كل الظروف المحلية والعالمية حولنا تحتم علينا أن نولي الملف الاقتصادي الاهتمام الأكبر في المرحلة المقبله, لايمكن ولايعقل أن يظل الجميع مشغولين بالهم السياسي وملفات الانتخابات. وتنظيم جمعيات أو مباريات الجدل السياسي بينما تدبير وتنظيم( أكل العيش) و( فرص العمل) يظل هامشيا أو مؤجلا, فبماذا ينفعنا أفضل دستور وأفضل انتخابات بينما الشباب لايجدون فرص عمل ولا أحد يدري ماذا سنفعل لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تفرضها ظروف محلية واقليمية ودولية غاية في الصعوبة. لهذا فان تشكيل مجلس وطني للانقاذ الاقتصادي بات ضرورة لامفر منها. علي أن يضم خبرات وعقولا اقتصادية من مختلف المدارس ولكن بعيدا عن الايديولوجيات أو الانتماءات الحزبية ويضم أيضا خبرات ميدانية من تجمعات ومنظمات الأعمال المشهود لها بالكفاءة والنزاهة تكون مهمتها وضع رؤية شاملة لسياسات اقتصادية وآليات تنفيذ تلبي احتياجات المجتمع المصري وأولوياته وتراعي المتغيرات الاقتصادية, علي أن يكون هذا المجلس غير مرتبط بأي حزب أو جماعة سياسية ويخرج بمجموعة من السياسات يمكن طرحها بعد ذلك للحصول علي التوافق المجتمعي لينطلق الاقتصاد المصري في مسار واضح إلي الأمام. مؤشرات كثيرة علي الصعيد الدولي ترشح دخول الاقتصاد العالمي مرحلة ركود في الفترة المقبلة, كرة الثلج التي تساقطت من قمة جبل الديون الأمريكية قد تكبر ويزداد حجمها, فالقضية لم تنته بمجرد الاتفاق بين الحزبين الكبيرين في الولاياتالمتحدة.. تخفيض ستاندرد أندبورز للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة كشف المستورد الذي تراكم علي مدي سنوات طويلة.. الديون الأمريكية البالغة41,3 تريليون دولار تفوق الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة, أما في أوروبا فديون بعض الدول الأوروبية كاليونان وإيطاليا وصلت إلي أكثر من021% من الناتج القومي, والحقائق تكشف أن ديون الكبار أو الأغنياء في العالم تعادل08% من المديونية العالمية, الولاياتالمتحدة وحدها تستأثر بحوالي03% من المديونية العالمية, وللاسف فان الفقراء والدول النامية قد تتحمل جزءا من فاتورة ديون الأغنياء, فالصين والهند من أكبر دائني الولاياتالمتحدة وكذلك صناديق الاستثمار السيادية العربية من خلال شراء أذون الخزانة الأمريكية, كذلك, فإن أسواق الدول الغنية هي أكبر مستورد لمنتجات الدول النامية, وبالتالي فان الركود سيصيب الجميع بالخسائر, وسيتأثر الاقتصاد المصري سلبا في القطاعات المرتبطة بالأسواق العالمية كالصادرات والسياحة وقناة السويس. أما علي الصعيد الداخلي فلايزال معدل النمو بالسالب, ومعظم القطاعات الإنتاجية تعاني من مشكلات متشابكة هيكيلة وقطاعية, أما قطاع الخدمات خاصة السياحة ففرص النمو تكاد تكون معدومة, ومع دخول البلاد في مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية فمن المرجح استمرار عزوف رءوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية عن ضخ أي استثمارات جديدة في السوق المصرية, وهذا يعني توقف القطاع الخاص عن توفير أي فرص عمل جديدة علي الأقل في المديين القصير والمتوسط, يقابل هذا دخول حوالي057 ألف شاب جديد سوق العمل نهاية العام الحالي واضطرار بعض الشركات الخاصة التي تسريح جزء من العمالة في حالة دخول البلاد في مرحلة ركود اقتصادي. أما الأخطر فهو استمرار الرسائل السلبية ضد القطاع الخاص واستمرار حالة الغموض لدي الحكومة الحالية في التوجهات الاقتصادية.. فنائب رئيس الوزراء يعلن أنه لا خصخصة بعد اليوم بل وسيراجع ما تم خصخصته دون أن يشير إلي التزام الدولة بالعقود التي أبرمتها مع المستثمرين برغم أن الحكومة مؤقتة وليس من سلطتها تنفيذ سياسات اقتصادية تلقي بتبعاتها علي الأجيال القادمة ودون رقابة من ممثلي الشعب.. محاربة الفساد مهمة جدا للاقتصاد ولكن يجب أن يتم ذلك من خلال منظومة متكاملة تمنع وتكشف وتحاسب أولا بأول, أما حصر الفساد في قضية الأراضي فهذا اختصار مخل لمفهوم مكافحة الفساد واختصار لدور الدولة وكأنها تاجر أراض مهمتها الحصول علي عوائد من خلال بيع الأراضي وليس من خلال تشجيع إنشاء مشروعات علي هذه الأراضي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد وتوفر فرص عمل جديدة, وقد تقدم الدولة حوافز للمستثمرين منها توفير أراض بالمجان أو بأسعار مخفضة لتشجيع الاستثمار في مناطق معينة كما يحدث في بلدان كثيرة.. وللعلم فإن أراضي المناطق الصناعية بمحافظات الصعيد بالمجان منذ01 سنوات ولم تجذب المستثمرين للصعيد. وبالإضافة إلي هذا هناك ضغوط مالية ونقدية ربما تتفاقم في الفترة المقبلة رغم بعض المؤشرات الإيجابية.. فاحتياطي التقد الأجنبي لن يصمد كثيرا.. الحكومة الحالية غير مؤهلة تشريعيا للقيام بانجازات اقتصادية جذرية وملموسة, ولهذا فأن انشاء مجلس وطني للإنقاذ الاقتصادي ضرورة ملحة, فالشعب يريد إنقاذ الاقتصاد.