مصرع 3 أشقاء ونجل أحدهم في معركة على قطعة أرض بأسيوط    ارتفاع الناتج الصناعي لكوريا الجنوبية في أغسطس لأول مرة في 4 شهور    الاحتلال يستهدف العاصمة اللبنانية بيروت    البيت الأبيض: قمنا بتأمين قوات طوارئ إضافية في الشرق الأوسط    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    كولر يرفض تعيين مديراً للكرة بالنادي الأهلي بعد رحيل خالد بيبو    ناصر ماهر: ربنا عوضني وكرمني بنادي الزمالك.. والسوبر الأفريقي أغلى بطولة    أستاذ اقتصاد: بعض حراس العقارات يتجاوز راتبهم 10 آلاف جنيه ويطالبون بالدعم    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الاثنين: 4 ظواهر جوية مؤثرة    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 30-9-2024 مع بداية التعاملات    «لو كنتب موجود مكنش هياخد هداف الدوري».. سيف الجزيري يتحدى وسام أبوعلى    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    موعد مباريات اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    التعليم تزف بشرى سارة ل "معلمي الحصة"    إصابه 4 أشخاص إثر اصطدام دراجتين ناريتين في المنوفية    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    أسعار شقق جنة مصر المنصورة الجديدة.. التفاصيل كاملة    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    صالون التنسيقية يفتح نقاشا موسعا حول ملف التحول إلى الدعم النقدي    طبيب الزمالك يكشف آخر تطورات علاج أحمد حمدي    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة    فصائل عراقية مسلحة تعلن تنفيذ هجوم على هدفين في إسرائيل    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عبد المجيد: الكتابة عالم مليء بالتعاسة
المدن كالنساء.. كثيرة العشاق والإسكندرية قدري وجائزتي
نشر في الأهرام المسائي يوم 12 - 11 - 2018

رواياتي تصنع لي عوالم تقيني من الوقوع علي حافة الجنون مجتمعنا عاش تحولات كارثية ولم نأخذ من الخليج سوي الوهابية والسلفية روايتي الأخيرة قبل أن أنسي أني كنت هنا مرثية لشهداء الثورة
لا أحد ينام في روايات إبراهيم عبد المجيد, فالكتابة لها رائحة البارود, والصفحات تشعلها الحرائق, والحرب قدر كل إنسان.. يقول إبراهيم عبد المجيد: الكاتب مربوط بأقدار أبطاله, مطارد أينما ذهب, ولا خيار أمامه سوي السير في طريق لا يعرف منه رجوع..
عشت حياتين, حياة معذبة مؤلمة, وحياة وهمية صنعتها علي عيني, أهرب فيها من الواقع إلي عوالم أفضل في رواياتي وقصصي, فما حولي ينهار كل يوم, وما أكتبه يعيده إلي الحياة
أشاهد الوقائع مرتين, مرة في صحوي ومرة في خيالي, ولولا الفن والكتابة لمت قهرا, ولكي لا أصاب بالجنون أصنع عالما خاصا بي, عالم يختلط فيه الواقع بالخيال, والمتعة بالبؤس, وجعلت ليلي للفن والموسيقي والمتعة, وأما نهاري فهو للبؤس.. ولهذا اختزلته في النوم..
ويقول إبراهيم عبد المجيد لالأهرام المسائي: نجاتي في أن أصنع قدري, وأن أصبح مسجونا بالإبداع, مسكونا بجريمة لم أرتكبها, وأعيش ككل أبطالي مأساة سيزيف بكل أبعادها, بأحزان لا تنتهي, ودموع لا تجف..
مدن ونساء
للمدن وللأوطان تأثير طاغ علي المبدعين, ما جعل نجيب محفوظ يكتب رواياته كلها عن مدينته ومعشوقته القاهرة, وما جعل الكاتب العبقري تشارلز ديكنز يكتب كل رواياته عن مدينته لندن, ولكن هناك نوعا من المدن تعشقها العيون, مثلما تعشق القلوب النساء الجميلات, من هذا النوع تقف الإسكندرية كمدينة كثيرة العشاق, فكتب عنها لورانس داريل رباعيته التي كانت بمثابة قفزة في السرد مشي علي نهجها وتعقب أثرها كتاب كثر في مصر والعالم, ومع هؤلاء سرت أنا, فكانت الإسكندرية قدري وحظي في الكتابة, وكانت هي أيضا جائزتي, فعنها كتبت بحب, ولهذا منحتني سرها وبادلتني حبا بحب..
