يا موطني إني لك, فالحب يجري في شراييني سأطوف أرضك, إن نيران شوقي إليك تكويني سأمر في أرض الكويت, وبالعراق فرات سوف يسقيني وأزور سوريا عاشقا, وأطل في البحرين بحنيني وهوي عماني سوف يجذبني, وسواك أردني من سيرضيني لبنان شوق إليك عذبني, والبعد عنك يماني يضنيني وإخوة لي في السودان أعشقهم, وقربي منك ليبيا يكفيني وطار عقلي فيك إماراتي, وسعوديتي علي العهد تبقيني وأسابق الشوق للأقصي, ويذوب عشقي في فلسطين وحبيبتي أمي قلبي لك, يا مصر حبي فيك تكويني هذي نيران الشوق لك وطني, أما كفاك بعاد وتأتي لتحييني؟! هكذا انسابت أبيات الشعر مفعمة بالحب والشوق لتلك المنطقة التي تعاني مخاض الحرية, نظمتها بذكاء مبدع أسماء فوزي, طالبة العلوم(!!) بجامعة الإسكندرية وألقتها بتمكن وعذوبة في مطلع الملتقي الطلابي الإبداعي العربي الرابع عشر ترحيبا بوفود الدول المشاركة فيه, وكأنها أبت إلا أن يكون للشعر جانبا في هذا الملتقي العلمي, كما هو في تكوينها الشخصي الذي يمزج بين العلم والأدب. كان اللقاء في رحاب كلية العلوم بجامعة الإسكندرية حيث وفد شباب من38 جامعة في14 دولة عربية( تضمنتها القصيدة), ليشارك في الملتقي الذي ينظمه اتحاد الجامعات العربية بالاشتراك مع مجلس تدريب طلاب الجامعات العربية. الملتقي الذي يقام كل عام( هذا هو العام الرابع عشر) في بلد عربي مختلف( الأردن في العام الماضي), عقد منذ عدة أسابيع بجامعة الاسكندرية في جمهورية مصر العربية. إبداعات الشباب تجلت في61 بحثا اتسقت مع موضوع الملتقي دور الجامعات العربية في مواجهة التحديات المعاصرة, وعرضت علي التوازي في محاور أربعة: الإبداع التكنولوجي, والبحث العلمي, وجودة التعليم العالي, والثقافة والهوية العربية في ظل العولمة. المهمة كانت صعبة وممتعة. تتمثل متعتها في لقاء شباب ناهض, نابض بالحيوية, متقد الفكر والحس, وتتجسد صعوبتها في المفاضلة بين بحوث كلها متميزة, ولو كانت المساحة تتسع لاستعرضت كل البحوث المقدمة, ولكن دعنا نتلمس بارقة الامل لمستقبل امتنا في عرض بعض الأفكار التي طرحت في الملتقي وحصلت علي الجوائز الثلاث الأولي والتي جاءت كلها من محور الإبداع التكنولوجي. * البحث الفائز بالمركز الثالث عرضه محمد ياسر طوبجي من سوريا بالنيابة عن المجموعة التي قامت به, فكرة البحث تتلخص في تصميم وتنفيذ نظام إنسان آلي( روبوت ذاتي الحركة) للقيام بعمليات الطلاء, حيث قام الطالب بتصميم ومحاكاة نظام ذراع ربوتية لأداء عملية رش( أو بخ) الطلاء علي الأجسام المراد طلاؤها دون أي تدخل بشري. المثير أن هذه الذراع الروبوتية موصلة بنظام رؤية حاسوبية يقوم بالتعرف علي الهدف وحساب الزوايا والمسافات والسرعات المراد استخدامها للوصول الي كل نقطة من الاجسام المطلية, ثم يتم معالجة هذه النتائج في نظام التحكم الذي يقوم بتحريك الذراع طبقا لهذه المعلومات لإجراء عملية طلاء الأجسام ذات الأشكال المختلفة. المدهش حقا أن تجد ذراعا آلية متحركة تقوم بعملية الطلاء بكفاءة متناهية, فهي تناور ويتحرك قربا وبعدا, ويتحكم في كمية الطلاء وضغط الرش لطلاء الجسم دون إهدار لكميات الطلاء المستخدم, ودون تعريض العامل لمخاطراستنشاق بخار مذيبات الطلاء والتعرض لرائحتها الضارة. كان البحث نموذجا لإبداع تقني استخدم أحدث نظريات النمذجة