قال الله تعالي: ... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ... {البقرة:184}، هو تيسير من الله تعالى على عباده وتدرج فى فرض الصوم، والمعنى أن الذين يستطيعون الصوم إذا أفطروا فإن عليهم فدية، وكان هذا فى أول الأمر حيث جعل الله تعالى الصيام على التخيير من شاء صام، ومن شاء أفطر وفدي، فمعنى الآية: وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية.. ثم نسخت هذه الآية فى قول جمهور أهل العلم بقوله تعالي: ..فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.. ويدل على هذا المعنى أن لما نزلت: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. كان من أراد أن يفطر ويفتدى حتى نزلت الآية التى بعدها (وعلى الذين يُطيقونه فِدية…) والمعنى أن الذين يتكلَّفون الصِّيام بمشقّة شديدة كأنه طَوق فى أعناقهم لا يَصومون وعليهم الفِدية، ومن زَادَ على مقدارِها أو تكلَّف الصيام فهو خير، وهؤلاء هم كِبار السِّنِّ ومَن فى حكمهم. ومهما يكن من شيء فإن الأمر قد استقرَّ عند المجتهدين على أن كِبار السنِّ الذين لا يقدِرون على الصِّيام أداءً ولا قَضاء، وكذلك المرضَى الذين لا يُرجى شفاؤهم لا يجِب عليهم الصيام، وإنما الواجب عليهم هو إخراج الفدية عن كل يوم. أما المَرضى الذين يُرجَى شفاؤهم فيُرَخَّص لهم فى الفِطر وعليهم القضاء بنصِّ الآية الكريمة (ومَنْ كَانَ مَريضًا أو عَلَى سَفَرٍ فِعِدّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). «فمن كان منكم مريضا»، ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر ، «فعدة من أيام أخر»، يقول: فعليه صوم عدة الأيام التى أفطرها فى مرضه أو فى سفره ، «من أيام أخر»، يعنى: من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره. ورأى بعض العلماء أن قوله تعالي: (وعَلَى الذينَ يُطِيقونَه فِدْيَةٌ طَعامُ مِسكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وأَنْ تَصومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مفسِّرين «يطيقونه» بمعني: يَقدرون عليه فهو فى طاقتهم ووسعهم، فمن قَدَر على الصيام ولا يُريد أن يصوم فعليه أن يفعل خيرًا وهو إخراج فدية طعام مسكين عن كل يوم، ومن زاد على هذا القَدْر، فهو خير له، ومن صام ولم يُخرج فدية فهو خير له.