عندما أفقد واقعي أرجع سريعا لعالمي, وأنسج من الفن حياة جديدة, وأخلق عوالم لم يعرفها أحد قبلي, هذا ما حدث مع الإسكندرية.. مدينتي.. لما رأيتها تتواري وتذهب بعيدا, وقبل أن تتلاشي من الذاكرة ومن الحقيقة, قبضت عليها وخلقتها من جديد في رواية لا أحد ينام في الإسكندرية ثم أتبعتها برواية طيور العنبر وختمتها بالإسكندرية في غيمة.
45 عاما كالوطواط
ولن أخفيك سرا عندما عزمت المجيء للقاهرة وقررت أن أترك الإسكندرية من ورائي لأحترف الكتابة وأتفرغ للأدب, لم أستطع العيش في نهارها من هذا الوقت وحتي يومنا هذا,45 عاما وأنا أعيش كالوطواط أنام نهارا وأصحو ليلا, وكنت متأكدا أني لو عشت في سطوة وزحام القاهرة يوما, ما بقيت فيها ساعة, وسيكون قراري حينئذ أن أعود للإسكندرية بلا رجعة, ولهذا أصبح ليلي للكتابة والوعي, وبات نهاري للنوم والأحلام..
الكتابة منحتني القدرة علي الاستمرار في الحياة, فكل ما كان من جمال في الإسكندرية تم تجريفه, وما تم تشييده من معمار جميل تم هدمه, وارتفعت مكانها مبان شاهقة وشائهة, وما ساد العقول من أفكار تحررية تم محوها بفكر سلفي إخواني, وكل ما ابتدعته أنامل وأنغام وقرائح أبناء الإسكندرية تم محوها, وكل ما قيل من كلام جميل اندثر..
قبل أن ننسي
ومع صدور آخر أعمال إبراهيم عبدالمجيد قبل أن أنسي أني كنت هنا يقوم فيها بترميم الواقع, ومزجه بالخيال, فيحيي الموتي, وتنخلع الأشجار من جذورها وترتفع في السماء محلقة, ويفاجأ بمكالمة هاتفية من حبيبته, وبعد أن تنتهي المكالمة يتذكر أن حبيبته استشهدت في أحداث28 يناير2011, ليفاجأ بأن كل أصدقائه قد تلقوا مكالمات مماثلة من شهداء هذا اليوم, وعندما يسافر إلي سوهاج يسمع أنين الشجرة التي قتلت صاحبتها في نفس اليوم, ثم يفاجأوا بصور الشهداء تظهر علي جدران الكنائس والمساجد وفي شارع محمد محمود, ويلتقي بتلك السيدة التي تملك القدرة علي استدعاء كل الشهداء, حتي يفاجأوا في يوم بكل حيوانات حديقة الحيوان وقد ملأت ميدان التحرير وبعض ميادين القاهرة, وما بين الواقع شديد البأس, وخيال الكاتب تدور الوقائع التي تسجلها صفحات الوسائط الإلكترونية, في مرثية حزينة لشهداء الثورة.
لما كتبت لا أحد ينام في الإسكندرية كتبت عنها في مرحلة كانت الإسكندرية مدينة العالم, لأنها في الأصل هي نتاج العالم, خاصة اليونانيين, وفي الستينيات والسبعينيات جاءت عليها مرحلة تدحرجت من العالمية للمحلية بسبب سياسة التأميم وسياسة القومية العربية, وفي نفس الوقت كان فيها آثار الروح العالمية, لكنها أصبحت مصرية, فكتبت رواية طيور العنبر, ولما مرت عليها سنوات ما بعد الانفتاح بدت علي المدينة تحولات فلا هي التي صارت عالمية ولا هي التي أصبحت مصرية, بل تحولت لمدينة وهابية, فكتبت عنها جزءا ثالثا وهي رواية إسكندرية في غيمة, والثلاثية ليست أجيال, بل أعتبرها رواية واحدة في أجزاء, من خلال تحولات في شكل وجوهر المدينة, ومعظم ما كتبته بعد ذلك كان عن الإسكندرية مسافات, بيت الياسمين, والبعض يسألني: لماذا لا تكتب رباعية مثلما كتب داريل, وأقول لهم إنه لم يكتب أربع روايات, بل هي رواية واحدة من أربع وجهات نظر, وهذا الأسلوب هو الجديد الذي أتي به داريل وأدي لشهرة الرواية, وسار علي نهجه بعد ذلك الراحل فتحي غانم في الرجل الذي فقد ظله ونجيب محفوظ في ميرامار..