الرياضية لمجابهة مشكلة لها أبعادها الفنية والاقتصادية والصحية. * البحث الفائز بالمركز الثاني جاء من السودان, وعرضه محمد عمر خضر الطالب بقسم الهندسة الطبية الحيوية بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا حول تشخيص مرض البلهارسيا بمساعدة الكمبيوتر: الكشف الآلي لبيض طفيل البلهارسيا. فكرة البحث تتلخص في الكشف عن الإصابة بمرض البلهارسيا عن طريق التعرف علي بيضة طفيل البلهارسيا الموجود بعينات البول المراد فحصه, وتمييزها عن مختلف الطفيليات الأخري اعتمادا علي تقنيات معالجة الصور, والمقارنة بينها وبين قيم مرجعية مخزنة لقياسات مؤكدة للإصابة بالبلهارسيا. تفاصيل البحث متعددة حيث استخدم الباحث تقينات لتحديد حواف صورة البيضة حتي لا تختلط مع غيرها, وطبق معامل الارتباط الحسابي لمقارنة الصور للكشف التلقائي عن طفيل البلهارسيا والتأكد من وجود بيضة البلهارسيا من عدمه. يمثل هذا البحث إبداعا طبيا, يجابه مشكلة لطفيل يسكن في أجساد مائتي مليون من البشر, يسبب مرضا مزمنا مزعجا يستلب من الناس حيويتهم, ويستنزف دماءهم. ويساعد هذا البحث القائمين علي القوافل الطبية بتشخيص المرض بطريقة سريعة وسهلة وقاطعة, وقليلة التكلفة نسبيا. * أما البحث الفائز بالمركز الأول فقد جاء من مصر, قامت به بسمة موافي من كلية العلوم جامعة الإسكندرية. عنوان البحث طائرة الهيدروجين النفاثة حيث تحلم الباحثة بالتحليق في الفضاء بسهولة من خلال انتاج الهيدروجين كوقود يستخدم في الطائرات. حلقت الباحثة في فضاء العلم بانتاج الهيدروجين كأحد مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة, فالهيدروجين موجود حولنا, في الماء وغيره من المركبات, وعند حرقه مع الأكسجين فإنه ينتج طاقة حرارية كبيرة, ويتحول إلي الماء مرة ثانية, مما يخفف من الآثار البيئية الناتجة عن حرق الوقود العادي. الباحثة قامت باستخدام الطاقة الشمسية ومواد طلاء انتقائية للحصول علي درجات حرارة عالية تساعد علي تحلل بعض المواد القلوية لإنتاج الهيدروجين, واقترحت أن يستخدم ذلك في الطائرات بدلا من الوقود المعروف الناتج من نفط الحفريات( أو ما يعرف بالوقود الأحفوري), وحسبت الباحثة معدل إنتاج الهيدروجين الذي يمكن تخزينه من المفاعل الصغير الذي قامت بتصنيعه. البحث متشعب التفاصيل, ويمثل إبداعا علميا, يجابه مشكلة عالمية, يبحث عن مصادر الطاقة البديلة والمستديمة, ويخفف من الآثار البيئية لتراكم الغازات الناتجة عن الوقود المعتاد, والتي سببت احترارا عالميا وتداعياته المحلية في كل مكان. يلفت النظر أن طالبة من نفس الكلية فازت العام الماضي أيضا بالجائزة الأولي لأفضل بحث خلال الملتقي الثالث عشر والذي عقد بالأردن, مما يؤكد تميز إعداد الطلبة في كلية علوم الإسكندرية, وإتاحة الفرصة للطالبات للوصول إلي أعلي مراكز التحصيل العلمي. الملتقي حفل بأفكار أخري رائعة, وجهود متميزة قام بها الباحثون الطلبة وأشرف عليهم نخبة من الأساتذة المخلصين, ومثلت هذه النماذج رسالة من الشباب إلي الأمة العربية كلها, مفادها: نحن قادرون علي الإبداع والإنتاج والإنجاز. خرجت من الملتقي وكلي ثقة أن طريق العلم هو سبيلنا الوحيد للخروج من أنواء الشتاء العربي, وكلي ثقة أن بسمة وزملاءها هم تباشير بسمة الربيع العربي.