار (وهناك مشروعات مطروحة الآن ومن قبل). التنمية السياحية، فدخل مصر من السياحة (6 مليارات دولار) يمكن ان يتضاعف عدة مرات في غضون 10 15 سنة اذا تم توفير البيئة السياحية المناسبة والمنشآت التحتية التي تتيح هذا التوسع وللمقارنة فمصر لديها ظروف مناخية افضل من اسبانيا واليونان تجعل السياحة الشاطئية مرغوبة طوال العام. ومن خلال بعض الافكار الخلاقة يمكن دمج السياحة الشاطئية مع سياحة الآثار التي تتصدر العالم بالفعل. - لابد من محاربة الفساد بجميع صوره واشكاله وذلك من خلال تفعيل الاجهزة المعنية وغرس اهمية وطرق محاربة الفساد في الوعي المجتمعي للشعب، وربما يحتاج موضوع الفساد لحديث مستقل. - البعد عن التورط في الديون وخاصة ديون البنوك الدولية وبعض الجهات ذات الاجندات الخاصة، ولعله من المفيد في هذا المجال استرجاع كتاب "اعترافات قاتل للاقتصاد" لمؤلفه "جون بركنز" وفيه يعترف كيف استخدمت اموال الديون في الاغتيال الاقتصادي للامم وذلك عن طريق اغراق البلد المعني بالديون من خلال مشاريع عديمة الجدوي او قليلة القيمة ثم استغلال خدمة الديون لفرض الإرادة السياسية وضمان التبعية. - اعادة النظر في قوانين الامتياز التي صدر بها تشريع من مجلس الشعب العام الماضي، وهذه القوانين تتيح للشركات العملاقة الحق في بناء وتملك وبيع ناتج خدمات داخل الدولة (كمياه الشرب او معالجة مياه الصرف الصحي). - الانسان هو صانع الحضارة وعليه فبناء الانسان المصري علميا وخلقيا هو اهم استثمار اقتصادي علي المدي الطويل. ومن العار في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ان تكون نسبة الامية بمصر 40% وان تتفوق دول المنطقة علي مصر ام الحضارة في محو امية شعوبها، لابد من برنامج شامل لمحو الامية مع خطة شاملة للنهوض بالتعليم. هذه بعض الملامح التي تشكل رؤية اقتصادية قد تستحق الدراسة والتطبيق والتفعيل. والله ولي التفوفيق،