عرفه المصريون من خلال فيلم نار الشوق(1970), إخراج محمد سالم, فقد استضافت موسيقي بليغ حمدي شديدة المصرية, الحنجرة اللبنانية الرجالية الأبرز, فكانت مجموعة من الأغاني المسيلة للدموع. منها دار يا دار, وعلي رمش عيونها, وغيرهما, لكنه في الحقيقة له في مصر, ومصر لها فيه أكبر من هذا بكثير, إنه صاحب أغنية عظيمة يامصر الفنان وديع الصافي. والصافي بالطبع ليس اسمه, فهو يحمل اسم وديع يوسف جبرائيل فرانسيس, وظل معروفا باسم وديع فرانسيس, لفترة طويلة من حياته, أما الصافي فهو صوته, ومنه حصل علي لقبه الذي اشتهر به. حصل الصافي علي الجنسية المصرية بعد سنوات طويلة من علاقة غرامية نشأت بينه وبين أم الدنيا, برغم أنه محب عظيم أيضا لبلده لبنان, وقد غني لها كثيرا حتي سأله أحد المذيعين يوما: لماذا غنيت للبنان كل هذا الكم من الأغنيات؟ هل تخاف أن تسرق؟ وبرغم أن أول لقاء بينه وبين عبدالوهاب جري عام1944, ويروي عن موسيقار الأجيال أنه قال عندما سمع وديع: غير معقول أن يكون هناك صوت كهذا, إلا أنه لا لقاء عبدالوهاب, ولا إشادته دفعته للقدوم إلي مصر كما فعل الكثيرون, بل توجه عام7491 للبرازيل وتعرف علي المهجر اللبناني, وحصل علي الجنسية البرازيلية وعاد عام1950 مع بداية الحرب اللبنانية غادر وديع لبنان إلي مصر سنة1976, ومن ثم إلي بريطانيا, ليستقر سنة1978 في باريس, وكان سفره اعتراضا علي الحرب الدائرة في لبنان, وحبا في لبنان الفن والثقافة والحضارة, فكان تجدد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي, تماما كما احتفظ اللبنانيون في الداخل بانتمائهم لوطنهم من خلال صوت فيروز بحبك يا لبنان, وهكذا فإن أغاني الصافي الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه كانت درعا وسيفا للبنان. منذ الثمانينيات بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية, نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها علي الوطن وأبنائه, واقتناعا منه بأن كل أعمال الإنسان لا يتوجها سوي علاقته بالله. وتأثر الصافي بمصر, برغم أن قلة أغانيه باللهجة المصرية كانت واضحة, لا تحتاج شرحا ولا اعترافا, ومع ذلك قد يكون مفيدا إيراد شهادته عن ذلك, فيقول الصافي في مذكراته: عام1940 خلال الحرب العالمية الثانية أجري سليم الحلو( موسيقي لبناني كبير) مسابقة للغناء من ألحانه, شارك فيها مطربون كبار آنذاك من أمثال صابر الصفح, مصطفي كريديه وغيرهما, فحللت في المرتبة الأولي, وخلال كل تلك المدة كنت أسمع ألحان محمد عبدالوهاب, وأري أفلامه مع ليلي مراد ونجاة علي وغيرهما, وأحفظ الألحان وأدرسها, فلم أكن أنام حتي أعرف أساس النغمة ومقامها, كذلك تعرفت في تلك السنوات من أواخر الثلاثينيات إلي صوت أم كلثوم من خلال اسطواناتها وأفلامها, ولم أكن أستمع إلي أحد غيرهما إلا أسمهان. عبد الوهاب ثقفني من حيث الأداء, أخذت عنه غناءه وثقافته, وكنت أشاهد أفلامه مرارا وتكرارا لأتعلم منه. كنت من حزب عبدالوهاب ضد أم كلثوم, وكنت أحب غناءه لأنه أنيق, والغناء الأنيق أقرب عندي للحفظ والغناء. في البداية لم أستوعب أم كلثوم, وفي مرحلة متأخرة فقط اكتشفتها وأغرمت بها, وهي تسلطن بألحان رياض السنباطي.