الكتابة عالم مليء بالتعاسة
تركت الإسكندرية وجئت للقاهرة في ظل حالة رفض بداخلك, وبالرغم من ذلك كتبت عن الإسكندرية بأكثر مما كتبت عن القاهرة؟
كنا مجموعة كتاب في الإسكندرية سعيد بكر عليه رحمة الله ومصطفي نصر وسعيد سالم ورجب سعد السيد والناقد عبدالله هاشم, ونعقد ندوتنا كل يوم اثنين بقصر نادي الحرية, وكنا نرسل قصصنا بالبريد إلي عبدالقادر القط, وبهاء طاهر الذي كان يقوم بقراءة مختارات منها في البرنامج الثاني, ومن هذا البرنامج تعرفنا علي معظم الأدباء الشبان منهم محمد المنسي قنديل وسعيد الكفراوي وأحمد الحوتي.. وفي الإسكندرية كنا بعيدين عن التأثر والتأثير الذي يجري في القاهرة بعيدين عن السياسة والحركة الثقافية, والعنف الذي يواجهه المثقفون أيام السادات وبعيدين عن تجارب الاعتقال, فالكتابة هي عالم مليء بالتعاسة, وهي أجواء تعاسة وليست مناخات سعادة, وكنا في الإسكندرية بعيدين عن مناخات التعاسة والسعادة, فكان الفشل هو النتيجة الحتمية لجيلنا السكندري, ولهذا قررت أن أذهب للقاهرة, وعندما حطت رحالي بالعاصمة ذهبت إلي قهوة ريش, وهنا اكتشفت صعوبة الحياة في المدينة, أتذكر أنني أول مرة ذهبت فيها إلي ميدان التحرير ورأيت الزحام فما كان إلا أن رجعت وأخذت القطار إلي الإسكندرية, ولذا قررت ألا أعمل بالنهار بالرغم من العروض التي كانت أمامي للعمل في الصحافة الثقافية في عدد من الصحف اليومية, وما كان مني إلا أن ذهبت للأستاذ سعد الدين وهبة وكان رئيسا للثقافة الجماهيرية وعرفته بنفسي, وفي اليوم التالي وقع قرار نقلي من ترسانة الإسكندرية حيث كنت أعمل إلي الثقافة الجماهيرية, واخترت العمل في قصر ثقافة الريحاني, وكان عملي يبدأ في السادسة مساء وأنام مع الخامسة صباحا.
