الإسلام دين تصحيح واستكمال فيما يتصل بكل جوانب الحياة والعبادة، مما لا يوجد فى الأديان والأمم السابقة، والدليل على أن الإسلام لا يخالف الأديان السابقة لمجرد المخالفة، هو أنه قد أقر الجيد والحسن من أخلاق الجاهلية مع أنها جاهلية، فلم ينكر كرم الضيافة، ولا نجدة الملهوف، ولا حلف نصرة المظلوم، بل أكد هذه الأخلاق المحمودة. وإذا كان الصوم عن الكلام قد عرفته الشريعتان المسيحية واليهودية، فى قوله تعالي: {فإما ترين من البشر أحدًا فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} مريم: 26، فإن الإسلام وإن لم يعرف الصوم عن الكلام وإن كان قد حرمه إذا استمر إلى الليل، فإن الرسول قد حبب صوم الصمت وحث عليه إن كان الكلام سيجر شرًّا ويؤدى إلى فساد، فقال صلَّى الله عليه وسَلَّم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)، وليس الصمت الذى يدعو إليه الرسول، هو صوم الصم البكم الذين لا يعقلون، بل هو صمت الفكر والتدبر والتأمل، وقد امتدح الله أصحاب العقول الذين يكون صمتُهم فكرًا فقال سبحانه: ?الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? [آل عمران: 191]. إذن فحتى صوم الصمت عن الكلام جعله الإسلام صوم عبادة، وأما الصوم عن العمل الذى رأيناه عند اليهود يوم السبت، فإن الإسلام لم يعترف بالصيام عن العمل إلا وقت صلاة الجمعة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَي? ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ? ذَ?لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وإلا بالقدر الذى لا يؤخر صلاة عن وقتها، وهكذا ندرك أن الصوم عن الكلام الذى يأثم به قائله، عبادة.