التحولات الاجتماعية الكارثية
في رواياتك استطعت أن توثق التحولات الاجتماعية التي مرت بها مصر خلال الخمسين عاما الماضية, وهل شعرت بوطأة هذه التحولات علي جيلك والأجيال التي جاءت من بعدك؟
في ثلاثية الإسكندرية رسمت صورة للمجتمع السكندري خلال الحرب العالمية الثانية, والإسكندرية قبل ثورة يوليو ورسمت صورة للتنوع الثقافي للمدينة التي كان يقطنها اليونانيون والإيطاليون والإنجليز والأرمن, وكيف كانت مدينة نظيفة وجميلة, ووثقت شوارعها ومبانيها وبحرها ودور السينما التي بها وطبيعة الحياة ونسق الجمال الذي عرفت به المدينة, وفي الجزء الثاني ظهرت بعض من هذه المباني ومن تلك العمارات, لكن في الجزء الثالث لم يكن بالإسكندرية شيء من دور السينما ولا التنوع الذي كانت تعرف به المدينة, بل استطعت أن أسلط الضوء علي التوجه والتحول الذي تم بالمدينة, وبدلا من أن يكون التوجه نحو البحر الأبيض المتوسط والنظر إلي أوربا, حيث التحرر والتمدين والثقافة المنفتحة علي العالم, حدث تحول للانكفاء نحو الصحراء ومنطقة الخليج حيث الهجرة للنفط ومكامن الثروة الجديدة, وحيث الثقافة الوهابية التي حملتها العقول المهاجرة وعادوا بها إلي مصر, ولم نأخذ من الخليج سوي الوهابية والسلفية, في حين أنهم يأخذون أسس التقدم من أوروبا الآن, ونحن كنا نملك تلك الأسس ولكن تنازلنا عنها, وحدث تغيير في طبائع الشعب وحدث أن بعض النخب المنتفعة كانت تشجع هذا الاتجاه الوهابي نتيجة عطاءات مباشرة أو غير مباشرة, وإذا كان هذا التواطؤ إذا صحت التسمية تتم من المثقفين النخبة التي استفادت من أموال الخليج, فما بالك بالمواطن الذي يذهب ويأتي محملا بتلك الأفكار التي غيرت من طبيعة المجتمع, وما نتج عن ذلك أنه في السبعينيات وحتي وقت قريب تم السماح لمن يقيمون عقارا ما بالمخالفة وكسر خط التنظيم إذا ما قام ببناء زاوية تحت المبني, فنتج عن ذلك فوضي عمرانية كانت العشوائيات بأمراضها الاجتماعية هي النتيجة الحتمية لها.
والثقافة نوعان, الثقافة المعنوية كالكتابة والفنون المختلفة, والثقافة المادية كالعمارة, وقارن بين مباني ما قبل السبعينيات وما بعدها, ستجد فوضي مشوهة, ومع انتشار الفكر المتشدد حدثت المصادرات الفكرية والمحاكمات وثقافة الحسبة وما تلاها, وهذا نتاج لعبة السادات, حيث أراد عمل توازن بين اليسار والشيوعيين والإخوان والجماعات الإسلامية, فما كان منهم إلا أن قتلوه.. وبالرغم من الدعوة لفكر القومية العربية وانتشار ثقافة اليسار أيام عبدالناصر إلا أنه لم تتم مصادرة كتاب واحد إلا مرة واحدة للاعتراض علي كتاب للدكتور مصطفي محمود, أما ما حدث خلال الأربعين عاما الماضية من مصادرات للفكر فكثيرة جدا وصلت لحد التكفير والتفريق بين الزوج وزوجته.. وللآن مازال السلفيون يتربصون بالثقافة والمثقفين..
محفوظ وخلق العوالم السفلية
علاقتك بنجيب محفوظ.. كيف كانت, وكيف كانت لقاءاتكما؟
تأثير نجيب محفوظ علي وعلي كل جيلنا كان واضحا ولا ينكره أحد, فبسببه جئت للقاهرة, واشتغلت بالأدب, وكان تأثيره علينا أنا وأصدقائي وأنا مازلت في الإسكندرية, وأذكر أنني عندما جئت في رحلة مدرسية للقاهرة وأسوان, رجعت الرحلة من غيري, وبقيت أنا في القاهرة أنام في الحسين في الستينيات حيث كانت أبوابه مفتوحة ليل نهار ولم يكن هناك إرهاب, وعشقت أحمد عبدالجواد وخديجة وعشقت عالم نجيب محفوظ, وذهبت للغورية ورأيت زقاق المدق, وصعقت لرؤية الزقاق, وقلت: هذا الشارع الخمسة أمتار, كيف خلق منه محفوظ عالما بأسره, وبسببه عرفت أزقة وشوارع القاهرة وترجمت لكل لغات العالم, وبقيت في القاهرة حتي نفدت فلوسي فرجعت الإسكندرية..
ولما جئت للقاهرة كانت علاقتي به هامشية في البداية ولم أحضر ندوته الأسبوعية إلا مرات قليلة, حتي عام1996 حيث كنت أول فائز بجائزة نجيب محفوظ من قبل الجامعة الأمريكية, فخرجت بعض الأصوات ممن كانوا قريبين منه يهاجمونني ويتهمونني بالعمالة لأمريكا, أثارني هذا النقد لعدم موضوعيته, وكان التقليد أن الجائزة يفوز بها شخص علي قيد الحياة وآخر متوفي, كانت الدكتورة العظيمة لطيفة الزيات, وكان هذا تقليد لم يستمر إلا لعامين فقط, ثم اقتصر علي فائز واحد علي قيد الحياة دون المتوفي.. وبعد الهجوم الذي أثاره البعض علي الفائزين فوجئت ببيان من نجيب محفوظ نشر في الصفحة الأولي بجريدة الأهالي يقول:
الاعتراض علي جائزة تحمل اسمي هلوسة, والجائزة فاز بها أديبان كبيران هما لطيفة الزيات وإبراهيم عبد المجيد, ولهما تأثيرهما الكبير علي الثقافتين المصرية والعربية.. واتصلت بي الجامعة الأمريكية وأخبروني بأن الأستاذ نجيب ينتظرك في البيت, حيث كان ذلك بعد إصابته في حادث الطعن, وذهبت للبيت ولما أخبره الأمن بقدومي كنت أتوقع أن يسمحوا لي بالدخول إلي حجرته, وستقابلني ابنته علي الباب, ودخلت باب العمارة وجدته يخرج من باب العمارة يقابلني في الشارع وهو يقول لي: أهلا يا أستاذنا, فما كان أن غلبتني دموعي وأنا أقبله, وجلست معه, وفوجئت به كان متابعا لكتاباتي, وحواراتي, وذكرني بحواري الذي جئت فيه إلي القاهرة في رحلة بالمدرسة وكنت في الثانوية, والرحلة رجعت وأنا اللي بقيت في القاهرة أريد أن أعمل وأستقر بها, ووجدته يقول لي: دا أنت شحتفت أهلك وبعد هذا اللقاء انعقدت أواصر من المحبة الكبيرة بيننا, وكانت تصريحاته الصحفية, من يعجبك من الأدباء, يقول إبراهيم عبد المجيد, ومن هو خليفتك أو يشبهك, يذكر إبراهيم عبد المجيد, وماذا تقرأ يقول: لا أحد ينام في الإسكندرية وعمل لي جلسة في المعادي وجلسة أخري عقدها الدكتور يحيي الرخاوي الذي قام بعمل دراسة عن لا أحد ينام.. وكنت لا أزوره كثيرا سوي ثلاث أو أربع مرات في العام, وأزوره في رمضان لأشرب معه الكركديه والجاتوه وأمشي, إلي أن توفاه الله..
وأكد هذا الدكتور حسين محمود أستاذ اللغة الإيطالية وقال أشهد بأنني أجريت معه حوارا في1998 وقال له من هو خليفتك فقال: إبراهيم عبد المجيد..
ونجيب محفوظ أكثر كاتب تعلمت منه كيف يكون للعمل الروائي بعده الفلسفي..
يوسف إدريس ركبني
كان للكاتب يوسف إدريس موقف معك لدرجة أنه منعك من الكتابة فترة من الزمن.. ماهي حيثيات هذا المنع؟
علي الجانب الآخر من نجيب محفوظ يأتي يوسف إدريس الذي علمني الجرأة في الكتابة.. أول قصة نشرتها كانت في1969, وكانت فائزة بالجائزة الأولي للقصة علي مستوي الجمهورية, وسألني صديقي: هل قرأت شيئا ليوسف إدريس, فقلت: لا لم أقرأه.. وأحضر لي ستة كتب له لما قرأتها توقفت عن الكتابة سنتين, وشعرت بأن يوسف إدريس ركبني كلما أكتب شيئا أري يوسف إدريس, ونفس الأمر حدث لي مع تشيكوف لما قرأته, كنت إذا ما كتبت شيئا أجد تشيكوف هو الذي يكتبني, ويوسف إدريس لم يكن أمير القصة القصيرة فقط, بل كان جبارا وعبقريا أيضا في المسرح.. فكانت أفكاره فلسفية وكتاباته جريئة ومباشر مثل الرصاصة في الكتابة, وكانت شخصيته طاغية علي من عاصروه, وكثيرون عانوا من وطأة شهرته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.